لا يزال العالم يتفرّج على الإهانات التي تتعرض لها الأديان والأنبياء على يدي وسائل الإعلام، فبعد الكاركاتور السويدي الذي استهزأ برسول الله، شنّ أمس،عدد من القساوسة الكاثوليك في بلجيكا احتجاجا على قناة تابعة لشبكة "آر تي إل"، إحدى أكبر الشبكات الإعلامية في أوروبا، بسبب بثها إعلانا تلفزيونيا مسيئا للسيد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، حيث يجسد الإعلان السيد المسيح وهو يقوم بمعجزاته داخل أحد الملاهي الليلية، ويصوره على أنه شخص ممتلئ البطن يقلد أسلوب ال"هيبيز"، ويقوم بمواعدة فتيات شبه عاريات، وقد بُث الإعلان على القناة البلجيكية الرئيسية بشبكة "آر تي إل"، بهدف الترويج لقناة شبابية تبثها الشبكة أيضا، وهي "بلاج تي في". ووصف القس إيريك دي بيوكلير، المتحدث باسم الكنيسة الكاثوليكية في بلجيكا، هذا الإعلان بأنه "عدائي، يتجاوز حدود الاحترام". وأضاف أن الكنيسة طالبت شبكة "آر تي إل" بوقف بث الإعلان، مشيرا إلى أن قساوستها أرسلوا خطابا للرئيس التنفيذي للشبكة جاك سانتر، وللهيئة المعنية بأخلاقيات الإعلانات فيها، أعربوا فيه عن استيائهم من الإعلان، ولفت إلى أن الكنيسة الكاثوليكية تحاول احتواء الموضوع دون اللجوء إلى الدعاوى القضائية، مشيرا إلى أنها لم تتلق ردا حتى الآن من الشبكة أو لجنتها الأخلاقية بشأن خطاب القساوسة. واعتبر القس الإعلان "انتهاكا لكافة حدود حرية التعبير عن الرأي"، وأَضاف أن "إعلانا عن الجبن أو الباتيه (نوع من المعجنات) يظهر قساوسة أو راهبات ذواقات للطعام شيء عادي، لكن أن يصور المسيح في إعلان متحرك، فإن في ذلك تجاوزا للحدود، داعيا إلى عدم استغلال تسامح الكنيسة مع أفلام الكارتون الساخرة التي تتناول أمورا دينية باسم حرية التعبير، موضحا أن الأمر يختلف بالنسبة للإعلانات"، وشدد دي بيوكلير على ضرورة أن تراعي حرية التعبير احترام مشاعر معتنقي جميع الديانات. وأثارت الأعمال الفنية المسيئة للأنبياء جدلا واسعا بشأن حرية الرأي الممنوحة الفنانين، ففي الشهر الماضي صورت أعمال فنية زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في وضع يشبه المسيح بجانب تمثال للسيدة العذراء مريم وهي ترتدي البرقع، وفي ماليزيا - ذات الغالبية المسلمة - أُوقفت صحيفة يومية عن العمل لمدة شهر كامل، بسبب نشرها رسما كاريكاتوريكا مسيئا للمسيح، حيث صورته وهو يمسك سيجارة وزجاجة من الخمر بيديه. كما نشرت صحيفة "نيريكيس أليهاندا" السويدية في أوت الماضي رسوما مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وفي عام 2005 شهدت الدنمارك واقعة مماثلة عندما نشرت صحيفة "يولاندز بوستن" في سبتمبر رسومًا مسيئة للنبي، ثم أعادت نشرها عدة صحف أوروبية بدعوى التضامن مع الصحيفة، وأثار ذلك غضب المسلمين الذين خرجوا في احتجاجات عمَّت عددًا كبيرًا من بلدان العالم في آسيا وأوروبا وإفريقيا. وتثير هذه الرسومات تساؤلات كثيرة و كبيرة حول المنابع الفكرية التي أصبحت تتيح للإعلام المكتوب و المرئي المساس بالديانات على اختلافها، مما يدعو إلى ضرورة وضع ضوابط وروادع قانونية قاسية للوقوف في وجه هذا التيار "المتطرّف" الذي وجد من يقف وراءه ويشجعه، لكن العالم يأبى إلا أن يبقى متفرّجا.. م.هدنه/الوكالات