بعد فضيحة "دليس بالوما" يزور الجزائر شارف مهدي ليقدم فيلمه "كارتوش ڤولواز" الذي للأسف تضمن أفكارا غريبة عن الثورة الجزائرية، وصورت فرنسا ملاكا يبكي الدم على أصدقائه في الجزائر، واكتفى بدور الشاهد دون أن يتبنى موقفا وهو ابن هذه الأرض. قبل الدخول إلى دهاليز توثيق سينمائي جديد للثورة الجزائرية عبر تأشيرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية" يؤسفنا أن نزف إلى قراء الشروق أن فيلم "كارتوش ڤولواز" سيناريو وإخراج مهدي شارف، هو ثاني عملية تسويق لحقيقة تاريخية واجتماعية مشوهة تفتقد إلى المصداقية الزمنية والمكانية بعد فيلم "دليس بالوما" لنذير مقناش. الفيلمان يختلفان في الموضوع ويشتركان في المنتج المنفذ "ليت ميديا"، كما يشتركان أيضا في أنهما عرضا بفرنسا بحكم التمويل المشترك قبل العرض الشرفي في إطار انتمائهما لقسم السينما في التظاهرة. "كارتوش ڤولواز" كان صباح أمس قبلة للإعلاميين في قاعة الموڤار ، حيث رحلوا عبر ما خزنت ذاكرة مهدي شارف من أحداث عن آخر صيف من الثورة التحريرية. استطاع مهدي شارف أن ينقل وقائع حية ومرعبة في نفس الوقت، ببراءة الطفل "علي" ذو العشر سنوات والذي تمكن من خلال احتكاكه بأبناء المعمرين من تكوين صداقات كثيرة أهمها تلك العلاقة الطفولية البريئة بينه وبين تيكولا. طفولة استطاعت أن تستفز كثيرا من المواضيع على غرار تعدد الزوجات عند المسلمين في حوار جعل من الرجل الجزائري متعطشا جنسيا والمرأة مجردة من الإرادة تخضع لنزواته متى أتى دورها ومتى أراد. مشهد آخر، كان السيدة الفرنسية "سيستي" التي قصدت بيت "علي" لتجد أمه "عائشة" ساجدة تصلي ورغم ذلك تحدثها وتطلب منها أن تسكن بيتها لأنها ستغادر إلى فرنسا وكأنها تورثها وكانت تذرف الدموع، وهو ما أوحى بعدة أفكار جعلتنا نتحسر دون أن نشعر على مغادرة المعمرين لأرض الجزائر، ولكن استفاق شعورنا بعد ثوان، ذلك أن المشهد الثاني كان وصول الطفل موزع الجرائد إلى مركز الجيش الفرنسي، حيث صدم وهو يرى والده المجاهد ورفقاءه معذبين ومرميين في السجون، سابحين في دمائهم. عشنا أكثر من ساعة ونصف ساعة من خلال شهادات طفولة مهدي شارف التي اتخذت موقع المحايذ ولم يتبن أي موقف لا جزائري ولا فرنسي، وواصل سرده للأحداث وتصويره لعمق العلاقة الانسانية بين الفرنسيين المدنيين والمواطنين الجزائريين. جاء فيلم "كارتوش ڤولواز" في حلة إخراجية كلاسيكية اعتمدت على أداء الممثلين ولغة الحوار، في أغلب الوقت ولكنه جاء خصبا، صالحا للاسقاطات، ذلك أنه اعتمد على الأفكار المفتوحة على الايحاءات والدلالات السيمولوجية صورة وصوتا. ظهرت في تلك الفترة، فتاة جزائرية في بيت الدعارة مع الجنود الفرنسيين، غادرت هي الأخرى، هروبا من انتقام إخوتها، بطريقة سرية، تحولت الصداقة بين الأطفال إلى تصادم خاصة عند الساعات الأخيرة أو عشية الاستقلال، حيث غلب الانتماء الفرنسي نيكولا وتشاجر مع الطفل علي. فيلم "كارتوش ڤولواز" تعرض إلى جملة من الانتقادات الاعلامية بفرنسا خاصة من جريدة "لوموند" و"ليبيراسيون"، ورغم ذلك اختير في المنافسة الرسمية لمهرجان "كان"، والأغرب أنه مُوّل بمليارين من قسم السينما ليسقط في فخ الانتاج المشترك الذي طالت أبعاده الحقائق التاريخية الجزائرية. آسيا شلابي