وضعية مأساوية تلك التي آلت إليها زوايا ولاية بجاية، حيث أن تراكم المشاكل المختلفة وتعقدها يجعل استمرار الزوايا في أداء وظيفتها الدينية والأخلاقية والتربوية بالأمر المستيحل، وبالتالي زوالها أصبح أقرب من أي وقت مضى. وكانت المئات من الزوايا المنتشرة عبر ولاية بجاية تستقبل الآلاف من الطلبة من مختلف مناطق الوطن ولم يبق منها إلا عشر زوايا يقبل عليها حوالي 400 طالب من الذين يتمتعون بالنظام الداخلي، بينما قدر خلال المواسم الماضية عدد الطلبة بأزيد من 1300. وقد اضطرت إدارة الزوايا إلى تسريح عدد كبير من الطلبة لاسيما الإناث، حيث لم يعد بإمكانها التكفل بهم من جميع النواحي، خصوصا الإيواء والإطعام، ويعود ذلك إلى تراجع المداخيل المالية للزوايا التي يظل مصدرها الوحيد لا يتعدى هبات المحسنين والمتطوعين. ويقتضي النظام الداخلي للزوايا المفروض على الطلبة أن تكون مصاريف الزاوية من مداخيل أملاكها التي يساهم في خلقها الطلبة. وحسب المصادر التاريخية المطلع عليها، فإن الزوايا منذ مئات السنين تعتمد على التمويل الذاتي الذي يقوم على أساس المجهود العضلي للطلبة، حيث يكرسون الفترة الصباحية لاستغلال الأراضي بينما الفترة المسائية التي تمتد من صلاة العصر إلى ما بعد العشاء والتي تتجدد من صلاة الفجر إلى إقبال الصباح لحفظ القرآن والتفسير والفقه وغيرها من المسائل الدراسية، ويتكفل إمام المسجد الذي يمثل دور المدير في ضمان الاستغلال العقلاني للعائدات المالية، حيث يخصص جزء منها لتمويل نشاطات الزاوية والفائض لإطعام الفقراء والمساكين وعابري السبيل، واليوم لم تعد الزوايا قادرة على التكفل حتى بنفسها حيث تعاني نقصا كبيرا في التمويل. الوضعية المتأزمة للزوايا جعلت إدارتها تضطر لرفض التسجيلات وحرمان المئات من الطلبة من الالتحاق بزوايا بجاية المعروفة بسمعتها الوطنية والإسلامية. ولا يمكن لأحد أن يتنكر للدور التاريخي الذي لعبته الزوايا في تنوير الرأي العام إبان العهد الاستعماري وشدِّ همم الجزائريين من أجل استرجاع حريتهم، حيث رغم الإجراءات القمعية التي اتخذتها فرنسا ضد المدرّسين والأئمة لدفعهم إلى الاستسلام والمضايقات التي تمارسها على الطلبة، ورغم مساعيها لإسكات صوت الإسلام في البلاد ومحو آثار الشخصية الوطنية الجزائرية، إلا أن الزوايا كانت لها بالمرصاد. مؤرخ فرنسي قد كشف أن الحرب الكبرى التي خاضتها فرنسا ضد الجزائريين في النصرانية والمسيحية كانت عن طريق التبشير الديني، خاصة في القرى والأرياف النائية، وسعت إلى تفريغ الزوايا وفرض قيود على المدرسين والطلبة ومنعهم من تفسير القرآن والاقتصار على الحفظ دون غيره. إن الكثير من ساسة الجزائر وحكامها تخرجوا من زوايا بجاية لكن الغالبية لا يتذكر ذلك خلال الزيارات الرسمية، ولم يحدث أن تساءل أحدهم عن مصير المدارس التي بفضلها وصلوا إلى ما وصلوا إليه، مشيرا إلى أنها لا تزال رغم المشاكل تؤدي وظيفتها على أحسن وجه. وحسب وثيقة من مديرية الشؤون الدينية، فإن الزوايا التي تزال تمارس نشاطها بشكل عادي هي: سيدي سعيد بمسيسنة، سيدي أحمد أويحيى بأمالو، سيدي موسى بتيندار، سيدي يحيى العيدلي بتاموقرة، سيدي الحاج حساين وسيدي يحيى موسى بشميني، سيدي موسى أويذير بتيفرة، سيدي الموقف بصدوق، وسيدي محند رزاق بأكفادو، سيدي أحمد بسوق أوفلا. بينما الزوايا التي تسعى مديرية الشؤون الدينية ببجاية إلى إحيائها من جديد هي شيخ محند السعيد أوسحنون بأوزلاقن، والشيخ الحداد بصدوق، وسيدي الموهوب بمسيسنة، وسيدي محند أوحداد بتيفرة وسيدي موسى أويذير بقرية فطالة بتيفرة وسيدي السعيد ازناقن بسمعون وزاوية أولخضر بآقبو، إلى جانب زاوية سيدي عبد الرحمان الأيلولي بآقبو، زاوية محند أوعلى بن علي شريف بشلاطة، وزاوية الشيخ أوبلقاسم أبو جليل. محفوظ رمطاني