اليوم، لم أبق نائما إلى غاية المغرب، فقد استيقظت قبل الآذان بساعة ونصف ساعة، الوقت الذي أذهب فيه للسوق لأشتري ما يمكن أن يسمى فطورا! فلقد تبين لي فجر هذا الصباح لما أردت أن أتسحر قبل أن أنام، أن الثلاجة بالفعل كانت "تصفر"! وأنه إذا لم أصرف، فالثلاجة كانت تقول: لا أكل عندكم اليوم ولا تقربون! حتى الجيران، قد مللنا من التعاليل والتبريرات والتحاليل: ما نضناش بكري، ما كناش هنا، ما صرفناش في الوقت، جاونا الضياف! الحمد لله أنه في رمضان، الناس عادة ما يتحولون إلى كرماء، يعطون ما عندهم بدون محاسبة! ورمضان في العادة، يكون الأكل موجودا في كل بيت (إلا في بيتي!). خرجت ب 50 دينارا في الجيب لأصرف! ماذا تفعل 50 دينارا؟ في سوق شاعلة فيه النيران؟ ذهبت عند أقرب خضار، وكان لا يشمني (لأني كنت أبيع الخضر بجواره وآخذ منه كل الزبائن..لأني أبيع أرخس منه وأحيانا بالكريدي لمن أعرف أنه يرد!) قلت له: السلام عليكم مووح..راني مقلق شوية، ما عندي والو للفطور، أوزن لي: 5 كيلو بطاطا بيضاء للمعقودة، 3 كيلو بطاطا حمرا للفريت، 2 كيلو بصل.. للشكشوكة..من هذه المليحة..كيلوا فلفل..وزوج حبات حارين مليح..! (كل هذا وهو ساكت ويجمع ويزن ما أقوله له من دون كلام ومشنف تحسب راه يمدلي باطل!)..زيد، زوج كيلوا طماطم..أعطيني الحمرة مش هذه اللي مازال ما طابتش..زيد لي حبات شوية ما طايبينش للسلاطة..! واش عندك آخر؟؟ إيه..ما عندكش اللحم؟ (ثم نسيت أني مع خضار وليس جزار! وحشمت على روحي)..آآآه...قصدي..الحنة! قال لي: واش من حنة؟ أنا راك تشوف في نبيع الحنة..! أنا عطار؟ أنا مووح الخضار.. راه على بالك وإلا لا؟..قلت له: راني مدوخ..زيد أوزن لي رطل سلاطة، وربطة قصبر وواحدة كرافس وواحدة معدنوس، وربطة نعناع.. وزيدلي كيلو سكر..! (انفجر من جديد: السكر راك راه ينباع لهييييه..زيد واش يخصك؟...أنا نبيع الخضرة..أنا..) قلت له: صحة.. أعطيني زوج حليب و10 خبزات! قال لي: واقيلا راك صايم ..وين راك تشوف عندي الحليب وإلا الخبز؟..قلت له: اسمحلي، أنا عندي ليستة في راسي..راني نسول عليها بلا ما نعرف عند من راني! قال لي:زيد قول لي أعطيني: زوج بواطات دوليبران، ووحدة سميكطا، وقرعة طوبليكسيل..! قلت له: وعلاه لا؟ علاش ماراكش تبيع الدوا نتاع العرب..حتى هو "مخضرات": زنجبيل، فليو، الزعتر، عرق السوس، تافغة، شندغورة، لسان الفرد، العرعار، القطف، علك الجمل.. قال لي: كملت؟ نحسب شحال؟ قلت له: دير الكالكيل..طلع الطوطال..شحال جات؟ قال لي: جاتك 126 ألف.. أعطيني غير 125! أخذت البورسات مليئة "بالمخضرات" وقلت له: هاك 5 آلاف، وتبقى تسال 120 الف! كي نخدم نخلصك! الراجل ما طاب ما احترق! انتفخت أوداجه وعيونه وانكمش جلده، زفر زفرة قبل أن يكفر كفرة ارتجت لها أبواب السماء ! (أنا الآخر رديت عليه بكفرية..وأنا صائم...أنا ليس علي ذنب.. أنا كفرت دفاعا عن النفس!). وقال لي: حط السلعة..حط السلعة.. تزعق بي! حط! قلت له: والله ماراني حاطها، شريت وأنت بعت! نخلصك نهار نجبر خدمة ونهار يخلصوني وإذا ما خلصونيش، راك تسال حتى نهار نخلص! غاية! ما نفطرش؟ نموت بالجوع وأنت الحانوت نتاع معمر حتى للشنايف! واجتمع الناس حولنا، قبل أن يغفلني ويلوح علي بلكمة لم تمس سوى طرف أنفي المتطاول كحبة فلفل حارة طويلة. أما أنا فطرت عليه من الأذن اليمنى أطبق عليها بكل قوة ورباط الخيل! عضضتها مع السماعة الطبية التي كانت في قوقعة الأذن.