بعد انهيار المفاوضات بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني، واستئناف العدوان بأهداف صهيونية جديدة أعلاها: اغتيال قادة المقاومة، يكون من المهم استشراف الخيارات المتوفرة لدى الطرفين، جميعها سوف ترتد إلى النقطة التي افترق عندها الوفدان. فالكيان الصهيوني، ورغم مكابرة السفاح نتنياهو ليس له من خيار سوى مواصلة الإبادة عن بعد للمدنيين في غزة، وهو محمي بالمظلة الأمريكية الغربية، أو العودة وهو صاغر إلى المفاوضات، ليجد نفسه أمام نفس المطالب الفلسطينية، التي أجمع عليها الشعب الفلسطيني حيثما وجد، ولن يكون بوسع الكيان القفز عليه كما حصل في السابق، لأنه لم يعد يمتلك أدوات فرض الشروط على شعب مصمم على دفع الثمن، وقد استعاد وحدته، ورفع من أسهم خيار المقاومة، وممارسة حق الدفاع عن النفس. غير أن هذا لا يعفي القيادات الفلسطينية من واجب بحث ما لديها من خيارات مع تجدد العدوان، واستمرار الدعم الأمريكي غير المشروط له، وضعف الرافد العربي الرسمي، وتكاسل الدعم الشعبي العربي والإسلامي المنشغل بفتنه. ومع التسليم بأن المقاومة لا تمتلك حق وقف التصدي للعدوان بما تيسر، فإنها ملزمة بالإبقاء على خطوط مفتوحة مع باقي خيارات المقاومة السياسية، وألا تلعن المستقبل، أو تنساق إلى صراع المحاور العربية والإقليمية، وأن تبحث بجدية عن خيارات جديدة لتوسيع رقعة المواجهة مع العدو، كأن تلزم بقية فصائل منظمة التحرير الفلسطينية بتحريك انتفاضة حقيقية في الضفة الغربية، مع إلزام السلطة بوقف التنسيق الأمني مع الكيان. ومن حق المقاومة والقيادات الفلسطينية أن يبادروا، الآن وليس غدا، بالدعوة إلى قمة عربية طارئة بمن حضر، بجدول أعمال من نقطتين: تجنيد ما تيسر من الدعم العربي المالي والسياسي والدبلوماسي لإسناد صمود الشعب الفلسطيني دون شروط، ووقف تناحر المحاور العربية وتقاتلها بالدم الفلسطيني، وأن يخرج علينا وفد فلسطيني موحد يصارح الشعوب العربية بموقف كل بلد عربي بما له وما عليه. وأخيرا يكون لزاما على قيادات المقاومة، وعلى رأسها حماس، أن تنأى بنفسها عن "شغب" لعبة المحاور العربية التي لن تخدم، لا القضية الفلسطينية، ولا قضاياها الخاصة، وأن تعلم أن الحاضن الحقيقي والدائم للقضية الفلسطينية هو محيطها العربي، حتى المتكاسل منه، أو المتآمر أحيانا، وأنه لا يمكن التعويل على المدى المتوسط والطويل لا على قطر، التي بدأ الأمريكيون يسندون إليها بعضا من الوظائف التقليدية التي كانت للكيان الصهيوني، ولا على تركية العضو البارز في حلف النيتو، والشريك الاستراتيجي عسكريا واقتصاديا للكيان، ولا على إيران التي اشتغلت في العقد الأخير بأوراق ودماء العرب لبناء جسور تفاوضية مع الولاياتالمتحدة خدمة لمصالحها الخاصة. بمثل هذه المواقف الشفافة المعلنة، يمكن للمقاومة وللقيادات الفلسطينية أن يحولوا هذا العدوان الصهيوني الهمجي إلى انتصار فلسطيني سياسي حقيقي، لن يكون فيه رفع الحصار عن غزة سوى تفصيل ثانوي، لأن مشروع أي مقاومة هو تحرير الأرض لا تحرير المعابر، واستعادة السيادة الوطنية قبل الدخول في تفاصيل بناء الدولة وتقاسم ريع السلطة.