تحولت حياة عائلة عصماني بولاية سطيف إلى جحيم بعد أن فقد ابنها البصر بسبب خطأ طبّي تبعه إهمال تام لحالة هذا الطفل الذي عوض أن يتلقى علاجا عاديا لعينه رمى به الأطباء كرها إلى عالم المكفوفين وأدخلوا العائلة بكاملها في نفق مظلم. الطفل أسامة، البالغ من العمر حاليا 11 سنة، كان في السابق يعيش حياة عادية ككل الأطفال، دخل الطور الأول من التعليم سنة 2004، لكن للأسف لم يدرس من السنة الأولى ابتدائي إلا بضعة أشهر، حيث تشاجر مع أحد أصدقائه بالقرب من المدرسة فأصابه بلكمة على مستوى العين اليسرى نقل على إثرها إلى القطاع الصحي لبلدية عين الكبيرة بسطيف، حيث سلمت لأمه رسالة لعرضه على الأطباء بالجزائر العاصمة الذين أجروا له عملية جراحية بعدما تبيّن بأنه أصيب بانفصال شبكية العين. لكن، بعد مرور عدة أيام ظهر تشوّه على حدقة العين التي عرفت زيادة في حجمها الطبيعي، وعند عرضه للفحص نصح الأطباء بضرورة تحويله إلى الخارج من أجل تثبيت الحدقة وهنا بدأت معاناة العائلة التي دخلت في دوامة السعي اليومي بين سطيف والعاصمة، حيث استغرقت المعاناة بضعة أشهر لتتوّج في الأخير بتحويل الطفل إلى فرنسا. وحسب الأم، فإن الأطباء الفرنسيين أقروا بوجود خطأ طبي في العملية التي أجريت في الجزائر، حيث أصيبت الحدقة بأذى داخلي ولذلك وجدوا أنفسهم مجبرين على إصلاح هذا الخطأ وهي العملية التي تمت بنجاح وتم تثبيت الحدقة بإحكام. لكن الأطباء الفرنسيين أصروا على ضرورة إرجاع الطفل بعد 4 أشهر لإتمام المرحلة الثانية من العملية وحدد الموعد بتاريخ 28 مارس 2006. وعند العودة إلى الجزائر، دخلت العائلة في نفس المعاناة من أجل تحضير الطفل للموعد المقبل بفرنسا، حيث كانت الأم في كل مرة تتلقى موعدا دون أن يتم استكمال الملف الخاص بعودة أسامة إلى فرنسا. ورغم إلحاح العائلة وكثرة ترددها على المستشفى إلا أنها في كل مرة تجد نفسها رهينة تأجيل المواعيد، ولما اقترب موعد التنقل إلى فرنسا أخبرت العائلة بكل برودة بأن الملف غير جاهز ومن المستحيل أن يتنقل الطفل إلى فرنسا في الوقت الحالي لتدخل العائلة من جديد متاهات أخرى استغرقت حوالي 5 أشهر إضافية. وفي تلك الفترة كانت عين الطفل في تدهور مستمر إلى أن انطفأت بصفة نهائية فأصبح أسامة لا يرى بعينه اليسرى. وبعد التماطل في إعداد الملف، تم في الأخير تحويل أسامة إلى فرنسا لكن الأطباء الفرنسيين أخبروا العائلة بأنهم تأخروا كثيرا عن الموعد المحدد ولذلك فقد أصيبت العين اليسرى بالعمى ومن المستحيل أن تعالج لأن الوقت متأخر جدا. وأمام هذه الفاجعة عاد الطفل إلى أرض الوطن وسط حيرة العائلة التي استسلمت للأمر الواقع وتقبلت فكرة أن أسامة لن يرَ إلا بعين واحدة. لكن يا ليت الأمر توقف عند هذا الحد لأن ما حدث بعد عدة أشهر لم يكن في الحسبان، حيث لاحظت الأم بأن العدوى انتقلت إلى العين الثانية التي أصيبت هي أخرى على مستوى الحدقة ورغم عرض الطفل على الأطباء بالجزائر العاصمة إلا أن العائلة واجهت نفس التماطل السابق لتتطور الكارثة مع مرور الوقت وبدأ نور العين الثانية ينطفئ تدريجيا. ومنذ حوالي شهر - أي في مطلع السنة الحالية - أصبح أسامة لا يحس إلا بضوء الغرفة عندما يشتعل وبعدها بأسبوعين فقد البصر بصفة نهائية، وهي الكارثة التي كان بالإمكان تفاديها لو تم تقديم ولو ثلاثة أرباع من التكفل الضروري لأسامة الذي ضيّع دراسته وتحولت حياة العائلة بكاملها إلى مأساة كلها ظلمات. سمير مخربش