سئم الجزائريون في السنوات الأخيرة من قراءة الأخبار المتعلّقة بالقتل والذبح والتنكيل بالجثث، وملّ المحللون من القول أن ما نعيشه حاليا هو إرهاب جديد بأدوات متشابهة وأجندة مختلفة. * * كما تسابقت المنابر الإعلامية في رصد الجرائم وتفاصيلها، أو جزء من تفاصيلها، حتّى أصبحنا نتعامل مع مثل هذه الحوادث بأنصافها التي لا تتعارض مع كرامة الإنسان ومشاعر الناس، ذلك هو مشهد الجزائر على مقربة من ذكرى استقلالها السادسة والأربعين، حكومة صالونات تسعى إلى تعديل الدستور لتثبيت فلان أو علان في منصبه وللمحافظة على مكاسب نوعية زرعتها خلال سنوات، وحكومة تفرض قانونها في الشارع ولا تهتم كثيرا بتغيير الوزراء بقدر اهتمامها بسعر الخبز والمازوت وبصعود أو سقوط فرقها الرياضية في بطولات ضعيفة للجلد المنفوخ! * قد يتساءل البعض، وعلى بُعد أيام قليلة من عيد الاستقلال.. ألهذا الحدّ وصلت أزمة الثقة بين الحاكم والمحكوم في البلاد التي شبعنا من شعارات وصفِها ببلد المليون ونصف المليون شهيد؟.. لماذا الاهتمام برفع منح فئات من الشعب دون الأخرى، ولماذا هذا الإهمال القاتل للشهداء الجدد ومشاريع موتى البحر من الحراڤة والبطالين والزوالية؟! * لا شك أن تصريحات أويحيى الثالث (نسبة إلى عدد الحكومات التي رأسها) لا تختلف كثيرا عن تصريحاته في أول حكومة تولاها، رغم أن الفارق الاقتصادي يبدو كبيرا، فهو أظهر من جديد أنه وفيّ للنظام الذي ترعرع في سراياه، وبأنه لا يهتم كثيرا لترؤس حكومة بدون شعبية كبيرة، لذلك سارع للطلب منا عدم التصديق بوجود بحبوحة مالية، وكأن الشعب يعيش حقا في بحبوحة سواء في عهد أويحيى أو غيره، رغم أن وفرة المال واقع ملموس تحوّل بقدرة قادر إلى وهم يصف أويحيى محاربته ب"أمّ المعارك"! * إن تكاثر جرائم القتل في المجتمع، وتزايد السرقات والاعتداءات لا يمكنه أن يتوقف باعتماد حكومات لا تمتلك في جيبها خارطة طريق إلى الزوالية ولا تكترث لهم في الانتخابات أو في غيرها، بل تتعامل مع مقاطعة 12 مليون جزائري للانتخابات وكأنها (لا حدث)، ولو كان وزير النقل استقال مثلا بسبب فشل مشروع من مشاريعه النائمة كالميترو الموعود ومطار العاصمة أو تنّحى معتذرا بعد حادثة قطار بومرداس، لكان الشعب احترمه أكثر واحترم أيضا حكومته وأبدى اهتماما بأي تعديل يطرأ عليها، أمّا أن يُطلب منه إعطاء الثقة لحكومة يتم رفع الفاشلين فيها إلى مناصب أكبر، ويقال للمطرودين أنهم مدعوون لمهام أخرى، فذلك هو الشيء الذي لم تفهم السلطة حتى الآن أنه وهم يستحيل تحقيقه وهو مجرّد حرث في البحر!