كان ولا يزال يحتل مكانة خاصة عند الجمهور القسنطيني، الجزائري، دخل البيوت الجزائرية من خلال إنتاج غزير ومتميز، صنع من خلاله الفرح والسعادة، وزرع الابتسامة على محيا الصغار والكبار على حد سواء. ورغم مرور السنين والظروف الصعبة التي عاشها ويعيشها إلا أنه ظل متمسكا بحبه لفنه واحترامه لجمهوره، ويعتبر التمثيل الأكسجين الذي يتنفسه، والمسرح بيته الثاني، إنه الفنان القدير، المتواضع، الموهبة، المميز والمحبوب جدا علاوة زرماني الذي كان لنا معه هذا اللقاء وتفاصيل قصة طويلة عمرها 40 سنة من العطاء.
40 سنة من العطاء في المسرح والتلفزيون.. أمازلت مستعدا لخوض غمار التمثيل حتى بعد تقاعدك؟ دخلت المسرح وعمري 18 سنة وكانت البداية بتأسيسي لفرقة هاوية GTAC ، عام 1970، وعملت آنذاك مع جامعيين بالمسرح الجهوي لمدة عام، وبعدها أصبحت فنانا محترفا. وحتى بعد تقاعدي لا أزال أتوق إلى الخشبة أكثر لأنها فضائي الحر ولا أزال أقوم بنشاطاتي بصفة عادية. أنهض باكرا، أتناول قهوتي ثم أتجه نحو وسط مدينة قسنطينة لألتقي بالأصدقاء والأحباب، نتحدث في لقاء أخوي عن أحوالنا ومشاكلنا اليومية والمهنية، وعن جديد المسرح الجزائري والحياة بصفة عامة، لكن "البوليتيك خاطيني"، وفي المساء أعود إلى بيتي. وفي الحقيقية، إننا لا نجد مكانا لائقا نلتقي فيه في مدينة سياحية وجميلة أهملت بشكل يدمي القلب. .
كنتم جيل "التزام".. ما هي المسرحية التي عالجتم من خلالها موضوعا حساسا مازال يؤثر فيكم؟ وعلامَ راهنتم لتحقيق النجاح؟ هناك الكثير من الأعمال التي لا يزال لها تأثير كبير علي وعلى رفقائي في مسرح قسنطينة "هذا يجيب هذا" و"ريح سمسار" و"ناس الحومة" و"عرس الذيب" و"غسالة النوادر"، وأنا أرى أن المسرح الشعبي له خصوصية لدى الجمهور وهو ناجح بخلاف مسرح "التفلسيف" ومسرح "الأحلام". كنت أستمد ثقتي - ومازلت - من إخلاصي وحبي لفني وحب الجمهور الكريم لي أيضا، ونحن كنا في سنوات مضت نعمل في ظروف صعبة جدا، وبتعبير أصح "نحن غامرنا بأنفسنا في وقت الاشتراكية، فقد تعرضنا للطرد من المسرح عام 1977، والسبب كان تقديمنا لمسرحية بعنوان "ريح سمسار"، التي كان موضوعها يدور حول الثورة الزراعية الطب المجاني، والسماسرية وغيرها، وحز في نفسي ذلك كثيرا ودفعنا الثمن غاليا وهو توقفنا عن العمل لمدة سنة كاملة، والحمد لله أننا لم نسجن، وفي المقابل كنا نتلقى ولحسن الحظ مساعدات مادية من عند الأصدقاء والفرق الهاوية آنذاك، حيث كانت هاته الأخيرة تقدم عروضا مسرحية ومداخيلها تقسم علينا. وبالمناسبة أحييهم فردا فردا من منبر "الشروق". اليوم تغيرت الحياة، كل شيء صار "شطيح ورديح"، لا توجد ثقافة، وللأسف نصف المسؤولين يرونها كذلك، ولو كانوا أقروا بأن الثقافة هي في الأصل "بناء الإنسان أولا وأخيرا"، لكنا البارحة واليوم وسنكون مستقبلا في أحسن الأحوال، هذا رأيي الشخصي على كل حال. ما ردكم على ما صرحت به زوجتكم السابقة الشابة يمينة مؤخرا حول تكفلها التام ولوحدها بأبنائكما؟ ما قيل ويقال لا يهمني، وأنا سأرد في الوقت المناسب ولا داعي لاستباق الأحداث وآسف، أنا لا أستطيع الخوض في أموري الخاصة، وكل ما مر بي يعرفه كل الجزائريين، "حياتي الخاصة خط أحمر على الجميع". أولادي الخمسة لم يرثوا الفن والحمد لله، وأنا كنت حريصا على تربيتهم وتعليمهم وأفتخر بهم وأحبهم كثيرا، ومنهم واحدة امتهنت الطب.
قسنطينة ستتوج قريبا عاصمة للثقافة العربية.. أين أنتم من هذه التظاهرة وهل ستشاركون في أعمال مسرحية؟ أنا لا تعنيني هذه التظاهرة الثقافية لا من قريب ولا من بعيد، ليس لي علاقة بها، بحكم أن القائمين عليها لم يتصلوا بي إلى حد الساعة (ربي يسهل عليهم ويعاونهم)، وأستغرب حقيقة عدم مشاركة وجوه فنية معروفة فيها.
ماذا تعني لكم البطاقة الفنية للفنان التي منحتها مؤخرا وزيرة الثقافة لعبيدي للفنانين في انتظار الإفراج عن "القانون الأساسي للفنان؟" بالنسبة إلي هي بطاقة وكفى، ولن أنتظر منها شيئا، ربما سيستفيد منها بعض الفنانين من حيث الضمان الاجتماعي، وفي الحقيقة نحن لم نطلب البطاقة بل طلبنا العمل والإنتاج.
من هو المخرج الذي تفضلون التعامل معه أكثر؟ أفضل التعامل مع المخرج "عمار محسن"، الذي بدأت معه العمل عام 1976، لأنني كنت أجد راحتي معه وأشعر بحرية تامة سواء في العروض المسرحية أم الأعمال التلفزيونية، وكل الأعمال التي قدمتها معه نالت إعجاب الجمهور. حصة "أعصاب وأوتار" مثلا، كان لها جمهور عريض، لكن من حيث المواضيع فهي استهلكت، وإن فكرنا في أعصاب وأوتار فستكون بحلة جديدة. يجب أن نجدد دون التخلي عن هويتنا وأنا ضد من يفكرون في تقديم أعمال مسرحية باللغة العربية الفصحى في مسارح الدول العربية، والتي ستصبح حسبما أعتقده دون قيمة، لأن مشاهدتها ستكون آنية، وتقتصر على جمهور هاته البلدان الشقيقة لا غير، وأقول لهؤلاء إنهم غير ملزمين بذلك بحكم أن المصريين أو السوريين لا يغيرون لهجتهم وإلا لركد إنتاجهم وبقي حبيس أوطانهم.
ما تقييمك للمشهد المسرحي في الجزائر في العشرية الأخيرة؟ أنا لا أرى أي تقدم أو تطور للمسرح الجزائري حاليا، فالإنتاج صار ناقصا في السينما، التلفزيون والمسرح أيضا، وهذا يعود حسب رأيي إلى السياسة المنتهجة من طرف بعض المسؤولين على القطاع بالعاصمة وحتى بقسنطينة، وهي سياسة مقصودة، نحن في السابق كنا نعمل بشكل جيد ومحترف، واستطعنا من خلال ذلك فرض أنفسنا في الميدان، حيث قدمنا أعمالا جيدة بشهادة كل من رآها من خلال المواضيع الاجتماعية المختلفة التي عالجناها، وكانت فرصتنا لإثبات وجودنا آنذاك، لكن الآن الجميع يغط في نوم عميق.
ولكنك معروف بإرادتك القوية وتحديك للظروف. هل ستستسلم للأمر الواقع في 2015؟ الأعوام تتشابه كلها، وسنة 2015 كذلك، ستمر كما مرت السنوات الفارطة، وحقيقة ليس لي أي مشروع. أحبطنا فعلا لأن تكريم الفنان بعد رحيله يعد عيبا وعارا، والأنسب أن يكرم الفنان ويعلق له العرجون وهو على قيد الحياة . وكل ما يقال عن دعم الفنان في الجزائر هو كذب، بدليل أننا الآن متوقفون عن العمل، كل سنة يلتزم القائمون على الثقافة بوعود وعهود، وتبقى هذه الأخيرة مجرد وعود.. وتحقيقها، الله أعلم متى يكون. وتبقى أحسن ذكرى في مشواري هي حصولي على جائزة أحسن ممثل في مهرجان المسرح المحترف عام 2010 بالجزائر العاصمة، عن مسرحية بعنوان "طارتيف" لموليير . وبعض الذكريات الجميلة أيضا خارج الوطن مثل مشاركتنا في مصر الشقيقة عام 1993، من خلال الدعوة التي وجهتها إلي الممثلة سميحة أيوب بحكم أنها كانت أحد أعضاء لجنة التحكيم في مهرجان قرطاج بتونس عام 1991، وشاهدت المسرحية التي قدمناها في المهرجان وهي "عرس الذيب" وشاركني فيها البطولة كل من الفنان حسان بن زراري، عبد المجيد توحة، زينو بوعكاز، حملاوي. وكانت من إخراج: عمار محسن.