بعض الإسلاميين في البلاد يتعاملون مع الأحداث وكأنهم فرسان بلا أسلحة، أو أنهم أبطال فيلم هندي طويل أو مسلسل تركي مدبلج. * حيث يبدأون معاركهم ولا ينتهون منها، ويضيفون عليها بعض الرتوشات السينمائية المشوّقة ليكتشف المشاهدون في نهاية الأمر أنهم حضروا عرضا طويلا بلا فائدة، أو بدأوا قصة يعلمون تماما نهايتها! * سبب هذا الكلام الذي قد يراه البعض تحاملا، هو الاتفاق الأخير بين حركتي النهضة والإصلاح على وضع أجندة سياسية مشتركة، وهو اتفاق بالمفهوم السياسي وبالنظر للمعطيات الواقعية المتوفرة يحمل مقدّمات فشله في تفاصيله، حيث لا يمكن للضعفاء انتخابيا وشعبيا أن يصنعوا رئيس بلدية واحد، فما بالك بصناعة الرؤساء مثل ما يتصور زعماء الحركتين، علما أننا نعترف بحق كل واحد منهم في ممارسة السياسة، ولكن ليس لهم الحق أبدا في ممارسة أحلام اليقظة باسم السياسة!؟ * التيار الإسلامي في البلاد يكاد يفقد بوصلته نهائيا مع كل أسف، كما أنّ صوته الذي كان قويا ومغيرا مع بداية التعددية السياسية والحزبية في البلاد أصبح مبحوحا، والكاريزما التي كان يلتف حولها المناضلون انطفأ وهجها إلى حدّ كبير(...)، لكن قد يقول البعض لماذا التركيز فقط على الإسلاميين دون غيرهم، ألم ينقرض العلمانيون في البلد أيضا، واختفى زعماؤهم بلا رجعة، كما هام آخرون في العواصمالغربية بحثا عن الدعم والإسناد الخارجي، ونفس الأمر بالنسبة للوطنيين الذين أصبحوا يهوون ممارسة الانقلابات على بعضهم البعض باسم برنامج الرئيس، فلم يعد لهم من الوطنية إلا الاسم والشعار، ورحم الله معها الوطنية الحقيقية والمنافسة السياسية والحزبية الشريفة؟! * وللإجابة على السؤال المذكور آنفا، فإن التركيز على الإسلاميين يأتي من منطلق الاعتقاد أنهم قوة حقيقية للتغيير، بشهادة خصومهم قبل أنصارهم، لذا فإن موتهم (السريري) بهذا الشكل الذي يشبه الانتحار له وقعه السلبي المباشر على سيرورة الأحداث في البلاد، وكم كانت المفارقة كبيرة وواضحة للعيان عندما شاهدنا مؤخرا زعماء التيار الإسلامي في البلاد (إن بقيت فيهم زعامات أصلا) يشاركون في ملتقى لحزب العدالة والتنمية الإسلامي في المغرب، فسمعنا منهم ما لا يقولونه في بلادهم وكأنهم استرجعوا ألسنتهم التي أجرّها النظام لصالحه منذ سنوات! * قد يتمنى البعض للنهضة والإصلاح أن ينجح اتفاقهما، كما يرجو البعض الآخر أيضا أن تسترجع الساحة الحزبية في البلاد هويتها وتجد تسميات لائقة بها وتصنيفات واقعية بين الإسلامي والوطني والعلماني، وغيرهم، لكن السياسة ليست علما للتمني كما أنّ الاتفاق الأخير كان تكريسا لفندقة العمل السياسي في شكله الإسلامي وإبعادا له عن المد الشعبي(...)، أو الحقيقة هي أن المد الشعبي هو من تخلى عنه أولا وطلّقه بالثلاث بعد ما يئس من أصحابه!