حرص مشروع "قانون الصحة" الجديد على إعادة تنظيم وتقنين عملية التبرع وزرع الأعضاء مع التشديد على تجريم أي متاجرة بالأعضاء البشرية، في حين سيكون وزير الصحة المخول الوحيد لمنح الترخيص للمؤسسات الاستشفائية التي تتولى زراعة الأعضاء والأنسجة وفق التنظيم المعمول به، مع منع المتاجرة في الدم، وتقنين عمليات "زرع الأجنة" للمتزوجين فقط.
موافقة المتوفي أو أقاربه شرط للاستفادة من أعضائه يحمل "مشروع قانون الصحة الجديد"، الذي سيعرض للنقاش قريبا أمام البرلمان، نصوصا ومواد صريحة لتقنين وتنظيم عملية التبرع وزرع الأعضاء، التي كانت إلى وقت غير بعيد غير واضحة المعالم، بسبب ضعف في التشريع المعمول به، حيث تحدد المواد من 373 إلى 383 الكيفيات والشروط التي يخضع لها هذا المجال الطبي، حيث يتكفل وزير الصحة شخصيا بمنح الرخصة فقط للأطباء المؤهلين في المؤسسات الاستشفائية للقيام بنزع أو زرع الأعضاء أو الأنسجة والخلايا البشرية. وهذا، بعد قرار صادر من اللجنة الطبية المنشأة خصيصا ضمن هذه الهياكل الاستشفائية والتي تفصل في ضرورة النزع أو الزرع وترخص بالعملية. وفصل القانون في مسألة نزع الأعضاء أو الأنسجة البشرية من الموتى، حيث يشترط موافقته الكتابية في حياته، وفي حالة وفاته قبل منح الموافقة للتبرع بأحد أعضاء جسمه، فيتكفل أحد أعضاء أسرته بالترتيب "الأب أو الأم، أو الزوج والزوجة، أو الأخ أو الأخت" أو الممثل الشرعي إذا كان المتوفى من دون أسرة، بمنح الموافقة الكتابية للهيئة الطبية التي تتكفل بعملية الزرع. وما دون ذلك فلا يجوز أخذ أنسجة أو عضو من شخص متوفى دون موافقة كتابية، كما أن المادة 380 تمنع الشروع في الزرع في حالة ما كان المتوفى قد عبر عن رفضه كتابيا في حياته، أو في حالة ما إذا كانت هذه العملية تعرقل التشريح الطبي الشرعي للجثة عند الشك في سبب الوفاة أو حدوث جريمة ما، كما أنه لا يجوز للطبيب الذي قام بإثبات وفاة المتبرع أن يقوم هو نفسه بعملية الزرع. وبسبب حساسية هذا النوع من العمليات، فالمشرع منع منعا باتا الكشف عن هوية المتبرع للتلقي، وهوية المتلقي لأسرة المتبرع. ولمحاربة ظاهرة البيع والاتجار في الأعضاء البشرية، التي انتشرت مؤخرا من خلال شبكات مختصة في المتاجرة بالبشر وكذا بالأعضاء والتي تمتد إلى خارج الجزائر، فقد حرص "قانون الصحة" من خلال مواد واضحة وصريحة على تقنين وتجريم عملية المتاجرة في الأنسجة البشرية مهما كان الغرض حتى وإن كان لإنقاذ حياة شخص، حيث تنص المادة 376 على أنهّ لا يمكن أن يكون نزع الأعضاء والأنسجة البشرية وزرعها محل صفقة مالية. وفي حالة مخالفة هذا القانون يحال المعنيون إلى مواد قانون العقوبات التي تجرم الاتجار بالأعضاء البشرية. وفي السياق ذاته يحمي "قانون الصحة" القصر وعديمي الأهلية، ويمنع بذلك نزع أعضاء من هؤلاء، وكل من خالف أحكام المادة 375 يحال على مواد قانون العقوبات لمعاقبته وفقا للقانون، كما يمنع نزع أنسجة أو أعضاء من أشخاص مصابين بأمراض من شأنها أن تضر بحياة المتلقي.
تقييد فصيلة الدم في بطاقة إلكترونية وتجريم المتاجرة فيه وأعاد مشروع "قانون الصحة" النظر في كيفيات تنظيم عملية التبرع بالدم، من خلال تقنين العملية بنصوص قانونية لمحاربة ظاهرة الاتجار بالصفائح الدموية، وتحويل عملية التبرع بالدم من طابعها الإنساني لإنقاذ حياة المرضى إلى شكل من أشكال الربح السريع، حيث تنص المادة 352 على أنه "يمنع كل نشاط مربح يتعلق بالدم البشري أو البلازما أو مشتقاتهما". وفي حالة مخالفة ذلك يعاقب كل شخص يتاجر بالدم ومشتقاته بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة مالية من 500.000دج إلى 1000.000 دج، كما توكل مهمة جمع الدم إلى هياكل الصحة العمومية، وتنشأ وفقا لذلك وكالة وطنية للدم تتكفل بضمان نقل وفحص الدم وسير العملية وفقا للتنظيم المعمول به. كما يجب أن تكون عملية التبرع بالدم مسبوقة بمقابلة طبية مع المتبرع تراعى خلالها القواعد الطبية، وألا تقل سنه عن 18 سنة، مع إلزامية تقييد فصيلة الدم في البطاقة الإلكترونية للصحة وبطاقة التعريف ورخصة السياقة.
تقنين عمليات التلقيح الاصطناعي للمتزوجين فقط وتكلل "قانون الصحة" بمواد لتقنين وتنظيم عملية "المساعدة الطبية على الإنجاب" والمتعلقة بطرق التلقيح الاصطناعي وأطفال الأنابيب ونقل الأجنة، حيث يسمح القانون للمتزوجين فقط بإجراء مثل هذه العمليات، وخاصة فيما تعلق بالتخصيب الاصطناعي الذي تستعمل فيه فقط الحيوانات المنوية للزوج وبويضة الزوجة، ويمنع الاستعانة بشخص آخر، حيث جاءت مواد هذا القانون لإزالة اللبس في هذا المجال الذي يعد جديدا في الجزائر مقارنة بدول أخرى، وخاصة في ظل الغموض والفتاوى غير الواضحة في هذا المجال. وجاءت لذلك المادة 388 منه لتفصل في هذا الجدل، وتؤكد على أن المساعدة الطبية على الإنجاب حصريا تكون بعد الاستجابة لطلب يعبر عنه رجل وامرأة في سن الإنجاب، على قيد الحياة ويشكلان زوجا مرتبطا قانونا، ويعانيان من عقم مؤكد طبيا ويوافقان على النقل والتخصيب الاصطناعي، مع التشديد على أنه لا يمكن اللجوء في هذا النوع من العمليات إلا إلى الحيوانات المنوية للزوج أو بويضة الزوجة دون سواهما مع استبعاد كل شخص آخر، مع التأكيد على القيام بهذه العمليات من قبل ممارسين أخصائيين في الصحة في مؤسسات أو مراكز ومخابر مرخص لها بممارسة ذلك.