عاشت الجزائر ربيعا وصيفا فنيا متميزا هذا العام، حيث قصدها عدد من الفنانين العرب والأوروبيين، وظهرت لأول مرة حفلات "ارستقراطية" ليست في متناول الجميع، والذين حاولوا استقدام الفنانة اللبنانية نانسي عجرم وفشلوا كانوا قد برمجوا حفلتها في فندق الشيراتون بالعاصمة مقابل ثمن لا يقل عن 12 ألف دينار جزائري (مليون و200 ألف سنتيم). * وكانوا متأكدين أيضا بأن طاولات العشاء ستعلن "كومبلي" بمجرد عرض التذاكر للبيع.. ويبقى عذر هؤلاء كون أي حفلة تقيمها نانسي عجرم لا تقل تكاليفها عن مليار ونصف مليار سنتيم، مما يعني أن حفلات 200 دج أو أقل هي خسارة مادية فادحة، خاصة إذا تعلق الأمر بمسرح صغير أو قاعة تتسع لأقل من 5 آلاف متفرج.. وكان مرور المغني الإيطالي الشهير كلود بارزوتي قد أثار ضجة كبرى منذ أزيد عن عامين، عندما بلغ سعر التذاكر 5000 دج، وما أثار الضجة أكبر هو دخول العائلات والمراهقات، حيث كان دفع 5000 دج بالنسبة إليهم أشبه بفسحة، رغم أن كلود بارزوتي خفت بريقه مقارنة بالشهرة التي اكتسح بها عالم الأغنية العاطفية في أواخر الثمانينات ببحته المميزة. صحيح أن بارزوتي ليس سكرا أو حليبا، لكن مع ذلك إيصال ثمن الحفلات العالمية إلى هذا الحد هو بالتأكيد محاولة تقسيم المجتمع إلى طبقات اجتماعية، ومضاعفة الهوة الموجودة مابين قابض على بطنه خوفا من زيادة سعر الحليب والخبز، وما بين من يدخل هو وزوجته وبناته حفلة كلود بارزوتي أو "أيان" أو "إيلان شيغارا"، كما حدث مؤخرا، حيث دفع كل واحد 5000 دج دون أي نقاش!! * * تعامل الدولة الجزائرية مع الحفلات الفنية ظل دائما شعبيا، إلى درجة أن كاظم الساهر وديانا حداد أحييا حفلتهما في ملعب 17 جوان بقسنطينة مجانيا لجميع الفئات، كما أن الحفلات المقترحة في مهرجان تيمڤاد مثلا لم تتجاوز أبدا 700 دج، وهي أثمان لا يدفعها إلا القلة؛ لأن "المجان والدعوات" هي ميزة مهرجان جميلة وتيمڤاد اللذين يكلفان الملايير دون جني ولو 1٪ من المصاريف، كما أن حفلات الكازيف التي أقيمت هذه الصائفة 2008 بلغ أسعارها 800 دج بالنسبة للفنانين الأجانب و500دج بالنسبة للفنانين الجزائريين، مع الإشارة إلى أن مدرجات الكازيف لا تزيد طاقة استيعابها عن 5 آلاف متفرج. وكانت الدنيا قد قلبت احتجاجا على حفلات أقامها عدد من الفنانين العرب في صائفة 2001 في فندق شيراتون العاصمة، عندما تم اقتراح حفلة اللبنانية نوال الزغبي مقابل 2000 دج، واعتبرت سابقة خطيرة اجتماعيا، الهدف منها جعل الفن الأجنبي مثل المواد الأجنبية ليس في متناول الجميع، لتبخر حفلة تامر حسني التي أقيمت في شهر أفريل الماضي بالقاعة البيضاوية بالعاصمة كل التأويلات، حيث دفعت المراهقات 2000 دج وامتلأت القاعة وكادت تنفجر، بالرغم من أن 2000 دج ثمن الحفلة. * * وعرفت الجزائر الحفلات الراقية منذ عام 1952 عندما غنى فريد الأطرش في عدد من مدننا، كما زار يوسف وهبي بمسرحه الشهير معظم المدن الجزائرية، ولم يكن حينها (ثمن التذكرة) يطرح أي مشكلة، ثم تواصل هذا (الممكن) بعد الاستقلال خلال الاحتفال بالذكرى الأولى للاستقلال في 5 جويلية 1963. عندما تم استقدام عبد الحليم حافظ الذي غنى في مدن كثيرة، وأغلى تذكرة دفعها محبو بعد الحليم حافظ كانت في باتنة (الملعب البلدي)، وهي 5 دنانير، لمشاهدة (بلاتو) مليء بالفنانين مثل محرم فؤاد وعبد الحليم وشكوكو، وهدى سلطان وبلغت أيضا رقما رمزيا (5 سنتيم) أي (دورو) في بعض الملاعب. * * في مهرجان الراي الذي اندلع في بلعباس، لم تزد تذكرة الدخول عن 200 دج، وينتقد عامة الناس حكاية الدخول المجاني (السوسيال)؛ لأنه سيصبح الدخول فوضويا، كما حدث عام 1999 في قسنطينة، عندما فتحت أبواب ملعب 17 جوان للسكارى ومرتادي الحانات لمتابعة كاظم الساهر الذي كان يغني (زيديني عشقا) وزجاجات الخمر ترفرف في السماء. * * المؤكد أن اقتحام الخواص عالم تنظيم الحفلات سيدخل العملية عالم التجارة وأحيانا البزنسة التي تجعل من القائم على الحفلة يضرب أخماسا في أسداس بحثا عن هامش ربح، لكن الفنانين العرب أيضا أمام الطلب الخليجي صاروا لا يجدون حرجا في طلب الملايير، وهو ما يجعلهم بضاعة غالية قد يتخلى عنها المواطن البسيط نهائيا على طريقة "إذا غلى الشيء أرخسته بالترك".