أخيرا قرّر الجنرال برويز مشرف التنحي عن السلطة التي أخذها قسرا واغتصابا قبل تسعة أعوام وأمسك بها بالقوة متخليا عن كل أصدقائه ومنتصرا على جميع خصومه. * إلى الحدّ الذي أسس فيه خلال فترة حكمه لباكستان بيد من حديد، لنظرية الجنرال المستعين بالأجنبي من أجل البقاء في المنصب، لكننا رأينا بالأمس على كل الشاشات، ماذا يفعل الكرسي بهؤلاء الجنرالات حين يُصابون بدوار سلطوي حادّ وبإمساك عن الديمقراطية وإسهال في الدكتاتورية وموالاة الغرب! * برويز مشرف كان يبحث عن خروج مشرِّف له من السلطة، ومن مفارقات الدنيا التي يقوم ميزانها على مبدإ (يوم لك ويوم عليك)، أن يلجأ الجنرال المعزول إلى السعودية وهي نفسها الدولة التي أوت سلفه نواز شريف بعدما انقلب عليه عسكريا قبل نحو 9 سنوات، لنكون حينها أمام واقع مُضحك مبكي، علما أن مشرف يدرك تماما أن خروج جورج بوش من البيت الأبيض كان يعني أن وقت حلفائه في السلطة عبر أكثر من عاصمة قد انتهى، ما يجعلنا نعتقد أن الجنرال الباكستاني القوي قد فهم الرسالة وحفظ الدرس، فهل يمكن للعرب ممّن تحالفوا مع البيت الأبيض وظهروا أكثر محافظة على ميثاق الصداقة معه من المحافظين الجدد أن يدركوا سريعا ما أدركه مشرف بعد 9 سنوات؟! * الغريب أيضا أن فئة واسعة من الملاحظين والمتابعين لجديد الوضع في باكستان ليسوا متفائلين كثيرا لقرار مشرف، فبرأيهم أن خروج جنرال واحد لا يعني ابتعاد العسكر عن ميادين السياسة والحكم، كما أن الوضع الإقليمي في الدول الإسلامية بات محكوما بأخبار خروج جنرال من السلطة في إسلام آباد ودخول آخر فيها بنواقشط! * المهم في كل ما يقع من أحداث بباكستان هذه الأيام، أن يُدرك السلطويون جميعا والممسكون بمناصبهم أن البقاء في الحكم استنادا على شرعية مهزوزة وتحت حماية مؤسسات القمع الأمني لا يمكنه أن يستمر سوى أيام معدودات لا يقف عندها التاريخ بعد ذلك سوى من أجل إدانتها أو لقذف الواقفين وراءها ونعتهم بأبشع الصفات، حينها سندرك تماما سبب بحث الجنرال الباكستاني المستقيل عن إنقاذ شرفه في اللحظات الأخيرة باتخاذه قرار الخروج مهزوما بإرادة البرلمان والأحزاب القوية بدلا من طرده بالدبابات في انقلاب عسكري يأتي بجنرال جديد! *