عبّرت الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان عن قلقلها أمام انتشار ظاهرة أصبحت تهدد وجود الدولة الجزائرية وسلطتها. وقالت الرابطة إن هذه الظاهرة التي تتمثل في بروز مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة تشكل خطرا وخرقا صارخا للقانون في نفس الوقت، خاصة وأنها أصبحت تنشط علانية، وأنها تعمل أحيانا بطلب أو بمباركة من أعوان للدولة. * وقد جاء نداء الرابطة بعد الإعلان عن نوع من الفتاوى أصدرتها مجموعة من العشائر في منطقة خنشلة لتنظيم بعض القضايا المتعلقة بالحياة العمومية. واعتبرت الرابطة أن هذه التشريعات القبلية تهدد مبدأ وحدة القانون من حيث مصادره والهياكل التي تكسب الصلاحيات لتطبيقه. * وحقيقة الأمر أن هذه الظاهرة المتعلقة بالمؤسسات الموازية قد انتشرت منذ مدة طويلة، على إثر بروز بعض التصرفات من جهة، وفشل المؤسسات الرسمية في القيام بواجبها من جهة أخرى، مما فتح المجال أمام هياكل وأشخاص وأصحاب نفوذ ليفرضوا سلطتهم بصفة تدريجية إلى أن أصبحت سلطتهم أقوى من سلطة الدولة، مما يهدد في نهاية المطاف بظهور مناطق وميادين وقطاعات عمل لا تخضع للقانون، إنما تخضع لتلك القوى التي فرضت نفسها. * وبدأ ظهور هذه المؤسسات الموازية مع عجز مؤسسات الدولة في التكفل بمشاكل المواطنين، مما يدفع هؤلاء إلى البحث عن حلول خارج القانون. ونذكر مثل مواقف السيارات كظاهرة دفعت العديد من مؤسسات الدولة إلى التصرف خارج القانون، لتعتمد وتقبل عملا يشبه عمل التنظيمات المافياوية وتعتبره عملا عاديا يقبله الجميع. ففي بداية الأمر، جاء شاب لم يجد منصب شغل، ففرض نفسه حارسا على الطريق، ليعطيه أصحاب السيارات بعض الدنانير مقابل تعبه. ولما نجحت التجربة، جاء شبان آخرون واقتسموا طرقات البلاد، وجعلوها ضريبة مفروضة على كل صاحب سيارة. وبما أن البلدية لم تتفطن لجمع تلك الأموال واستعمالها للصالح العام، جاء هؤلاء وفرضوا أنفسهم واستولوا على أموال الناس أمام مرأى الشرطي والدركي وصاحب السلطة. * وأكثر من هذا، فإن اللجوء إلى تلك المؤسسات الموازية غالبا ما يتم استقباله بفرح من طرف المواطن لأنه يحل مشكلا لم تستطع المؤسسات الرسمية أن تجد له حلا، مثلما وجد الطرابندو حلا لجزء من المشاكل الاقتصادية في الماضي. فأمام انعدام الأمن، يقبل المواطن أن يدفع بعض الدنانير مقابل ضمان سلامة سيارته. أما الشرطي، فإنه يعتبر أن وجود حارس "الباركينغ" parking يساهم في تحسين أمن المدينة. لكن في حقيقة الأمر، فإن الشرطي بتصرفه هذا أصبح يعطي جزءا من سلطته إلى وسيط آخر لتطبيق القانون، وهي عملية تهدم فكرة الدولة. * ويظهر خطر العملية بطريقة خاصة لما يلجأ إليها ممثل الدولة ويمجدها أهل النخبة. ولما يقرر الوالي اللجوء إلى الزاوية أو إلى الأعيان لحل أزمة ما، فإنه يعمل في الحقيقة لتحطيم سلطته وسلطة الدولة التي كلفته بتلك المهمة، كما يساهم في تحطيم مصداقية المؤسسات الأخرى. * وقد رحبت الصحافة هذا الأسبوع بالدور الذي يقوم به الوسطاء في الأزمات، وقالوا إن العشائر في الجنوب استطاعت أن تخمد نار الفتنة بفضل تدخلها في إحدى المدن، بينما لاحظت إحدى الجرائد أن الجزائريين أصبحوا يلجؤون إلى غير المحاكم للفصل في نزاعاتهم. وإذا كان لا بد من الاعتراف بالجميل لبعض الهيئات التي استطاعت أن تقوم بدور الوسيط، إلا أنه لا يمكن تجاهل الخلفيات السياسية لهذا الوضع. وإذا كان من حق المواطن أن يبتعد عن العدالة إن كان الجهاز غير عادل أو كان بطيئا، فلا يمكن بالمقابل التصفيق لمثل هذا التصرف لأنه يفرض عدم المساواة بين الناس أمام العدالة من جهة، ويكرّس فشل العدالة بإقامة جهاز عدالة موازية، إضافة إلى أنه يساهم في تحطيم هياكل الدولة وتشجيع إقامة مؤسسات بديلة.وتثير هذه الظاهرة قلقا متزايدا لسببين، أولهما لأن السلطة الجزائرية تشجع هذه الظاهرة، لأن السلطة بنفسها تتكون من جناحين، جناح يراه الجميع وهو يتكون من الحكومة والإدارة وغيرها، وهو جناح لا يسكب سلطة حقيقية، وجناح آخر يعمل في الخفاء، يصنع القرار ولا يحاسبه أحد. أما السبب الثاني، والأخطر، فإن هذه الظاهرة غالبا ما تؤدي إلى خلق مناطق خالية من القانون، ولا وجود للدولة فيها، وهي المناطق التي تشكل أرضية خصبة للمنظمات الإرهابية والإجرامية.