لكي أخرج من دائرة هذه العقدة واللوثة اللسانية المعقدة... رحت أقرأ صدفة، »الرسالة القشيرية«.! أقرأها ليلا لطولها ولتعقد أسلوبها... وهذا تزامنا مع 10 مجلدات لكتاب »الفتوحات المكية« للشيخ الأكبر محي الدين بن عربي...! فعوض ذلك عن السهر أمام التلفزيون ليلا، أو على مائدة »الدومينو« والسهرات »الفنية«... التي لا فنّ فيها غير المجون الرسمي والشعبي...! أعترف أن القراءة الجدية رفعت عنّي نسبة لا بأس منها من العادة السيئة التي ابتليت بها زمنا، زيادة على كثير من السلوكات غير الحميدة التي اتصفت بها منذ ولادتي!... * قراءة رسالة الإمام القشيري النيسابوري الشافعي... ألهمتني كثيرا من الممارسات من أجل مجاهدة النفس والشهوات والتي قد تكون السبب الرئيسي في هذا الابتلاء: فقد كنت أحب »التمنشير في الناس« وأكل لحم أخوتي ميّتين وأحياءً!... لم أترك سياسيا إلا وأكلت لحمه (رغم أنه قيل إن أكل لحم الخنزير... حرام!)... ولا امرأة شريفة كانت أو غير ذلك... إلا »أغمدت فيها لساني«... (على رأي الإمام الحسن البصري رحمه الله عندما سئل عن موقفه من فتنة الإمام علي ومعاوية رضي الله عنهما: تلك مسألة لم أغمد فيها سيفي، فكيف تريدون أن أغمد فيها لساني!«)... صرت أكثر تحرّزا من الغيبة والنميمة التي تأكل الحسنات كما تأكل النار الهشيم: صرت لا أغتاب كثرا الناس، خاصة بعد أن قرأت أن من اغتاب إنسانا، فقد وضع عنه نصف ذنوبه... حتى أن الحسن البصري رحمه الله قيل له إن فلانا يقول فيك كذا وكذا... فأرسل إليه طبق حلوى وعندما سئل عن ذلك قال: لقد أهداني نصف حسناته!) * من جهتي... لم أعد أغتاب كثيرا خاصة في من أكره... ربما لأني لم أكن أرغب في أن أفرغ عنهم نصف سيئاتهم! (وهذا جانب آخر من صفاتي غير الحميدة... الحسد! والعياذ بالله! والتي سأتحدث عنها اليوم وما حدث لي... اللهم أغفر لي الكذب والحسد ومشتقاتهما!). * ذهبت مع ابني الصغير (7 سنوات)... رفقة صديق لي من نفس الطراز... لتلبية دعوة شخص عرفته في المطار وأديت له خدمة بدون نيّة في فعل الخير: وجدت محفظة نقوده المليئة بالأوراق المالية الأجنبية (نحو 40 ألف أورو... + جواز السفر وأوراق أخرى...)... أخذتها ورحت أسأل مرافقي هذا الذي هو معي الآن إلى دار صديقنا هذا الذي لا نعرفه... قلت له: طز طز طز... طزدام معععع معععع مر درا درا... درا درا... هم... ! أنت ... أنت... أنت... أنتاعك وإلا... أنت أنت... أنت... أنت... أنتاعي؟... فسمعني الرجل أكسر في الجملة جملة وتفصيلا ولم يفهم أني أتحدث مع صديقي، فالتفت وقال لي على التو: الله يرحم والديك يا أخي... بارك الله فيك... من ساعة وأنا نحوس عليه! خرجت حتى للسيارة... وتلفونيت للدار... بالاك نكون نسيته... وراني لاهط عليه! الله يكثر خيرك!... * لم أعرف ماذا أقول... فراح صديقي يتحدث بدلا عني (رغم أن اسمي هو »شعبان« وليس موسى عليه السلام... واسم صديقي هو »قارون« وليس هارون!)... (... يتبع...).