العلامة عمار مطاطلة/تصوير: يونس.أ تحققت أمنية الشيخ "عمار مطاطلة" في بناء مدرسة ومسجد بمدينة "سبدو"، وبدأ يلقي الدروس ويؤم الناس ويخطب لصلاة الجمعة ويعلم النشء كتاب الله، وتميز بخطبه لصلاة الجمعة التي يحث فيها الناس على خدمة الثورة وحب الوطن والتعلق بالدين الإسلامي الحنيف، ذلك ماجعل أنظار السلطات الاستعمارية تتجه نحوه ليكف عن بث رسالته في نفوس الناس، فتسبب رجل يهودي اسمه "يعقوب" في تحقيق هذه الغاية. * يهودي تسبب في إغلاق المدرسة * إذ كان يحضر مقعدا ويجلس في الخارج أسفل نافذة المسجد ويستمع لما يُقال في خطبة الجمعة، فتفطن لذلك الشيخ "عمار مطاطلة"، مما جعله يقول للمصلين وهو على المنبر: "افتحوا النوافذ ودعوا من في الخارج يسمع ما أقول"، ثم واصل خطبته بأسلوب مباشر ينتقد الاستعمار ويصفه بأقبح النعوت، فوصل ماحدث أسماع السلطات الاستعمارية فقامت بإغلاق المسجد والمدرسة ووضعت الشيخ "مطاطلة" تحت الإقامة الجبرية. للإشارة، فإن الشيخ كان بمفرده في "سبدو"، حيث ترك عائلته في "عين قشرة" بسكيكدة تعاني الوحدة. * * كان جسد بومدين جلدا على عظم من فرط التدخين وقلة النوم * في سنة 1956 هرّبت جبهة التحرير الشيخ "عمار مطاطلة" إلى "وجدة" بالمغرب، مثلما حدث مع الشيخ "السعيد الزموشي"، وهناك تولى مهمة منظم في الثكنة التي كان يشرف عليها الرئيس الراحل "هواري بومدين". وقد اكد الشيخ "مطاطلة" أن بومدين رحمه الله كان رجلا وطنيا إلى درجة لايمكن تصورها، حيث كان مهموما بقضية الجزائر لدرجة أن أصبح جلدا على عظم من فرط التدخين وقلة النوم. قال الشيخ "مطاطلة": "كنا ننام ونترك بومدين مستيقظا، وعندما ننهض وقت الفجر نجده أيضا مستيقظا، فكنا نتساءل متى ينام. ولم تكن لبومدين علاقات حميمة في الثكنة إلا مع "عبد الحفيظ بوالصوف"، أمين سره، كما كان هذا الأخير لايثق في أحد ولاتربطه علاقة بأي شخص إلا مع بومدين". * * كان الإرهابيون يخافونني ولايعترضون طريقي * خلال الثمانينات حمل الشيخ على عاتقه بناء مسجد البرهان بالأبيار، حيث كان إماما ومدرسا، فنفع الناس بعلمه، وكان يتمتع باحترام وتقدير من الجميع، وعندما اندلعت نار الفتنة في الجزائر لم يقبل مايحدث وفضل الابتعاد؛ لأنه لايحب رؤية المستنقعات. وأكد أن الإرهابيين الذين كانوا ينشطون في محور الأبيار لم يتعرضوا له يوما؛ لأنهم كانوا يخافونه. وقد روى أنه ذات يوم بينما كان عائدا من المسجد سنة 1991، وجد شابا في طريقه، فقال له هذا الشاب أنه ذاهب إلى الجبل ليتدرب على حمل السلاح، وقبل سنتين من الآن التقى به ذلك الشاب فقال له: لقد ندمت على الطريق الذي نهجته.. "وعانقني وهو يبكي". * * متطفلون تسللوا الى جمعية العلماء * اعترف الشيخ "مطاطلة" أن له علاقة أخوية قوية بالشيخ "شيبان"، لكنه مستاء من حال جمعية العلماء المسلمين التي غزاها بعض المتطفلين، حيث أقر أنها حادت عن رسالتها الحقيقية وتحولت إلى فضاء لاقتناص المناصب السياسية ولتحقيق مصالح شخصية، كما أكد أن علماء الجمعية ماتوا وأن الجزائر تعاني من أزمة علماء حقيقيين يؤثرون في المجتمع كما كان ابن باديس والابراهيمي التبسي والعقبي وغيرهم من العلماء العظماء. * * مواقف على لسان الشيخ * * الجامعة الجزائرية * الجامعات الجزائرية ظلت لسنين طويلة منطوية على نفسها تاركة علمها حبيس مبانيها، فلم يبرز منه شيء للمجتمع كي يناله نفعه، بل أرى الجامعة تقف على ربوة شامخة وتتفرج على مجتمعها الذي يتخبط في جهله وجاهليته، في حين أصحاب الأهواء الضالة والمذاهب الزائغة من الجهلة وأنصاف الأميين يعبثون بدينه وشرفه وعقول أبنائه ويمرغونه في النار والعار، دون أن تدفعهم الغيرة على دينهم وأمتهم ووطنهم إلى فعل شيء، وإن الجامعيين قادرون على التصدي لهؤلاء لو توفرت عندهم إرادة الخير والنية الحسنة والرجولة الكاملة. إن مسؤولية الجامعة كبيرة في ظل هذه الظروف الصعبة، ويجب أن تلعب دورها، خاصة لحماية العروبة والإسلام. * * وضع الصحافة وحرية التعبير في الجزائر * وضع الصحافة في الجزائر أفضل بكثير مما كان عليه، والتعددية الإعلامية مكسب مهم يجب الحفاظ عليه. إن مهنة الصحافة مهنة نبيلة تجمع بين الفن والعمل والأخلاق الشريفة، لكن يؤسفني أن هناك من مسيري المؤسسات الإعلامية من أصفهم بالانتهازيين الذين يسعون لخدمة مصالحهم الشخصية فقط ويتنازلون مقابل ذلك عن أخلاقهم المهنية. إن هؤلاء المسيرين يشكلون قوة مؤثرة لو اتحدوا على كلمة واحدة، وهي خدمة قضايا المجتمع، وبإمكانهم تغيير الواقع إلى الأفضل؛ لأنهم يستطيعون تغيير عقول الناس وتنويرها. * * مفتي الجمهورية * ليس لدينا حاليا من هو أهل لهذا المنصب، فالمفتي يجب أن تتوفر فيه شروط كثيرة، أهمها التقى وسعة العلم والأخلاق والاجتهاد، ربما نكتشف شخصا من الجامعة. * * الفتاوى المستوردة * الجزائريون يبحثون عن الفتوى قبل أن يقع مايدعو لطلبها، وهذا خطأ. * * التفجيرات الإرهابية * هذه أعمال إجرامية لاتمت للدين الإسلامي بشيء، لابد أن نحل هذه الآفة اجتماعيا ودينيا بالحوار. * * أبو عبد السلام ليس أهلا للفتوى * أبو عبد السلام ليس أهلا للإفتاء؛ لأنه مدرس وليس عالما، ومهمة الإفتاء للناس أمانة صعبة، فكيف يسمح لنفسه بتحملها. * * المشروع الإسلامي في الجزائر * لن يتحقق إلا إذا رعاه الرئيس بجدية وقوة. * * حقوق المرأة الجزائرية * كثير من النساء أخذن حقوقهن، لكن كثيرات أيضا من استعملن أساليب ملتوية تمس كرامتهن للوصول إلى المناصب الحساسة، لكني بالمقابل أحيي "فحلات" الجزائر. * * العزوف عن الزواج * إنها القنبلة التي ستفجر المجتمع الجزائري، ولابد للدولة أن تحذر من مخلفات هذه الأزمة الخطيرة، وأن تساعد الشباب على الزواج والاستقرار إذا أرادت أن تنهض. * * التشيع والتنصير في الجزائر * لا أعتقد أن الجزائري يتخلى عن دينه، وإن كانت هذه الظاهرة موجودة.. أتساءل كيف دخلت أمام مرأى الدولة؟ * * الأصوات التي تنادي باستقلال منطقة القبائل * يجب أن تقمع؛ لأنها تطلب المستحيل. * * أزمة الأخلاق في الجزائر * إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا * * النشاط السياسي * لم أقتنع يوما بممارسة السياسة، ولم أسع لتقلد المناصب؛ لأني لا أستطيع العيش في المستنقعات العفنة، والأحزاب السياسية في الجزائر أبواق للتهريج. * * الشيخ نحناح وجاب الله * الشيخ نحناح أفضل الإسلاميين المتسيسين، لكنه مهووس بالرئاسة. أذكر أنه لم يدخل يوما إلى مسجد البرهان الذي بنيته بالأبيار وكنت إماما فيه؛ لأنه كان يخجل مني بعد أن سرقني أحد أفراد عائلته فأدخلته السجن، أما جاب الله فإن لم تخني الذاكرة لا أعرفه. * * رأي في تجربة الشروق اليومي * أعتز اعتزازا كبيرا بالشروق اليومي، فهي الجريدة الأكثر احتراما في الجزائر. * * رأي في جريدة البصائر * اسمها البصائر، لكنها فاقدة للبصر، لقد أفرغت هذه الجريدة النموذج من محتواها؛ لأن توجهها الحالي والأقلام التي تكتب فيها لايقنع الناس، لدرجة أن هذه الجريدة لاتلقى أي اهتمام من المواطن. * * إذاعة القرآن الكريم * تجربة متميزة ورائدة، أستمع لبرامجها الممتازة باستمرار، وأقول لهم سيروا على نفس النهج. * * رسالة لهذا الجيل * أحذره من الغرور والإعجاب بالنفس ومن تتبع عيوب غيره والتغاضي عن عيوب نفسه. وأنصحه بالتحرر الفكري، شرط ألا يقوده للانحلال والتفسخ وأن يبتعد عن التقليد الأعمى. لن ينفع هذا الجيل سوى كتاب الله لينال الفلاح في الدنيا والآخرة. * * الأستاذ نجيب مطاطلة نجل الشيخ يتحدث عن والده * تعلمنا من الوالد ألا نقبل الرداءة واللامنطق، والتزام الجدية والصبر، وأن نرفع مستوانا دائما بالمعرفة، كما علمنا المثابرة والتواضع والتسامح والابتعاد عن التفاهات. أنا شخصيا امتهنت المحاماة عملا بنصيحته، فنجحت فيها. أتذكر موقفا طريفا حدث لي معه، فعندما كنت في سن الخامسة سافرنا إلى المغرب بمغامرة عجيبة، ولما وصلنا إلى هناك طلبت منه بإلحاح أن يشتري لي "صندالا" مثل الذي ينتعله؛ لأنه أعجبني، فلبى طلبي. كما لا أنسى أنه في شهر رمضان يجمع أبناءه وأحفاده ويصلي بهم التراويح في البيت. * * عائلة الشيخ عمار مطاطلة * عائلة شريفة وعريقة، وكل أبنائها إطارات، فهو والد العميد المتقاعد "عبد الحميد مطاطلة"، ووالد دكتور القانون والنائب بالبرلمان وعضو المجلس الدستوري سابقا "أحمد مطاطلة"، ووالد الأستاذ المحامي نجيب، كما لديه ابنة كانت مديرة بالأمانة العامة للحكومة. أما حفدته، فمنهم إطار بوزارة التكوين المهني، وإطار في الخطوط الجوية الجزائرية، ودكتور في الطب، ودكتور في الإعلام الآلي، ومفتش بوزارة المالية، وإطار بالمطبعة الرسمية، وإطار بالضرائب، وأستاذة جامعية بفرنسا، وأستاذ في العلوم السياسية، ومهندس في الإعلام الآلي، وتاجران، وإطار بالترقية العقارية، وإطار بصيدال، وطلبة بمختلف التخصصات الجامعية، وهو بذلك لديه 7 أبناء و19 حفيدا و13 من أبناء أحفاده.