"...مجرد التفكير في مقاطعة الجزائر وعدم دعوتها للاشتراك في معرض القاهرة الدولي للكتاب جريمة كبرى...، الجزائر بلد عربي مهم، وثقافته جزء أساسي من الثقافة العربية، ويكفيها أنها أنجبت البطل والمفكر الأمير عبد القادر الجزائري..."، عبارات وجمل هي جزء من الكثير الذي قاله الكاتب المصري الكبير جمال الغيطاني الذي غيبه الموت صباح أمس بأحد المستشفيات المصرية عن عمر 70 سنة بعد صراع مع المرض. المرض حرم "الشهم" من وهران "مباراة" أم درمان الشهيرة، التي عرّت عورات بعض المثقفين والفنانين المصريين بخصوص تصريحاتهم بحق بلد الشهداء، تعامل معها الكاتب جمال الغطياني بشهامة قائلا كلمة الحق، فلم ينجرّ وراء اللعبة السياسية التي نسج خيوطها حينها الإعلام المصري وحدث ما حدث. فكان موقفه شجاعا، حيث نشر مقالا في إحدى الصحف جاء فيه: "لا أجد وصفاً لما جرى عقب مباراة الجزائر ومصر في الخرطوم، إلا الجنون على الجانبين، لا أستثني أحداً.. مباراة كرة تتحول إلى سبب للقطيعة ومنطلق لتداعيات ستترك جراحاً صعبة الاندمال بين الشعبين، حتى بعض الأصوات العاقلة انحدرت مع السيل الذي تفجر ليجرف ويدمر التاريخ المشترك والأواصر، وكل ذلك بسبب مباراة كرة، ما استوقفني هو تلك الأصوات التي ارتفعت ضد العروبة والقول بأننا فراعنة وأننا وأننا.. إلخ... إنني أطالب بمحاكمة لاعب الكرة السابق الذي أهان الشعب الجزائري وثورة الجزائر التي تعد من أعظم ثورات القرن العشرين والتي تضامن معها أدباء العالم ومفكروه وفي طليعتهم أحرار الفرنسيين". وبخصوص الدعوة لمقاطعة مشاركة الجزائر في صالون الكتاب بمصر، ردّ جمال الغيطاني: "إن مجرد التفكير في مقاطعة الجزائر وعدم دعوتها للاشتراك في معرض القاهرة الدولي للكتاب جريمة كبرى"، مضيفا "الجزائر بلد عربي مهم، وثقافته جزء أساسي من الثقافة العربية، ويكفيها أنها أنجبت البطل والمفكر الأمير عبد القادر الجزائري، فضلا عن أن الحضارة الجزائرية أثرت في مصر، حيث مهد الدعوة الفاطمية التي جاءت من بلاد المغرب العربي". على صعيد آخر، كان يفترض أن ينزل الكاتب الغطياني ضيفا على ملتقى الرواية والسينما الذي نظم شهر جوان الفارط في إطار مهرجان الفيلم العربي، بعدما وجهت له اللجنة المنظمة دعوة رسمية نظير ما قدمه للسينما المصرية والعربية رفقة الكثير من الأدباء على غرار علاء الأسواني ومحمد السلماوي، إلا أنّه غاب عن التظاهرة بسبب المرض إثر تعرضه لوعكة صحية دخل على إثرها المستشفى، أين اعتذر في آخر لحظة بعد أن منعه طبيبه الخاص بالسفر إلى الجزائر. وفي نعي الأسرة الثقافية والسياسية لفقيد الأدب العربي، قال الروائي علاء الأسواني: "في ذمة الله الأديب الكبير جمال الغيطاني، رحمه الله بقدر ما كافح من أجل إبداعه، مع السلامة يا أستاذ جمال"، وقال محمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب العرب الذي نشر صورة جمعته سابقا مع الراحل: "رحم الله الكاتب الكبير جمال الغيطاني الذي يمثل رحيله صباح اليوم، خسارة فادحة للأدب الروائي، والكتابة الصحفية، وللثقافة العربية بشكل عام". وأكد رئيس الوزراء المصري بأنّ الفقيد ساهم في إثراء مجال المقال والقصة القصيرة والرواية، بأسلوبه الأدبي الفريد، ورؤيته الفكرية الواسعة، كما ساهم في إعادة إحياء العديد من قصص التراث العربي، وإخراجها في قالب أدبي متميز.
الورقة الأخيرة لشاب عاش منذ ألف عام ولد الغيطاني عام 1945، وعمل في الصحافة، ورأس تحرير صحيفة "أخبار الأدب"، ما بين أول قصة قصيرة كتبها عام 1959 بعنوان "نهاية السكير" ومجموعته القصصية "أوراق شاب عاش منذ ألف عام"، كتب الغيطاني ما يربو عن خمسين قصة قصيرة، ثم اتجه إلى الكتابة الروائية. ينتمي الغيطاني إلى جيل من الروائيين وكتاب القصة المصريين الذين بزغوا بعد هزيمة عام 1967، مشكلين "موجة جديدة" في السرد، كل يبحث عن طريق وهوية إبداعية، ومنهم إبراهيم أصلان وصنع الله إبراهيم وعبد الحكيم قاسم ويحيى الطاهر عبد الله. اجترح جمال الغيطاني لغة سردية ترفل ببذاخة لغة السلف، وعاد إلى التاريخ والتراث ينهل منه حكاياته. تأثر كتاب الموجة الجديدة بهزيمة 1967 التي تركت بصماتها على أشياء كثيرة في الحياة العربية، ومنها الحياة الثقافية، حيث حاول البعض الانسلاخ عن إرثه الثقافي، لأنه رأى فيه بذور الجمود التي أدت للهزيمة، والبعض لجأ إلى هذا الإرث، متأملا في جمالياته ومستلهما منه مستقبلا مؤسسا على الجذور. في مقابلة مع "بي بي سي عربي" أجريت قبل بضعة سنوات، سئل الغيطاني إن كان ينتمي إلى الفئة الثانية، فنفى، لكن نتاجه الأدبي يقول شيئا آخر. له مؤلفات عديدة أهمها: "متون الأهرام" في عام 2000، "هاتف المغيب"، "التجليات" (ثلاثة أسفار)، "الزيتي بركات" (تحول إلى مسلسل تلفزيوني ناجح)، "الخطوط الفاصلة" (يوميات القلب المفتوح)، "وقائع حارة الطبلاوي"، وأعمال قصصية وروائية أخرى. وحصل الغيطاني على أكثر من جائزة عربية ودولية، منها "جائزة الدولة التشجيعية، مصر، 1980"، "جائزة سلطان العويس، 1997"، "وسام الاستحقاق الفرنسي"، "جائزة الدولة التقديرية".
عبد الرزاق بوكبة: رؤية عربية بأبعاد كونية لم يُنظّر جمال الغيطاني كثيرًا عن علاقة الأصالة بالمعاصرة، والمحلي بالعالمي، والقديم بالجديد والذاتي بالعام، كما فعل كثير من مجايليه الذين أتخموا مجلاتِ وجرائد زمانهم بذلك، لأنه كان مشغولًا بتطبيق ذلك إبداعيا من خلال نصوصه، رغم عمقه الفكري الذي كان يظهر في مقالاته، إنه من القلة التي جمعت بين عمق التفكير وعمق الإبداع السردي، رغم ذلك فقد بقي وفيا لخياره الإبداعي، ولم يبتعد عنه، إلا في الحدود التي تعيده إليه، وقد كان وعيه بالتراث والتاريخ المصريين العريقين، عتبة مهمة في تقديم نص سردي جسد فعلًا رؤية عربية/ مصرية بأبعادٍ كونية. كان ينطلق من خلفيات فنية، عادة ما يتعامل معها الكاتب العربي على أنها ليست من اختصاص الكتّاب، مثل فن المعمار وفن التشكيل وفن الصورة وفن الموسيقى، وفن التاريخ والمحكيات والآثار الشفوية والمادية، وقد تجلى هذا الاهتمام لديه، ليس في متونه فقط، بل في المنابر الإعلامية التي أشرف عليها أيضًا، خاصة في ملحق "البستان" في أسبوعية "أخبار الأدب". رحل إلى لغات مختلفة، مثل الفرنسية والألمانية، ووجد القارئ والباحث في الغرب الحضاري، روائحَ وملامحَ مختلفة، تدعوهم إلى إعادة النظر في فكرتهم عن الشرق الحضاري الذي عرفوه من خلال كتابات متعسفة، إما عن طريق مستشرقيهم، وإما من خلال نخبة من الكتاب العرب، في إطار ما يسمّى بسحر الشرق. لقد قدم لهم صاحب "الزيني بركات" نصا ساحرًا، لكنه ليس متواطئًا ضد هويته، وهذا التجسيد الحقيقي لمفهوم الأصالة. ولأن الكتابة ليست نصوصًا فقط، بل مواقف أيضًا، فقد كان الرجل في غنى عن بعض المواقف السياسية التي وضعته في حيز ضيق، ليست تلك التي سجن بسببها في ستينيات القرن العشرين، بل تلك التي اعتنقها في مراحلَ متأخرة، في علاقته بالسلطة، غير أن ما يشفع له في هذا، ولا يلغي أهميته الأدبية، أنه فصل بين موقفه السياسي، وموقفه الأدبي، أي إنه لم يورط نصه الأدبي في اعتناق مواقف سياسية.
إبراهيم صديقي: الغيطاني يحب الأدب الجزائري وهذا ما قاله لي عن وهران؟ قال إبراهيم صديقي، الشاعر ومحافظ مهرجان وهران للفيلم العربي، إنّ الفقيد الأديب جمال الغيطاني رجل يحب الأدب الجزائري كثيرا، وكاتب أدى دوره في الرواية والقصة، كما له علاقات وطيدة مع المثقفين العرب. وعن فحوى الحديث الذي دار بينه وبين الراحل بخصوص أنّه كان يفترض أن يشارك في ملتقى الرواية والسينما المنظم في إطار مهرجان وهران للفيلم العربي أوضح صديقي أنّ المرحوم كان متحمسا للمجيء إلى وهران وتواصل مع سمير قسيمي المشرف على الملتقى، حيث وعدنا بالمجيء واستمر في تواصله". وأكدّ صديقي أنّه يذكر أنّ الراحل سأله عن كيفية السفر من العاصمة إلى وهران هل برّا أم جوا، فأخبره حينها المحافظ بأنّه عبر الطائرة، فقال له الغيطاني هذا أحسن لأنّ ظروفي الصحية لا تسمح، لكن بعد أيام اعتذر بسبب المرض". وأشار صديقي أنّ الغيطاني سأله عن وهران وعن تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية باعتباره كان أحد المدعوين لكن تعذر عليه الحضور للسبب ذاته.
محمد ساري: وفاة الغيطاني مفاجأة حزينة نعى الكاتب محمد ساري الأديب المصري جمال الغيطاني كاتبا في صفحته بموقع التواصل الاجتماعي: "وفاة جمال الغيطاني مفاجأة حزينة. لا يزال الرجل في عنفوان عطائه وعمر السبعين في عهدنا لا يوحي بالشيخوخة. ولكن المرض كان أقوى وللقدر أسراره. قرأت له كثيرا، ابتداءً من وقائع "حارة الزعفراني" و"الزيني بركات" و"التجليات" و"رسالة الصبابة" و"الوجد" و"رسالة المصائر والبصائر" وغيرها من النصوص الروائية والقصصية الممتعة.. سبق لي أن التقيت به أول مرة بمعية صنع الله إبراهيم في سنة 1988 في قسنطينة بمناسبة انعقاد ملتقى الرواية. والتقيت به ثانية في القاهرة في 1989 بمناسبة انعقاد ملتقى حول الذكرى المائة لطه حسين، حيث رأيت وتحدثت هناك مع ألمع الكتاب المصريين أمثال يوسف إدريس ونصر حامد أبوزيد. كنت أهديت له روايتي "السعير" وكم ابتهجت حينما ذكرها ونوّه بها في حوار له نشر بعد شهور قليلة فقط. توالت اللقاءات هنا وهناك وآخرها قبل سنوات أثناء زيارته الصالون الدولي بالجزائر. كان المرحوم جمال الغيطاني متواضعا، بشوشا دوما، مرحبا، مناقشا، مستمعا. مات الرجل ولكن رواياته وترؤسه لجريدة (أخبار الأدب) ستبقى تذكر مساره للأجيال المقبلة.
بشير مفتي: عرفت الراحل من خلال نصوصه وكتب الروائي بشير مفتي: "لم أتعرف على الراحل جمال الغيطاني إلا من خلال نصوصه الروائية، وأحببت كثيرا نصوصه السردية الأخيرة القريبة من السيرة الذاتية المكثفة التي بلغ فيها مقاما رفيعا في تقديم حالات الروح والجسد، حتى سفرتي الأولى للقاهرة ربما جاءت متأخرة للتعرف على الإنسان.. منذ أيام ونحن نسمع أنه مريض حتى جاء الخبر اليقين.. لقد رحل صاحب رواية "الزيني بركات" و"مذكرات شاب عاش منذ ألف عام" ونصوص كثيرة نشرها على مدار سنوات حياته.. فوداعاً كبيرا لذاتك الكبيرة، ولترقد روحك بسلام".
سمير قسيمي: أحسد نفسي أنني حظيت بصداقته وتحدث عن المرحوم الروائي الجزائري سمير قسيمي في منشور له على صفحته بالفايسبوك جاء فيه: "آخر ما جمعني بالروائي الكبير جمال الغيطاني مكالمة من 20 دقيقة، بدأت بالسؤال عن صحته بعد أن تناهى إلي خبر وعكته الصحية في ماي المنصرم، وكنت قبلها قد دعوته إلى ملتقى الرواية والسينما في وهران. ومع أنه اعتذر عن الحضور استمر في مكالمتي بتواضع حتى تشعب الحديث عن الكثير من الإصدارات العربية وعن بعض الروايات على الخصوص. الحق فاجأني حين أخبرني أنه قرأ جميع أعمالي وراح يحدثني عن كل واحدة، لكن جانبا أكبر من الحديث خصصه لروايتي الحالم. التقيت بهذا العملاق ثلاث مرات، مرة كصحفي غداة زيارته الجزائر مع وفد "بان إنترناشيونال" وكان برفقته الطيب صالح ومرغريت اوبنك وسيف الرحبي وعدد مهم من القامات العربية، وكنت حينها لم ألج عالم الرواية بعد، ثم مرتين في القاهرة وقد أحسن وفادتي واستقبالي. أحسد نفسي أنني حظيت بصداقته، أقول صداقة لأن هذا ما أشعرني به بعيدا عن كل شيء.. رحم الله صديقي جمال الغيطاني."
أمين الزاوي ل"الشروق": الغيطاني هو الوريث الشرعي لنجيب محفوظ أكد الروائي والكاتب أمين الزاوي: "أن الروائي المصري الراحل جمال الغيطاني الذي فارق الحياة، أمس، بمستشفى في مصر هو الوريث الحقيقي لعميد الأدباء العرب نجيب محفوظ". وأضاف الدكتور أمين الزاوي في اتصال مع "الشروق"، أن الأديب الراحل جمال الغيطاني كان له الفضل الكبير في تطوير الرواية العربية، حيث قال: "أولا، أحب أن أشير إلى أن جمال الغيطاني هو الروائي العربي الذي طور ما يعرف بالسرد الروائي العربي"، مشيرا إلى أنه من بين أكثر الروائيين العرب الذين ارتبطوا بشكل كبير بالتراث كما عرف بروائي العين كون أنه كان مرتبطا بشكل كبير بفن العمارة، كما عرف كذلك بروائي الأذن بالنظر إلى اهتمامه الكبير بالموسيقى خاصة طابع الفولكلور المصري بشكل كبير. وتابع الكاتب أمين الزاوي، متحدثا عن صديقيه الراحل جمال الغيطاني وتفاصيل آخر لقاء جمعهما: "كنت رفقة الراحل وكذا الصديق محمد برادة من المغرب بالقاهرة في سهرة روائية وتلمست عن قرب حبه للموسيقى الفولكلورية فقلت له، "إنك مولع بالفولكلور" ويظهر ذلك من خلال كتابته". وفي سياق متصل، أكد الدكتور أمين الزاوي، أن الغيطاني هو الكاتب العربي الأكثر ترجمة وقراءة في فرنسا ولم يكن يقتصر نشاطه على التأليف في مجال الأدب بل كان ينشط في حقل الثقافة وحتى من خلال التلفزيون حيث نشط حصصا ثقافية.
وختم أمين الزاوي حديثه عن الكاتب الراحل بقوله: "لقد كان أكبر صديق لنجيب محفوظ ولهذا فأنا أعتقد أنه الوريث الحقيقي له".