عاد أبو القاسم سعد الله في ذكرى رحيله الثانية .. باحثا ومؤرخا ومفكرا ومجاهدا وإعلاميا وصديقا وأستاذا ورفيق نضال. شهادات مؤثرة ومداخلات قيمة وتعليقات في الصميم أثرت ندوة الشروق التي أبت إلا أن تتذكر هذه القامة الشامخة .. سعد الله مؤسس المدرسة التاريخية في الجزائر .. رفض المناصب السامية وعاش بالعلم وللعلم زاهدا متواضعا مخلصا .. لم يترك القصور الفخمة ولا السيارات الفارهة ولكنه ترك أجيالا وفية لنهجه ومؤلفات غزيرة أرخت للجزائر والوطن العربي والأمة الإسلامية .. عاش في الظل بعيدا عن الأضواء وصخب الشهرة ولكن رحيله كان إيقاظا حقيقيا للوعي وانبعاثا لأعماله وجهوده. أبو القاسم سعد الله جمع في قاعة المحاضرات بفندق السلطان –حسين داي - رجال التاريخ ورجال الدين ورجال السياسة ورجال الإعلام في الجزائر .. توافد هؤلاء وكلهم استعداد للغوص في بحوثه وآرائه ومقالاته وأفكاره ومواقفه من خلال مداخلات قدمها ثلاثة من أبنائه الأوفياء محمد الأمين بلغيث ومحند ارزقي فراد وجمال يحياوي".
محند أرزقي فراد: سعد الله دعا إلى تحرير التاريخ من قبضة المدرسة الفرانكفونية اعترف محند أرزقي فراد أن الحديث عن شيخ المؤرخين أبو القاسم سعد الله ليس بالشيء السهل لأن شخصيته متعددة الجوانب، فهو كما قال عن نفسه "من أراد أن يعرفني عليه أن لا يكتفي بالقراءة السطحية والعابرة لمؤلفاتي، بل عليه أن يغوص فيها عميقا " فهو الذي ترك 56 مؤلفا لامس فيها مختلف الجوانب في الحياة الجزائرية السياسية والثقافية والاجتماعية . أرزقي فراد الذي ألقى مداخلة في ندوة الشروق المخصصة لإحياء الذكرى الثانية للراحل الكبير أبو القاسم سعد الله تمحورت حول" أراء ومواقف في أبحاث الدكتور سعد الله" قال إنه كان يكره النفاق ويكره المجاملات والإشهار المجاني كان إنسانا عميقا يمقت المداهنة وثقافة المناقب لهذا أقر المحاضر أن الحديث عن سعد الله صعب صعوبة الإحاطة بجميع جوانب شخصيته الفذة فهو الأكاديمي والباحث والمؤرخ الذي لا يشق له غبار الذي حمل اسم الجزائر عاليا، وكان إضافة ليس فقط في بلده بل لتراث الإنسانية أجمع، وهو أيضا سعد الله الصحفي أو الإنسان المنخرط في الحياة العامة والمتفاعل مع قضايا عصره.
هو صاحب نظرية الذات الثقافية المحاضر ذكر بعض القضايا التي رافع من أجلها سعد الله في زواياه ومقالاته الصحفية التي كان يكتبها بعمق الباحث وبصيرة الأكاديمي ورقة الأديب منها قضايا شائكة، أفكار جامحة وهي عناوين تشير أو تحيل على طريقة تفكير سعد الله الذي كان شخصا ديمقراطيا لا يدعي امتلاك الحقيقة. أشار أيضا أرزقي فراد إلى المشروع الذي اشتغل عليه سعد الله، وهو مشروع الحركة الوطنية، وقد أكد من خلاله أن الشعب الجزائري لم يستسلم منذ أن دخل المحتل أرضه وأن المقاومة قد انطلقت في 1830 وهذا من خلال المصطلح الذي اعتبره فراد نظرية قائمة بحد ذاتها، وهو الذات الثقافية، والتي تؤكد كما يقول سعد الله أن "الانكسار السياسي لا يعني الانكسار الثقافي" لأن الذات الحية في الشعوب تتيح استمرارها ومقاومتها ورهانها على الحياة. في هذا الإطار قال المتحدث إن سعد الله من خلال كتابه أو مشروعه عن "تاريخ الجزائر الثقافي لم يقص حتى الذين خدموا إلى جانب الإدارة الفرنسية ربما لامهم على صمتهم وعدم انخراطهم في الحياة العامة، لكنهم جزء من الذات الثقافية الجزائرية. من جهة أخرى، تطرق أرزقي فراد إلى نظرة سعد الله في كتابة وتدريس التاريخ، حيث دعا إلى ضرورة تحرير تاريخ الجزائر من المدرسة الكولونيالية، منبها إلى خطورتها في تناول تاريخ الجزائر، وهذا من خلال ما أسماه المحاضر بالوعي التاريخي المبثوث في مؤلفات وكتابات سعد الله، من هذا المنطلق دعا المحاضر إلى وجوب انتباه الجامعات ومراكز البحث عندنا إلى هذا الجانب وتدريس طريقة سعد الله في تناول تاريخ بلاده فأكبر تكريم للكاتب ليس فقط إعطائه ما يستحق لكن أخذ منه ما يقدم.
آمن بالقومية العربية ودافع عن الأمازيغية من جهة أخرى، قال محند أرزقي فراد خلال ندوة الشروق إن سعد الله كان مؤمنا بالثقافة والقومية العربية ومن أكبر المدافعين عنها والمناديين بها، بل وكان شخصا يمقت القطرية ويعتبرها في حكم الطوائف سعد الله حسب المحاضر كان يمقت الفرانكفونية ويلوم جيل الاستقلال الذي كانت له كل المقومات من الإرث الثوري والرصيد النضالي ما يحصنه ضدها، في حين لا تتوفر الأجيال التي جاءت من بعد على ما يتيح لها مواجهة تيار الفرانكفونية الزاحف على الإدارة الجزائرية ومختلف جوانب الحياة العامة في هذا البلد، لذا اعتبر سعد الله يقول أرزقي فراد أن الاستقلال الذي حققته الجزائر في 1962 ليس سوى جولة ربحتها الجزائر ضد المستعمر الفرنسي، في حين تبقى معركة التحرير أكبر في مجالات وميادين أخرى وهي أكبر وأخطر من المعركة السابقة، وقد أشار المتحدث إلى عدة مقالات كتبها المؤرخ الراحل في هذا الصدد مثل "لعنة ميروت، والحاج ديكارت" وغيرها.
كان يملك وثائق تثبت وقوف جمعية العلماء إلى جانب الثورة تطرق أيضا محند أرزقي فراد خلال محاضرته إلى موقف سعد الله من نضال جمعية العلماء المسلمين وعلاقتها بثورة التحرير، وكذا موقفه من الأمازيغية والتواجد العثماني في الجزائر وغيرها من القضايا التاريخية التي نافح فيها سعد الله بموضوعية العالم وصرامة الأكاديمي ودقة المؤرخ. بخصوص جمعية العلماء قال المحاضر إن سعد الله كان يملك وثائق تثبت أن الشيخ الابراهيمي كان إلى جانب المقاومة والثورة، مؤكدا أنه ولا أحد في تلك الفترة كان يعرف أو كان على علاقة بجبهة التحرير. وبخصوص موقفه من الأمازيغية التي كان في البداية يعتبرها حصان طروادة الذي يركب في البلاد لخدمة أغراض مشبوهة عاد ودعا إلى ترقيتها ليس في الجزائر فقط بل في المغرب العربي، الذي اعتبر وحدته مقدمة لوحدة العرب جميعا، وهذا بعد بحوثه في كتابه عن تاريخ الجزائر الثقافي، حيث اكتشف في الثقافة الأمازيغية جانبا مهما ليس فقط في الثقافة العالمية، لكن جانبا لا يتعارض مع التواجد الإسلامي والتراث العربي، واعتبر أنه لا يمكن أن نتحدث عن الأمازيغية خارج الحضارة الإسلامية التي أعطتها قوة الإشعاع والامتداد، لذا يضيف فراد أن سعد الله كان من أنصار المثاقفة والتبادل بين الحضارات، وسعى خلال حياته إلى النهل منها في الجامعات الشرقية والغربية و الأمريكية، مستشهدا بمقاله حول"أثر الأدب الجزائري في الأدب الأمريكي"، وقد دعا المحاضر في ختام تدخله إلى التأسيس لندوة سنوية بصفة دورية حول أعمال سعد الله.
ميسوم ربيع: أين أعمال أبو القاسم سعد الله من المقررات الدراسية؟ أبو ميسوم ربيع، أحد طلبة الدكتور، محمد الأمين بلغيث، إلا أن يقول كلمته في حق الدكتور أبو القاسم سعد الله "عندما كنت في مرحلة التعليم الثانوي وبالضبط في السنة النهائية.. كنت كلما فتحت كتاب اللغة العربية أرى صورة شيخ مسن يضع عمامة فلا أعرف من هو، وأحسب أنه شيخ عادي، إلا أن وقع بين يدي كتاب "آثار البشير الإبراهيمي". أذكر أني ادخرت المنحة الجامعية بعدها لأشتري هذا الكتاب من المعرض الدولي للكتاب، لأن طبعته الأولى غير متوفرة.. واليوم عرفت أن أبو القاسم سعد الله رحمه الله- كان أكبر مما كنت أظن. وأتساءل عن موقع أعماله الخالدة وبحوثه الرصينة من المنظومة التربوية.
الدكتور محمد الأمين بلغيث: "سعد الله لم يكن مؤرخا بل شاهدا على عصر أمة" من جهته، قال الدكتور محمد الأمين بلغيث في محاضرته " المنهج العلمي في البحث التاريخي في أعمال سعد الله" أن شخصية الرجل لا يمكن حصرها في جانب دون آخر فهو موسوعي وباحث لا يتكرر لم يكن مؤرخا فحسب بل كان شاهدا على تاريخ الجزائر الذي عاش نبضه وتفاعل معه بمواقفه الحازمة واصفا إياه بالجوهرة في تاج لم يوضع بعد على رأس الأمة. وقد تحوّل برحيله إلى فكرة مجردة غير قابلة للتزوير تشكل انبعاثا جديدا لرجل نعته الأمة قاطبة مستشهدا بأجيال من المؤرخين الذين تخرجوا على يده وقد قسمهم إلى ثلاثة أجيال من عبد الحميد زوزو والعربي الزبيري ونصر الدين سعيدوني الذي اعتبره الوريث الشرعي لتراث سعد الله وصولا إلى جيله هو "جيل محمد الأمين بلغيث". في الأخير أشار المحاضر إلى المشروع الذي سيشتغل عليه لجمع تراث سعد الله من خلال الكتاب المسمى "رحيل شيخ المؤرخين بقلم أحبابه" والذي جمع فيه خلاصة الشهادات التي قدمت حول الراحل في الصحافة وهو يشكل إلى جانب أعمال أخرى صدرت في أربعينيته وأعمال مخابر البحث الجامعية في وهران وبلعباس خلاصة مجلدات ستصدر لاحقا بالعربية، الفرنسية، الانجليزية والاسبانية.
الدكتور سعيد شيبان: الفقيد قدم أنماطا مختلفة من الكتابة سعيد شيبان ركزّ على الموضوعات والأنماط الكتابية المختلفة التي قدمها سعد الله في حياته، واعتبرها بالمهمة والجديرة بالبحث والاهتمام، لكن هناك من المواضيع والأعمال التي لم يحصل عليها رغم سعيه لإيجادها. وقدمّ مثالا عن الرحالة الطبيب الجزائري عبد الرزاق حمادوش الذي أفرد له سعد الله ثلاثة أجزاء منها مؤلف "رحلة ابن حمادوش الجزائري المُسمَّاة: لسان المقال في النبأ عن النسب والحسب والحال". وقال إنّ المؤرخ سعد الله حصل على الجزء الرابع ولم يحصل على ثلاثة أجزاء.
الشيخ علي عية: ندعو إلى إطلاق قناة خاصة بأعمال سعد الله دعا الشيخ علي عية إلى إطلاق قناة خاصة تهتم بنشر ما كتبه الراحل أبو القاسم سعد الله لأنّ أفكاره تنويرية وبنّاءة سيستقيم بها الشباب لاسيما في ظلّ ما يحدث من اختطاف وقتل وعقوق وغيرها. ووجه نداء إلى مؤسسة الشروق لتبني هذا المشروع باعتبارها مؤسسة لم تتخلف يوما عن دعم وتشجيع والاهتمام بالعلماء. وتأسف الشيخ عيّة على أنّ الميراث العلمي للعلامة أبو القاسم سعد الله ما يزال في أدراج المكتبات.
الشيخ ثامر لطرش: من الضروري طبع أعماله في كتيبات افتتح الشيخ ثامر لطرش الذي تتلمذ على يد أبو القاسم سعد الله النقاش بالتأكيد على أنّ الضرورة تقتضي اليوم إنتاج مئات الكتب عن تراث المرحوم. ومحاولة طبعها في كتيبات صغيرة حتى تكون في متناول الجيل الصاعد ويتمكن من الاطلاع على بحوث العلامة أبو القاسم سعد الله الذي يعتبر شاهدا على العصر بكل معنى الكلمة.
حملاوي عكوشي: سعد الله ثمرة جمعية العلماء المسلمين أشار السياسي عكوشي حملاوي إلى أنّ فكر الراحل أبو القاسم سعد الله تلميذ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين متشبع بالثقافة الإسلامية وكان يؤمن بأنّ فكر جمعية العلماء سيذهب بالجزائر إلى التطوّر. وذكر أنّ معرفته بالمرحوم كانت من خلال قراءاته ومطالعته لما أنتجه من مؤلفات في الجرائد والمراجع، إلى غاية أن جمعهما القدر على منصّة واحدة في الجامعة في بداية التسعينيات وما لاحظه –يقول- تواضعه وأخلاقه العالية.
عبد القادر نور: كان مجاهدا.. ومنحة أمريكا مكافأة من جبهة التحرير ثمن المجاهد والمدير العام السابق للإذاعة الوطنية عبد القادر نور مبادرات مؤسسة الشروق المستمرة في إحياء ذكرى العظماء من رجال الجزائر. وركز في مداخلته على هامش الندوة على الجانب الإعلامي في شخصية شيخ المؤرخين أبو القاسم سعد الله "الحمد لله انه وبفضل مركز الدراسات حظي بمكتب وكاتبة .. سعد الله هو مجاهد وإعلامي دخل معهد الإعلام أستاذا متميزا وأصبحت علاقتنا مع مرور الزمن وأنا من دخل طالبا قوية ومتميزة.كان جديا إلى درجة كبيرة وكان حريصا على أن يفهم كل الطلبة ويستوعبوا فحوى الدروس بتفوق.كما كان يساهم في إذاعة صوت العرب ونظير نضاله من أجل الجزائر وقضيتها كافأته جبهة التحرير بمنحة إلى أمريكا.كان الشيخ الإبراهيمي يميز سعد الله وكان يرافقه دائما ..سعد الله كان زيتونيا ثم انتقل إلى القاهرة".
عبد الرحمن بلعياط: بعد تعيين قاصدي مرباح اقتُرح سعد الله وزيرا للثقافة أشاد الوزير السابق عبد الرحمن بلعياط بخصال شيخ المؤرخين أبو القاسم سعد الله قائلا "انطلق التدريس باللغة العربية مع جيل أبو القاسم سعد الله ..كنت اشرف على التكوين السياسي في حزب جبهة التحرير الوطني وكان المدرسون مؤرخين من جيل بعد الاستقلال فاختلفت توجهاتهم لان التاريخ لو كتب قبل الاستقلال لتغير مضمونه أيضا". وأكد أن ما يميز سعد الله – رحمه الله - عن غيره من المؤرخين هو مرافعته للهوية الثقافية "نحتاج إلى مناعة للتصدي للمدرسة التاريخية الكولونيالية لأنها تنتج أكثر منا .وأضاف "بعد التعددية وتعيين قاصدي مرباح رئيسا للحكومة .كلفوني بالاتصال بقاصدي مرباح وأعطوني اسمين هما أبو القاسم سعد الله كوزير للثقافة وعبد الوهاب حمودة كوزير للشؤون الدينية".
الدكتور بشير مديني: رفض الإشراف على مذكرة تخرجي في الماجستير والدكتوراه اختار الدكتور بشير مديني أن يركز على سعد الله الإنسان والأستاذ، مستعيدا بعض الذكريات التي جمعته ورفقاؤه مع أستاذهم في مختلف مراحل التعليم العالي.. "سعد الله الإنسان الذي عايشته منذ الثمانينات رجل متواضع جدا ،حدثته يوما عن كشف نقاطه وهو طالب فأشار في تواضع إلى انه كان طالبا نجيبا وحافظ للعلوم والمعارف. الراحل كان يحسن الكثير من اللغات وكنا كطلبة فضوليين جدا، طلبنا منه يوما أن يتحدث إلينا بغير اللغة العربية فابهرنا بطلاقته وهو يتحدث اللغة الفرنسية والانجليزية وغيرها من اللغات التي لم نعرفها". وأضاف في نفس السياق مستعرضا خصال شيخ المؤرخين "كان أمينا في أعماله حيث كان يحتفظ بقصاصات بحوثنا عن مختلف الشخصيات، فنجد أسماءنا على هامش الصفحات مع تحديد ساعة التسليم ومختلف التفاصيل في "مسار قلم". وأشار مديني في كلمته إلى حرص الراحل على عدم الوقوع في شبهة الجهوية خلال تعاطيه مع طلبته فقال" رفض الإشراف على مذكرة تخرجي في الماجستير والدكتوراه وعندما سألته عن السبب، طلب مني أن أسأل الأستاذ إبراهيم مياسي. زرت الأستاذ مياسي في منزله بالشراقة فاخبرني صراحة أن سعد الله يرفض الإشراف على أي طالب يكون مسقط رأسه من نفس مدينته"الوادي" أو قريته .وأشير إلى انه كان قريب والدتي ولكنه لم يخبرني يوما أو يوحي بأنه يعلم بصلة القرابة.. باختصار كان ابنا بارا رحمه الله
الإعلامي والكاتب قارة خليفة: كنت أغار من مقالات سعد الله.. صحفي من الدرجة الأولى اعتبر الإعلامي والكاتب قارة خليفة الذكرى الثانية لرحيل المؤرخ أبو القاسم سعد الله محطة ميلاد جديدة ستتجدد كل سنة وتتحول مع مرور السنوات إلى أهم المنابر التي يلتف حولها الجيل الصاعد للاطلاع على رصيد شيخ المؤرخين المرصع بالذهب "أحييه في ذكرى وفاته الثانية .. فقيدنا الحاصر الغائب كان مجموعة رجال في رجل واحد. لا أدعي معرفته أكثر من أصدقائه ولكني كنت احسب نفسي صحفيا امتطي صهوة جواد محترف إلى أن عرفت مسار الرجل.. أدركت أخيرا أنني مخطئ. اعترف اليوم أنني كنت أغار من مقالات سعد الله ..هو صحفي من الدرجة الأولى بامتياز واقتدار. الحمد لله أن رحيله كان إيقاظا للوعي".
كتب أزيد من 20 ألف صفحة وعاش 18 ألف يوم بعد الاستقلال دعوة لاستحداث قناة خاصة وجوائز ووسام العالم أبو القاسم سعد الله شدّد الدكتور جمال يحياوي المدير السابق للمركز الوطني للأبحاث التاريخية على ضرورة تثمين التراث الهائل الذي تركه شيخ المؤرخين الجزائريين الراحل أبو القاسم سعد الله وذلك من خلال اعتماد مجموعة من الآليات والتركيز على ثلّة من الجوانب التي تبقى اليوم تطرح سؤالا جوهريا كيف يتم تحقيق ذلك؟. في الندوة العلمية التي نشطها رفقة المؤرخين أرزقي فراد ومحمد الأمين بلغيث بمناسبة الاحتفاء بالذكرى الثانية لرحيل المؤرخ أبو القاسم سعد الله، قال تلميذ المرحوم والباحث جمال يحياوي بأنّه درس على يد أستاذه أبو القاسم سعد الله وعرفه من خلال ثلاث مراحل سيدوّنها في مؤلف سيشرف على إنجازه وقد يكون بعنوان" هؤلاء عرفتهم"، بحيث يتضمن شخصيات جزائرية أخرى مهمة. وأضاف يحياوي في الندوة التي احتضنها فندق "السلطان" بالعاصمة حول "الميراث العلمي لشيخ المؤرخين أبو القاسم سعد الله.." أنّه عرف المرحوم بداية الثمانينيات وفي مرحلة التدرج "ليسانس"، وكذا مرافقته في خرجاته ومشاركته الوطنية والدولية لمدة 12 سنة حينما تمّ تعيينه على رأس مدير المركز الوطني للأبحاث والدراسات التاريخية. وأكدّ أنّ الراحل قامة من قامات الجزائر والعرب الحديث عنه صعب جدّا، فهو ليس مؤرخا ومؤلفا وكاتبا فقط بل هو عالم وعابد وعارف زاهد متواضع ويعدّ من الرجال الذين صبروا واصطبروا في ما وقع في الجزائر خلال القرن الماضي.
كيف يُثمن تراث شيخ المؤرخين الجزائريين؟ في السياق طرح المتحدث أسئلة حول كيفية تثمين تراث سعد الله واعتبر أنّه لتحقيق ذلك وجب العمل وفق مراحل أبرزها معرفة ماهية التراث الذي خلّفه أبو القاسم سعد الله عبر نقاط كثيرة منها إدراك أهميته ووزنه، كما لا يتم الحديث عنه كشخص بل كتراث أمّة باعتباره يمثلها عبر العصور وليس كموروث موجه لها فقط. إضافة إلى أن مراعاة تراثه من خلال كونه ليس قراءات أدبية لكون الموسوعة التراثية للرجل سلاحا للمقاومة وهي التي تسمح بمواجهة قوى الاستدمار والشرّ على مستوى الذات الثقافية، الحركة الوطنية"، إلى جانب أنّ هذا التراث بالإمكان استخراج مكنوناته واستغلالها في الحاضر وليس في الماضي لتستفيد منها الأجيال القادمة في تنمية الفكر الحضاري في ظلّ زحف التكنولوجيا. وتحدث يحياوي عن الآليات التي تحقق ذلك وذكر: "تحديد منهج باعتبار أنّ ما كتب سعد الله يختلف عن باقي الكتابات الأخرى،كما أنّ الحديث عن شخصيته وتركيبته الثقافية مهم لمدى إسهامه في مواجهة الخطر، وكذا عملية تحديد ما كتبه المرحوم في أزيد من 56 مجلدا في شتّى الجوانب العلمية والثقافية والتاريخية والأدبية ودليلها لغة الأرقام التي تشير أنّ "أبو القاسم" سعد الله كتب أزيد من 20 ألف صفحة وعاش 18 ألف يوم بعد الاستقلال.
رسائل جامعية، جوائز ووسام سعد الله.. أهداف قد تتحقق؟ وأشار يحياوي أنّ الخطوة الثالثة تتعلق باستغلال تراث وكتابات المرحوم كمادة علمية في الجامعات من خلال رسائل الليسانس والماجيستير والدكتوراه، مؤكدا في السياق أنّ تراثه لو يستغل بهذه الطريقة العلمية ستنتج مئات الرسائل الجامعية. ودعا في السياق ذاته إلى ضرورة استحداث جوائز علمية كلّ خمس سنوات باسم الراحل سعد الله شريطة أن تكون ضخمة وهامة نوعا، عكس الجوائز المنتشرة اليوم والتي لا ترقى إلى قيمة الأسماء التي حملت اسمها، إضافة إلى استحداث وسام "أبو القاسم" سعد الله لأحسن بحث تاريخي من أجل المساهمة في إثراء مكتبات الأمة العربية والإسلامية. لتثمين هذا التراث الهائل يقول يحياوي إنّه يتم من خلال دراسات يقدمها باحثون وأكاديميون شرط التطرق إلى محاور مختلفة أسهب وفصلّ فيها المؤرخ أبو القاسم سعد الله وأبرزها الحياة الثقافية، الأعلام، المقاومة الثقافية، العوالم والحواضر، الأنساب والأشراف والأسر، الطرق الصوفية، القضاء، اللغة العربية، التعليم، نظرة سعد الله للدولة العثمانية، المصادر، الاستشراف، التنصير، الرحلات "ما ذكر في مؤلفاته"، الشعر، الفتوى، التراث الشعبي، التراث الأمازيغي باعتباره أولّ الداعين لإنشاء هيئة للأمازيغية سنة 1994. ولفت المتحدث أنّه بناء على هذه النقاط المثيرة والجديرة بالمعالجة يمكن إعداد واستخراج عشرات بل مئات الرسائل حول تراثه الذي يعدّ تراث الأمةّ برمتها.
كواليس: - بسبب شغفه بالكتابة، كما تم تأكيده في الندوة من قبل المحاضرين، أنّ أبو القاسم سعد الله كان يكتب بمعدل أزيد من صفحة يوميا، حيث في قصة أقرب إلى الطرافة أن شيخ المؤرخين الجزائريين أبو القاسم سعد الله كان يكتب أثناء وجود زوجته في مصلحة الولادة بالمستشفى، وهذا دليل على أنّ الرجل يكتب في كلّ زمان ومكان، حتّى إنه في عزّ المرض قدّم مؤلفا ضخما. - أثار تدخل غريب لشخص قدم نفسه ممثلا لجمعية العلماء المسلمين غضب الحاضرين، وهو ما دفع بالحاضرين إلى توقيفه لأنه أقحم السياسة في ندوة علمية. - قال الدكتور، جمال يحياوي، إنه عندما نال الدكتور أبو القاسم سعد الله شهادة الدكتوراه في أمريكا كان هو مجرد نطفة.. وها هو يحاضر حول رصيده العلمي.. نموذج للتواضع - طالب أحد المتدخلين بضرورة نشر ما قيل من شهادات عن الراحل أبو القاسم سعد الله في كتاب لتصل إلى أكبر عدد من الناس. *بارك الحضور المجموعة الفاخرة التي طبعت بها مجلدات الراحل عن تاريخ الجزائر الثقافي، ولكنهم أجمعوا في نفس الوقت على ضرورة أن تطبع بعض الكتيبات أو الكتب من الحجم الصغير والمتوسط حتى تكون في متناول الجميع. *لم يستطع القيادي في حركة الإصلاح، حملاوي عكوشي التخلص من قبعة السياسي حتى وهو يتحدث عن الراحل أبو القاسم سعد الله، وحاول أن يراوغ بالتركيز على أن سعد الله –رحمه الله- كان صاحب توجه إسلامي.. حنكة الوزير السابق عبد الرحمن بلعياط، كانت حاضرة وأجاب بدوره بأسلوب غير مباشر، مشيرا إلى أن سعد الله رحمه الله كان مناضلا ومجاهدا وجبهة التحرير أرسلته للدراسة في الخارج وألمح "أنا ابن جمعية العلماء المسلمين في سطيف.. والكثير من أبناء الجمعية وأكثر من نصف تلاميذ الجمعية أصبحوا مناضلين في صفوف الثورة".