ثلاثون عاما كان فيها سمير القنطار يدفع ثمنا باهظا لانتمائه للثورة الفلسطينية.. كان الحقد الصهيوني عليه مضاعفا، ليس فقط بسبب نوعية العملية الفدائية التي نفذها، ولا بسبب صموده الأسطوري في قاعات التحقيق أمام ضباط الأمن الصهاينة.. إنما بسبب واحد مركزي؛ انه إبراز الخط الأحمر امام العرب والمسلمين بأنه يُمنع عليكم الاقتراب من ساحات القتال.. فرغم إصرار الفلسطينيين في كل عمليات تبادل الأسرى على الإفراج عن سمير، الا ان الرفض الصهيوني كان نهائيا بعدم الإفرج.. وبعد سنوات ثلاثين، خرج سمير من السجن في عملية تبادل للأسرى. كلنا يتذكر ان سمير القنطار أول ما التقى بأهله واصدقائه والمقاومة التقف بندقية كلاشينكوف، وقبلها كان سمير يحدد سبيله منذ اللحظة الأولى في الإفراج عنه، إنه مواصلة الجهاد والنضال لاسترداد فلسطين.. لم تكن السنوات الثلاثون قادرة أن توهن عزيمة الفدائي اللبناني، بل لعل رِفقة اخوته من ابناء فلسطين في السجون وطّدت العهد في روحه وقلبه حتى اصبحت حياتُه كلها لفلسطين، فكان المثل الأعلى للعربي عندما تسكنه القضية الفلسطينية، فانخرط في تكوين الخلايا وتدريب وتجهيز المجموعات وعينه على الجليل الفلسطيني، كان مجنونا بفلسطين لا يترك لحظة إلا في التهيئة ليوم تحريرها، فكان فلسطينيا نموذجيا.. قتلته العصابات الصهيونية فعمّ الفرح في الكيان الصهيوني، ولكنه فرح بطعم القيح، لأن القيادة الصهيونية تدرك انه كان لابد من اغتيال سمير القنطار بعد ان اغتالت قيادات مقاومة عديدة في الجولان، إذ بدأت خلايا المقاومة تنتشر في الجولان الذي ارادته اسرائيل حزاما أمنيا بعد تمدد قوات النصرة فيها وربط علاقات وثيقة بالمؤسسات الأمنية الإسرائيلية.. كان على القيادة الصهيونية القيام بهذا العمل، لأنها تعرف انه لا امكانية لتحييد المقاومة ولا امكانية لإخماد جذوة الجهاد ضد وجودها الباطل.. وهو مجددا تأكيد على نهج صهيوني بأن كل من يقترب من خيار القتال فإنه يصبح في عين الاستهداف. سمير القنطار هو العربي الجميل والأصيل، هو العربي النموذجي الذي لم يقتنع بإيديولوجيات ولا بفلسفات ولا بشروح وتفاسير حول فلسطين.. إنه يفهم ان فلسطين ليست وجهة نظر، انما هي قضية كل عربي وكل مسلم وكل حر، فلم يجلس القرفصاء يبكي فلسطين ومسجدها ومقدساتها... كان مختصرا مركزا في البندقية والقتال لدحر المستوطنين اليهود من الجليل، لأنه يؤمن ان هذه الخطوة ممكنة، وان هذه الخطوة ضرورية، لأن تحرير الجليل هو نهاية اسرائيل المشروع الشيطاني.. قتلت اسرائيل سمير القنطار.. وستقوم آلة البطش الإجرامية الصهيونية بقتل مجاهدين كثيرين بعد سمير القنطار قادة وكوادر، ولن يتوقف تدفق الدم، وستقوم العصابات الصهيونية بالتدمير والفتك والتخريب.. ولكن لن توقف إسرائيل تدفق الروح الحرة المكافِحة التي تسكن ملايين العرب والمسلمين والأحرار، وسيكون دم الشهداء نوراً على نور في طريق استعادة فلسطين المباركة.. تولانا الله برحمته.