أخطر ما يخشاه الحكام هي الثورات التي وقودها الجوع واليأس لأنها أشد الاسلحة فتكا بالانظمة، وعندنا مثل شعبي يقول: "البحر اذا فاض والشعب اذا ناض" لوصف مدى هول عاصفة الشعوب الثائرة. فقد حذر، أول أمس، خبراء دوليون من أن العالم مقبل على فترة اضطرابات طويلة جدا بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمحاصيل الزراعية التي تنذر كما قالوا ب"مذبحة وشيكة" تزيد من تدهور الوضع المعيشي في عديد من الدول قبل أن تتسع العدوى الى باقي الدول بما فيها الغنية.وما يؤدي الى هذه المذابح، لجوء الشركات الكبرى الى انتاج الوقود الحيوي من المحاصيل الزراعية المتسبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية في العالم، الى حد وصف الخبراء هذه الحالة بالجريمة ضد الانسانية. وقد بلغت أسعار المنتجات الزراعية مستويات خيالية لاسيما الصويا والقمح تزامنا مع نقص حاد في مخزون القمح العالمي. كما ان تناقص المحاصيل بشتى أنواعها وتقلص المساحات الفلاحية نظرا لتخريب البيئة والاختفاء المتزايد للزراعات المعيشية، أحد أركان الاستقرار الغذائي، زادا من تدهور المردود الفلاحي في الدول النامية. وعليه اعتبر الخبراء أن العالم داخل على قلاقل ونزاعات قاتلة وانتفاضات تقودها "كتائب شهداء الخبر"، اي جماهير ترفض الموت جوعا، كما كان الشأن بالنسبة للثورة البولشيفية في روسيا سنة 1917 التي اندلعت بعد المجاعة التي ضربت البلاد أنذاك الى حد أصبح الروس معروفين بخوفهم من "الغولوبي"، أي الجوع أكثر من "الغولودي" الذي يعني برد سيبيريا القارس.وما يحدث هذه الايام من اضطرابات في مصر، السينغال، المغرب، هايتي والاردن مجرد عينات لما قد يصيب بقية شعوب الدول النامية التي تظن انها آمنة الآن من الجوع .فانتفاضات الجماهير في مصر والاردن والمغرب من أجل الخبز تعيد الى الاذهان ما عانته أقوام أوروبا في القرون الوسطى من جوع وقحط وأوبئة. وما خرج الناس للشوارع جماعات وفرادى الا لأن الجوع قد أصبح ينذر بهلاكهم الوشيك، مما يُظهر بأن الخبز هو السبيل للاستقرار ويوحي ايضا بضرورة أن تستوعب الدول الصاعدة كالجزائر، مغزى هذه الوضعية المخيفة، وان لا تتباهى بامتلاكها مخزون استراتيجي، بل عليها أن تعتمد على مخطط ناجع لضمان الاكتفاء الذاتي في المجال الغذائي.