ولد الشيخ عبد الله لا زال الرئيس الموريتاني يقبع في سجنه، رغم الضغوط الدولية الممارسة على المجلس العسكري الحاكم في موريتانيا من أجل إعادة الشرعية والإفراج عن الرئيس وعودته إلى منصبه... ولمعرفة آخر التطورات، زارت الشروق بيت عائلة الرئيس في نواقشط، فكان هذا الحوار مع نجله الأكبر، عبد الله، الذي أكد أن والده مازال صامدا ورافضا لكل المساومات التي تستهدف تنازله عن منصبه كرئيس منتخب لموريتانيا. * * لم يفاجئني الموقف المشرف للجزائريين الرافض للانقلاب * * نحن تحت الإقامة الجبرية وممنوعون من زيارة الوالد * * لم تصلنا أية أخبار عن الوالد منذ أسبوعين * * الشروق اليومى: ماهى آخر أخبار الوالد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله؟ * آخر أخبار وصلتنا عن الوالد كانت قبل اسبوعين، عندما التقى به وفد من المؤسسة العربية للديمقراطية وحقوق الإنسان التى تتخذ من العاصمة القطرية، وعلمنا ذلك من خلال الانترنت وليس من خلال الاتصال المباشر به؛ لأننا ممنوعون من زيارته منذ اختطافه من قبل العسكريين يوم السادس من أوت 2008. * لكن حسب ما عندنا من المعلومات من مصادرنا، فهو ولله الحمد في صحة جيدة ومعنوياته مرتفعة ومتمسك بمواقفه من الأزمة القائمة وخيار الشرعية. * * * هل يواجه ولد الشيخ عبد الله ضغوطا من قبل العسكريين للإستقالة كما يقال؟ * ** أعتقد أن هذا صحيح، ولعل من المفارقات العجيبة التى استرعت انتباهنا، هو أن مجموعة الحقوقيين التى زارته عشية اجتماع باريس الأخير حول موريتانيا لم يتحدثوا معه في قضايا صحته أو عائلته أو أوضاع المعتقل الذى يوجد بداخله، وانما تحدثوا معه عن مشروع سياسي لحل الأزمة، يتطلب طبعا هذا المشروع تخليه هو عن السلطة لصالح العسكريين، ونحن ندرك فعلا أن الانقلابيين غير مستعدين للتنازل عن السلطة التى اغتصبوها، وهم يريدون أن يتخلى لهم الرئيس عن الشرعية من أجل تمرير مشروعهم السياسي. * * *إذا أعيدت لكم جوازات السفر، أين ستكون وجهتكم، وهل تطلبون اللجوء السياسي في الجزائر مثلا؟ * **لا.. لماذا نغادر موريتانيا.. نحن فى بلدنا ولن نقبل أن نتركه لثلة من الضباط الذين اختاروا مصالحهم الشخصية على مصلحة الوطن، بل سنبقى وسنناضل إن شاء الله إلى أن ينتصر الحق وتعود الديمقراطية إلى طبيعتها الأصلية. المشكلة ليست مشكلة الرئيس أو عائلة الرئيس، بل مشكلة موريتانيا ككيان، والمفروض أن يضحي الجميع من أجل مصلحة موريتانيا ومستقبل موريتانيا. * * * ألا تعتقد أن تحرك المؤسسة العسكرية للإطاحة بالرئيس لم يأت من فراغ، وإنما كان محصلة للأزمة التي كانت قائمة بين الرئيس ومجلس النواب؟ * ** أولا، أنا لا أعتقد أن هذا الانقلاب العسكري لم تقم به المؤسسة العسكرية، فإذا رجعت مثلا الى السادس من أوت 2008 (يوم الإنقلاب) تجد أن الذي تحرك هو الحرس الرئاسي بقيادة الجنرال محمد ولد عبد العزيز والحرس الوطنى، أما القادة الآخرون فقد تم جلبهم الى هذه المغامرة بعد أن تم اختطاف الرئيس والسيطرة على الوضع، وأنا لا أعتقد أن الجيش الموريتاني يتحمل مسؤولية رجل أو اثنين لديهم طموحات شخصية ومستقبل موريتانيا يمكن أن يظل رهينا لطموحات شخصية، وأعتقد أن الشعب الموريتاني يعرف ذلك، وهذه هي أول مرة في موريتانيا يحدث انقلاب عسكرى دون أن يلقى تأييدا لا من الداخل ولا من الخارج، رغم مضي ثلاثة أشهر، وأعتقد أنه سيفشل؛ لأن فشله هو من مصلحة الشعب الموريتاني، كما أنه من دواعي استقرار المنطقة عموما. * والمواقف الدولية المناهضة للإنقلاب هي مواقف مشرفة بالتأكيد ومشجعة؛ فالموقف الفرنسي والموقف الأمريكي وحتى موقف الاتحاد الافريقي، ومواقف بعض الدول المجاورة، فمثلا موقف الجزائر أعتقد أنه موقف مشرف؛ لأنه وقف مع الشعب الموريتاني في الظروف الصعبة، وأرى أن العالم رأى الحقيقة في هذا الانقلاب، وهو انقلاب واضح ومحير؛ لأن بعض الضباط تم تسريحهم فرفضوا واختطفوا الرئيس ويريدون البقاء في السلطة بالقوة، وبالتالى فهو انقلاب ليس له أي مبرر؛ فالمبررات المقبولة أن تكون هناك أزمات أو يكون نظام له سنوات عديدة وهناك احتقان سياسي أو مشاكل لا يتم التغلب عليها بالطرق العادية، فيكون هناك انقلاب. * أما انقلاب الجنرال عزيز، فقد جاء بعد أقل من سنة ونصف في دولة كانت في طريقها الى حل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية. وهذا ليس قولنا نحن، وانما قوله الخبراء العالميين الذين يعرفون ذلك. فمثلا البنك الدولي وصندوق النقد الدولي كلهم يعرفون أن الأمور كانت تسير بشكل جيد، ولم تكن هناك أي أزمة، وانما هي أزمة مختلقة من طرف بعض الرجال الذين يريدون المناصب. * * * ما رأيكم في الدعم المباشر للمغرب لما قام به الانقلابيون؟ * ** أنا شخصيا ليس لي علم بذلك (يبتسم) وأعتقد أن الأحسن هو توجيه السؤال للجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية؛ لأننى لا أريد أن أدخل فى جدل من هذا القبيل. * * * نقل عن رئيس المجلس العسكري الحاكم قوله إن ما يحدث الآن داخل البلاد وخارجها مجرد جلبة يقوم بها بعض أنصار الحركات السرية، وبدعم من الجزائر.. هل هذا التقييم صحيح؟ * ** هذا تصور غريب، فنحن لا يمكن أن نحرك المنظمات العالمية، فهي لا تحركها إلا الحقائق التى توصلوا إليها هم، أما نحن فإذا كنا جماعة تعد على روؤس الأصابع كيف يمكن أن نؤثر على العالم. هنالك التفاف شعبى حول المطالب التى تنادي بها الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية، وأهمها عودة الشرعية السياسية للبلاد وانهاء الانقلاب. بالأمس كانت هناك تظاهرات في مدن عديدة داخل الوطن، وكان هناك إجماع على أن الأغلبية كانت لصالح الشرعية السياسية،رغم أن العسكريين كانوا يرغمون الناس على الحضور، أما نحن فلن نفعل أكثر من أن ندعوهم الى الحضور. وأعتقد اليوم أن كل عاقل في موريتانيا يشهد أن ولد عبد العزيز وجماعته ليسوا محل اجماع أو ثقة. * * * هل تعرضتم للمضايقات بعد الإطاحة بالرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله من قبل العسكريين؟ * ** طبعا.. الوالدة (ختو بنت البخاري) تم جلبها من طرف جماعة تدعي أنها تمثل شرعية مجلس الشيوخ لاستجوابها مرتين، وأنا تم استجوابي، وممنوعان لحد الآن من السفر الى الخارج، ولايزال العسكريون يحتفظون ببعض جوازات السفر التى تعود الى أفراد الأسرة، وأنا أعرف أنه كان عندي ابن عم يحمل جواز سفره نفس اسم أخي الأصغر، فمنع من السفر لفترة زمنية حتى تأكدوا من هويته. * * * كيف تقيمون الوضع السياسي في موريتانيا بعد الانقلاب؟ * ** والله أنا أعتقد أنه في الاخير هذا الانقلاب كان شيئا ايجابيا لموريتانيا؛ لأننا اليوم نرى أنه أصبح هناك الكثير من الوعي لدى الناس بأهمية العملية السياسية والديمقراطية كمنهج حياة؛ فهنالك الكثيرون ممن تخلوا عن مناصبهم من أجل المصلحة الوطنية يتعرضون للضرب وللسجن من أجل مستقبل البلاد، وهذا ناجم عن تذوق الشعب لطعم الحرية خلال هذه الأشهر الخمسة عشر؛ لأنه كان هناك نظام لا يصادر الحريات ولا الآراء، والاعلام في زمنه لم يشهد أي نقص، ولم تصادر أي جريدة، وهذا هو أول انقلاب لم يتم فيه إخلاء أي سجين سياسي؛ لأنه لم يكن هنالك أى سجين. وأعتقد أنها أول مرة يفهم فيها الشعب الموريتاني قيمة الديمقراطية؛ لأن الديمقراطية التي كانت عندنا حتى يوم 6 أغسطس كأنها فرضت علينا أو أعطيت لنا ولم نفهم معناها، ولكن اليوم بعد انقلاب السادس من أغشت رأينا الفرق بين الديمقراطية وبين النظام الدكتاتوري والكل أصبح يرى أن الديمقراطية مكسب يجب الحفاظ عليه، وأنا متأكد أنه بعد رحيل العسكريين سوف تكون هناك ديمقراطية أفضل. * * * كيف تنظرون الى مواقف بعض الدول المجاورة لموريتانيا، والتي يقال أنها سايرت الانقلاب أو دعمته؟ * ** فعلا هناك دول مجاورة كانت مواقفها ليست مناوئة للانقلاب بالقدر المطلوب، لكن اليوم لم تعترف أي دولة بالانقلاب حتى الآن، بل هناك دول مع موقف الاتحاد الافريقي القوي جدا ولا تريد أن تأخذ موقفا تكون له ردود فعل سيئة من طرف الانقلابيين، ولكن أنا أنظر الى الدول التي تدعم الشرعية وعددها كبير. * * * الرئيس بوتفليقة رفض استقبال وفد مثل الانقلابيين، كيف قرأتم هذا الرفض؟ * ** طبعا سررنا كثيرا بالموقف الجزائري، ولكن لم يكن مفاجئا لنا؛ لأننا كنا نتوقعه ونعرفه لما نعلم من نبل لدى الشعب الجزائرى وقيادته الحالية، ونحن بالمناسبة نشكر الرئيس بوتفليقه لمواقفه الداعمة لموريتانيا ولخيار الشعب الموريتاني ورغبته فى العيش بحرية وكرامة. * * * ماهي الرسالة التي يوجهها محمد ولد الشيخ عبد الله الى الشعب الموريتاني؟ * ** الرسالة التي أوجهها الى الشعب الموريتاني هي أنني فخور به، وأعتقد أنه اليوم يناضل من أجل مستقبل أفضل، وأرجو من الله التوفيق في ذلك، والقضية ليست قضية الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله، بل القضية هي خيار عدم ابتعاد العسكر عن السلطة؛ فالعسكر حكم موريتانيا منذ 1978، واعترف بذلك في سنة 2005، فكيف نقبل أن يأتي اليوم جماعة من الضباط ويقولون أعطونا فرصة. أعتقد أنه حان الوقت لكي يكون الشعب الموريتاني هو المسؤول عن حل مشاكله بنفسه، وأعتقد أن الشعب الموريتاني إن شاء الله سوف ينجح في حل احراز الحرية والديمقراطية التي يريد. * .أما فيما يخص دعم الجزائر في نضالنا دولة وشعبا، فأنا أوجه لهم الشكر، وأقول أنه لم يفاجئني؛ فالجزائر شعب يعرف النضال وله معه تاريخ طويل وتجربة مريرة، ودفع من أجل ذلك ثمنا باهظا، وأنا أشكرهم كثير الشكر على ذلك