اعترف، أمس، الوزير الأول عبد المالك سلال، بأن الجزائر تمر بوضع اقتصادي صعب وتواجه عوائق حقيقية وغدا غامضا، ومع ذلك تبدي مقاومة جيدة لتراجع مواردها المالية بأكثر من النصف، وفيما أعلن إلغاء جزئيا لامتحانات البكالوريا وإعادة المواد المسربة منها، عبر عن دعم الحكومة لوزيرة التربية نورية بن غبريط، ومواصلة إصلاحاتها، معتبرا تسريب بعض المواد مؤامرة لوقف الإصلاح أراد أصحابها ضرب استقرار وأمن البلاد. وقال سلال في الكلمة التي ألقاها لدى افتتاحه أشغال اجتماع الثلاثية ال19: "أقولها من دون ديماغوجية، الوضع صعب والعوائق حقيقية والغد غامض، إلا أن الجزائر تقاوم جيدا"، مشيرا إلى أن الجزائر تعاني من تراجع أسعار النفط، ومن تراجع مواردها المالية بأكثر من النصف إلا أن الجزائر تقاوم، واستدل بمجموعة من المؤشرات الاقتصادية التي تؤكد أن قدرة الجزائر على تحسين نموها قائمة، على اعتبار تراجع فاتورة الواردات بنسبة تجاوزت 13 بالمائة هذه السنة، واستقرار نسبة التضخم عند 4.11 بالمائة، مع تواصل ارتفاع القروض الموجهة للاستثمار بنسبة 9 بالمائة، وطمأن سلال بخصوص احتياطات الصرف التي قال إنها كفيلة بتغطية نفقات الجزائر لأربع سنوات قادمة في حدود 136.19 مليار دولار مع سيولة نقدية في البنوك تصل إلى 1.684 مليار دينار. وقارن سلال بين وضعية الجزائر ودول أغنى منها، أجبرها تراجع أسعار النفط على مضاعفة أسعار الوقود وتقليص الدعم الاجتماعي وقطع الماء والكهرباء وإحالة الموظفين إلى البطالة التقنية، وعند هذا الطرح قال سلال بوجود من راهن على زعزعة الجزائر، التي صانتها حكمة الشعب الرافض لخطاب الخوف والهلع والمغامرة السياسية. وخرج سلال عن نص الثلاثية وملفاتها، ليقف عند فضيحة التسريب واعتبرها غشا طال كل القطاعات يستدعي محاربته، ومعاقبة كل متورط لأن الأمر يتعلق بمحاولة ضرب إصلاحات المنظومة التربوية ومن خلالها هدم المجتمع والمساس بالكيان الوطني والأمن القومي وزعزعة الاستقرار. وفوض سلال وزيرة التربية لمهمة الإعلان الرسمي اليوم عن برنامج إعادة المواد المسربة في البكالوريا، مؤكدا تضامن الحكومة معها ودعم إصلاحاتها، ومشددا على أن العدالة ستضرب بقوة المتورطين، مشيرا إلى إجراءات جديدة ستحكم عمل الديوان الوطني للمسابقات والامتحانات وتوعد المتقاعسين بالعقاب. سلال الذي استغل لقاء الثلاثية التي تناولت ملفات اجتماعية واقتصادية من بينها النموذج الاقتصادي الجديد للتنمية للفترة وتقييم العقد الاقتصادي والاجتماعي ومنظومة التقاعد، جدّد استعداد الحكومة للتشاور والحوار حول كل القضايا، مؤكدا تمسك الدولة بالسياسة الاجتماعية وإقرار العدالة بين فئات المجتمع وتحقيق توازن الأقاليم وتكافؤ الفرص والإنصاف، وقال إن الجهاز التنفيذي سيلتزم بذلك خلال التعديلات التشريعية القادمة لقانون العمل ومنظومة التقاعد المبنية على التضامن الذي يفرض القيام بإصلاحات عليها. وفي رسالة سياسية صريحة، قال مسؤول الجهاز التنفيذي "الوطن آمن ومستقر ويقوده المجاهد الذي اختاره المواطنون والذي تقف خلفه بكل التزام كل مؤسسات الدولة"، مضيفا أن "الجزائر حرة وسيدة في قرارها السياسي والاقتصادي"، داعيا إلى "المساهمة في رفع تحدي جزائر القرن 21 بعد أن باشرت مسارا هائلا في التجديد الوطني"، مبرزا أنه رغم "الذين أعمى الحقد بصيرتهم فالجزائر ستبقى واقفة وإذا كانت أسعار البترول قد انخفضت فوحدة الشعب ثروة لن تفقد أبدا قيمتها". وإن أشار سلال إلى "الصعوبات الاقتصادية "التي تعيشها الجزائر، أكد أن هذا لن يجعلها تتنكر لالتزاماتها مع من يبدؤون حياتهم العملية أو الذين يعملون اليوم وأولئك الذين هم في راحة مستحقة بعد سنوات طويلة من الجهد"، أي فئة المتقاعدين، وعلى نقيض دورات الثلاثية السابقة أعلن سلال استحداث لجنة لمتابعة تنفيذ قرارات اجتماع الثلاثية التي فتحت ثلاثة ملفات هي النموذج الاقتصادي الجديد وتنفيذ العقد الاقتصادي والاجتماعي في مجالات الاستثمار والشغل ومراجعة نظام التقاعد. وردا على الشكاوى المتجددة لبعض المتدخلين من "الباترونا" بخصوص الصعوبات التي تعترض استثماراتهم من عقار صناعي وتمويل مالي، قال سلال إن تنصيب محمد لوكال كمحافظ جديد لبنك الجزائر خلفا لمحمد لكصاسي المبعد يمثل "مؤشرا قويا" على الإرادة في دعم الاستثمار، مشيرا إلى أن "المحافظ الجديد مصرفي وقادم من البنوك، وهي المرة الأولى التي يعين فيها مصرفي على رأس بنك الجزائر". وفيما أعطى سلال إشارات قوية لمراجعة نظام التقاعد الذي سيتضمنه مشروع قانون خاص يعمل عليه فوج عمل خاص، طمأن بالإبقاء على السن القانونية للتقاعد عند 60 سنة، وقالت مصادر "الشروق" من داخل قاعة الأشغال المغلقة إن الاتجاه العام للنقاش ميّل كفة إلغاء التقاعد النسبي والتقاعد المسبق.