لم يحدث في تاريخ الدول المصدرة للنفط وأن عاشت موسم (صابة) كما تعيشه في السنوات الأخيرة، فغيث الدولارات تحوّل إلى طوفان أغرق هاته الدول في ثروات لا سابق لها بها. بعضها دخل بها النادي النووي والبعض الآخر أصبح يتعنتر على دول أمريكا الجنوبية والبقية حولت صحاريها إلى جنات عدن تجري من تحتها ومن فوقها الخيرات وبحارها إلى مدن وقرى سياحية، فالنفط ارتفع سعره إلى خمسة أضعاف ولم يرتفع سعر المواد الإستهلاكية ومنها القمح بأكثر من الضعف، ومع كل ذلك مازالت الجزائر تعجز عن فك عقدتها مع التخلف الذي تحوّل إلى أزمات اجتماعية معقدة، فالتحجج بارتفاع أسعار السكر والقمح والزيت في الأسواق العالمية هو كلام مردود علينا، لأن المملكة السعودية التي لا تحلب من السحابات العابرة على أراضيها إلا ملمترات من الغيث في السنة تمكنت من تصدير القمح، وتونس التي تجاورنا وهي توأمنا تاريخيا وجغرافيا وعرقيا، تصدر الزيوت، بينما نعجز نحن عن صنع شيء مهم بعشرات الملايير من الدولار التي أتخمت خزائننا ومازلنا نشتكي تصحر أراضينا التي كانت خضراء في زمن اللانفط ومازلنا نعجز عن إيقاف جحافل الحراڤة الذين كانوا يعيشون آمنين مطمئنين في زمن اللانفط ومازلنا نعجز عن إيجاد مشروع واحد نفتخر بكونه منّا وإلينا والمشكلة هذه المرة تتقاسمها القمة والقاعدة، لأن القاعدة هي التي أمدت النظام بهؤلاء رؤساء البلديات ورؤساء المجالس الشعبية ومهّدت لهم الطريق، لأن يتحكموا في الرقاب ويعجزوا عن صرف ميزانيات يقال أن بعضها تفوق قيمتها عن ميزانيات دول إفريقية وآسياوية صغيرة.لقد كان حلما جميلا أن يصل سعر سلة البترول إلى ثلاثين دولارا وحلما مجنونا أن يصل إلى خمسين دولار وحلما هستيريا أن يدق الثمانين والمائة، ولكن الحلم تحوّل إلى حقيقة وصارت الأرقام (تتساقط) نحو (الأعلى) وأصبح حلم المستهلكين أن يثبت عند المائة دولار، لأن ما بعد.. بعد المئة صار أمرا محتوما فتغيرت الخارطة الاقتصادية فدخلت إيران النادي النووي ودخلت فنزويلا تحديا اقتصاديا وصارت دبي وأخواتها في الخليج عواصم للدنيا.. فماذا عن جزائرنا؟!