عرض الوزير الأول بداية هذا الأسبوع مخطط عمل حكومته أمام البرلمان وقال إن البلاد تتمتع براحة مالية وبحكمة متميزة في التعامل مع مفردات القطاعين المالي والمصرفي، ولكن المسؤول الأول عن الجهاز التنفيذي لم يوضح أسباب التأخر في إنجاز برنامج رئيس الجمهورية لدعم النمو كاملا، ولم يعرض على البرلمان ما يلزم من الاجراءات لتأمين مستقبل الاقتصاد الوطني لما بعد العام 2014 تاريخ استهلاك الاحتياطي من النقد الأجنبي في حالة تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية. فماذا بقي أمام الجزائر من هامش للمناورة حتى تستمر في تنفيذ مخططاتها التنموية؟ وكيف يمكن التحول سريعا من اقتصاد تحكمه عشوائية أسواق النفط الى اقتصاد يملك أدوات الضبط أمام أية صدمة محتملة في المستقبل؟ * نحو تقليص الارتباط بصادرات النفط * أعلن المسؤول الأول عن قطاع الطاقة والمناجم عن تقلص التوقعات بشأن مداخيل الجزائر من صادرات المحروقات لهذه السنة إلى حدود 75 مليار دولار بعد أن كانت في مستوى 80 مليار دولار، ما يعني خسارة قدرها 5 ملايير دولار خلال 6 أشهر ولنا أن نتصور حجم الخسارة لو استمرت الأسعار في التراجع ولمدة طويلة. وفي المدى الطويل كيف يكون الوضع عند توقف مشاريع الاستكشاف وانسحاب الشركات الأجنبية من العمل في الحقول تحت ضغط الكلفة؟ وفي أسوإ الحالات كيف يمكن ضمان تمويل موازنة الدولة في المستقبل والنفط مصيره النضوب خلال أقل من نصف قرن، والغاز لا يتعدى احتياطي الجزائر منه نسبة 2.4٪ من الاحتياطي العالمي وصادرات الجزائر من الذهب الأبيض محاطة بمنافسين أقوياء على غرار روسيا (25.8٪ من الاحتياطي العالمي) وإيران (15.7٪ من الاحتياطي العالمي) وقطر(14.2٪ من الاحتياطي العالمي)، ضف إلى ذلك تقنية التسييل التي باتت تسمح للدول المنتجة من نقل الغاز عبر المسافات الطويلة بأسعار أدنى من تلك التي تتطلبها طريقة النقل بالأنابيب. * وللتدليل على الصعوبات المتوقع بروزها في الشأن الطاقوي الجزائري، ما أسفرت عنه عملية فتح أظرفة المناقصة الوطنية والدولية الأولى من نوعها لمنح رخص الاستكشاف في مجال المحروقات، السبت الماضي، والتي لم تنجح سوى في تمرير 4 صفقات من إجمالي 16 صفقة. نتيجة كان يجب أن تتوقف عندها السلطات المعنية لأنها تعني بداية العد التنازلي لنجاعة مشروعات الاستكشاف البترولي في ظل المعطيات الجديدة للاقتصاد العالمي، ليس في الجزائر وحدها بل وفي كل حقول العالم، وبالتالي تضاؤل قوة ورقة النفط كمحرك للتنمية الوطنية. * لم يعد هناك بد من تقليص اعتماد الموازنة العامة للدولة على الجباية البترولية بشكل فعلي وملموس بناء على أجندة زمنية محددة لا تتعدى الخمس سنوات وهي الفترة الهامشية لاستغلال احتياطي البلاد من النقد الأجنبي. إرادة سياسية قوية يرافقها مخطط عمل استراتيجي للاستثمار في المزايا التنافسية لصناعتنا وفلاحتنا وسياحتنا وتراثنا الحرفي ومواردنا البشرية والعلمية. صحيح أن هامش المناورة مازال يضيق يوما بعد يوم بسبب تفاعلات الأزمة المالية في العالم ولكن ذلك لا يمنع من ضبط سريع للاقتصاد الوطني على نبض ما يجري في العالم من تحولات. * وعندما يعرف الجميع أن الحكومة لا تفتقر الى الأفكار الخلاقة في هذا المجال وأن جلسات للصناعة انعقدت وأخرى للحرف وغيرها للمؤسسات المنتجة وورشات لازالت مفتوحة عن القطاعات المربحة وجلسات في الأفق عن الفلاحة، عندما نعرف ذلك ندرك بأن بين أيدينا أبجديات التحول الإيجابي نحو مصادر جديدة ومستدامة للثروة وربما نفتقر إلى البرامج الأكثر نجاعة وإلى مركز وحيد للقرار الاقتصادي وإلى جهاز تنفيذي أكثر تحكما في وضع وتجسيد السياسات الاقتصادية وضبطها كلما اقتضت الظروف الدولية والإقليمية المحيطة بنا ذلك. * * فاتورة الاستيراد: إلى أين؟ * من المتوقع أن تمس فاتورة الواردات لبلادنا هذه السنة سقف 50 مليار دولار مدفوعة في ذلك بالأسعار المغرية لبرميل النفط الصيف الماضي. ولا أحد يعرف ما إذا كان ازدياد الطلب على الواردات ناجما عن عجز في الناتج الوطني وخاصة في القطاعات ذات الطلب العالي، أم أن الأمر يعود إلى السياسة الوطنية في مجال التجارة الخارجية وفي حماية المنتوج الوطني. العارفون بشأن الاقتصاد الوطني يقولون إن قطاع التجارة الخارجية مايزال هو الآخر ساحة لتحقيق الريع من خلال الصفقات التي تبرم في مجالات مثل الأدوية والغذاء وأعلاف الماشية والتجهيز. وبعضهم يرى إمكانية أن يعوض المنتوج المحلي نسبة معتبرة من الواردات لو أرادت الحكومة ذلك من خلال سياسة "إحلال الواردات".وربما يكون الإنصات إلى المنتجين المحليين فيما له علاقة بالخدمات الاستشارية والدواء والغذاء مفيداً في سياق البحث عن حلول ناجعة لمشكلات الاقتصاد الوطني. * وكما يمكن خفض الواردات، إن أرادت الحكومة ذلك، يمكنها كذلك حفز الصادرات خارج المحروقات بشيء من الضبط في تقييم المواد المعدة للتصدير. لماذا تشكل نفايات الحديد والمعادن جزءاً مهمًّا من صادرات البلاد خارج المحروقات على تواضعها؟ ولماذا تبقى هذه الصادرات تراوح حجما لا يتعدى المليار دولار مع القيمة المتناقصة لسعر صرف الدولار ؟ ومن هو المستفيد من هذا الوضع؟ ألا يمكن أن ينتقل هذا الرقم الى مستوى أعلى عبر أسواق لازالت تشكو من عدم تكافؤ التبادل التجاري الرأسمالي؟ * هناك فرصة كامنة في احتياطي البلاد من النقد الأجنبي عندما يوجه في إطار سياسة اقتصادية جديدة نحو خفض الاستيراد ورفع التصدير خارج المحروقات وتقليص الارتباط بالريع النفطي، ولكن هناك تحديات معتبرة على آفاق العام 2014 منها اتجاه الاقتصاد العالمي نحو "الحمائية" من جديد على ضوء بوادر الركود، وضرورة أن يحقق مخطط الحكومة أهدافه كاملة في الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى بدايات الاقتصاد المنتج للثروة.