خلال الجولة التوديعية للرئيس الأمريكي... تم لفت النظر...، وكل عناوين الصحف تتكلم ليس على الاتفاقية الأمنية بقدر ما كانت العناوين حول "حذاء" صحافي البغدادية، فلم يكن ذا ماركة إيطالية أو فرنسية، بقدر ما كان من صنع محلي ورمز للعزاة، وذلك مؤشر عن مدى الرفض "الكلي" للاحتلال الأمريكي، كما يترجم عهدة الرئيس الأمريكي التي غرست الكراهية والبؤس... ليس لدى الشعب العراقي فحسب، بل لدى العديد من الشعوب، فأصبحت الكراهية ماركة أمريكية قد تضاف لباقي الماركات الأخرى المشهورة... * وما أدهشني الرد غير المدرك للواقع العراقي.. بالادعاء أن تلك ضريبة الحرية.... فالتساؤل المنطقي هل فعلاً، أن نسمات الحرية قد تنشئ بالضرورة وسائل تعبيرية عنيفة وغير مدروسة... وعليه، فإن الدبابة - قراطية... أو الديمقراطية - آلاف ستة عشر هي نتاج طبيعي لهذه السلوكيات... ومن ثم الإجابة كانت خاطئة... لتساؤلات ما زالت قائمة للوقت الحالي؟! * فهذا السلوك غير شاذ أو استثنائي بقدر ماهو انعكاس لحالة غليان يعيشها المجتمع العراقي... وقد كان "التعبير الحذائي" تاريخياً واستعمل من طرف الرئيس السوفياتي السابق، خروتشوف، للدلالة عن الرفض المطلق لسياسات معينة تم انتهاجها، وذلك قد يدفعنا للسياسات الأمريكية "الأنانية" والمفرطة في صيانة مصالحها الحيوية، ومجالاتها التقليدية "فسياسة التستر وراء" حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية أصبحت غير مجدية، فالوصفات الأمريكية في تراجع رهيب، ليس بحكم عدم تشبع الشعب الأمريكي بهذه القيم بقدر ما كانت نتيجة أن الإدارة الأمريكية كانت تلميذا سيّئا وغير مثالي لهذه القيم، فالتعذيب الممنهج وبمسميات أخرى، وكلها تتفق من حيث الماهية...، وتعميم الخروق الجسيمة لحق الخصوصية التنصّت مثلاً... وفتح أكبر محتشد على الطريقة النازية في غوانتنامو والخروقات العديدة لحقوق الإنسان... وسياسة احتقار الشعوب واحتلالها بمسميات أخرى... كانت القوة الدافعة، والوقود المنشط لعضلات الصحافي لرمي "الجزمتين". والدلالة الأخرى... أن صحافي البغدادية دخل كتاب "غينس بوك" بحكم أنه زاد الحذاء الثاني على الرئيس خروتشوف وبالتالي من حقه تربع كتاب الأرقام القياسية... وإن كنت شخصياً أرفض جملة وتفصيلاً استعمال القوة في التعبير السياسي... ومما أدهشني أن الصحافي ذو مستوى ثقافي ومشهود له بهدوء طبعه، وعدم هيجانه، ولكن لما يحمل الواد الهادئ... فلننتظر المفاجآت... وفعلاً رمي فردتي الحذاء كانت مفاجأة من العيار الثقيل، وقد فتحت الباب لفضول العديد من الكاريكاتوريين ليس في العراق فحسب، بل في أنحاء العالم للتجسيد "الدلالي" لحقبة الرئاسة الأمريكية بالعهدتين... والتي كانت أسوأ رئاسة بامتياز منذ نشأة الولاياتالمتحدةالأمريكية... بالإخفاقات العديدة في مختلف الملفات المحلية والدولية... لذلك يجب أن تكون هذه الحادثة عبرة للآخرين بأن التكنولوجيا والعلم غير كافيين وحدهما للتحكم في مشاعر الأفراد والشعوب... * وهذه الحادثة ذكرتني بقصة القاضي الذي توفي بسبب ذبابة، فالمفارقة كبيرة، ورغم ضخامة مهام القاضي كجهة للحل والعقد... ثم قتله من طرف أضعف المخلوقات وهي الذبابة من أضعف الحشرات التي لا تملك قوة بدنية... ولا قوة ناسفة.. ولكن للّه حكمة في شؤون عباده... ولنستعمل القياس بين الحادثتين ونستخلص العبر والدروس؟! * وإنني لم أكتب هذه المقالة بدوافع غرس بذور الكراهية... أو الانتقام من سياسات... أو التشفي لكرامة الفرد، بقدر ما ألفت الانتباه إلى أن مصير كل متجبر في أفكاره، متعنّت في سياسته، مصيره الخروج من التاريخ عبر بواباته الصغرى، فالتاريخ لن يذكر بوش بقدر ما سيذكره بحذاء صحافي البغدادية أو معتقل سيء السمعة غوانتنامو... هذه مجموعة من العبر والدروس استخلصها ولعل الكلام عن بوش والمعنى موصول على جيرانه في الجراوة والتعنت والتشدق بإخفاء الحقائق،... وو...الخ. * *