التقلبات الجوية عبر ولايات الوطن..تقديم يد المساعدة لأزيد من 200 شخص وإخراج 70 مركبة عالقة    وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية يشدد على نوعية الخدمات المقدمة وتعزيز استعمال الدفع الإلكتروني    حريصون على احترافية الصحافة الوطنية    حزب العمال يسجل العديد من النقاط الايجابية في مشروعي قانوني البلدية والولاية    الرئيس يستقبل ثلاثة سفراء جدد    قافلة تكوينية جنوبية    تراجع صادرات الجزائر من الغاز المسال    فرنسا تتخبط    الجزائر تطالب بإعادة إعمار غزّة    هل يُعاد إعمار غزّة؟    المولودية على بُعد نقطة من ربع النهائي    مرموش في السيتي    نعمل على تعزيز العلاقات مع الجزائر    أمطار وثلوج في 26 ولاية    إحياء الذكرى ال70 لاستشهاد البطل ديدوش مراد    بلمهدي: هذا موعد أولى رحلات الحج    بسكرة : تعاونية "أوسكار" الثقافية تحيي الذكرى ال 21 لوفاة الموسيقار الراحل معطي بشير    كرة القدم: اختتام ورشة "الكاف" حول الحوكمة بالجزائر (فاف)    كرة القدم/ رابطة أبطال افريقيا /المجموعة 1- الجولة 6/ : مولودية الجزائر تتعادل مع يونغ أفريكانز(0-0) و تتأهل للدور ربع النهائي    ري: نسبة امتلاء السدود تقارب ال 35 بالمائة على المستوى الوطني و هي مرشحة للارتفاع    تطهير المياه المستعملة: تصفية قرابة 600 مليون متر مكعب من المياه سنويا    حوادث المرور: وفاة 13 شخصا وإصابة 290 آخرين خلال ال48 ساعة الأخيرة    خدمات الحالة المدنية لوازرة الخارجية كل يوم سبت تهدف إلى تخفيف الضغط وتحسين الخدمة الموجهة للمواطن    مجلس الأمن الدولي : الدبلوماسية الجزائرية تنجح في حماية الأصول الليبية المجمدة    الذكرى ال70 لاستشهاد ديدوش مراد: ندوة تاريخية تستذكر مسار البطل الرمز    تجارة : وضع برنامج استباقي لتجنب أي تذبذب في الأسواق    الجزائرتدين الهجمات المتعمدة لقوات الاحتلال الصهيوني على قوة اليونيفيل    كأس الكونفدرالية: شباب قسنطينة و اتحاد الجزائر من اجل إنهاء مرحلة المجموعات في الصدارة    العدوان الصهيوني على غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 46899 شهيدا و110725 جريحا    تقلبات جوية : الأمن الوطني يدعو مستعملي الطريق إلى توخي الحيطة والحذر    منظمة حقوقية صحراوية تستنكر بأشد العبارات اعتقال وتعذيب نشطاء حقوقيين صحراويين في مدينة الداخلة المحتلة    اتحاد الصحفيين العرب انزلق في "الدعاية المضلّلة"    الأونروا: 4 آلاف شاحنة مساعدات جاهزة لدخول غزة    دخول مركب "كتامة أغريفود" مرحلة الإنتاج قريبا    وزير الاتصال يعزّي في وفاة محمد حاج حمو    اقرار تدابير جبائية للصناعة السينماتوغرافية في الجزائر    التنفيذ الشامل لاتفاق السلام لتحقيق المصالحة الوطنية في جنوب السودان    رقمنة 90 % من ملفات المرضى    الجزائر تستضيف طبعة 2027 من المنافسة القارية    بشعار "لا استسلام للخضر" في مباراة الحظ الأخير    مسابقة لاختيار أحسن لباس تقليدي    تعيين حكم موزمبيقي لإدارة اللقاء    قتيل وستة جرحى في حادثي مرور خلال يومين    توقيف 3 أشخاص بحوزتهم 692 قرص مهلوس    بلعريبي… وزارة السكن تطلق حملة لمكافحة التغييرات العشوائية في السكنات    وزير العدل يشرف على تخرج الدفعة ال27 من الطلبة القضاة في القليعة    بلمهدي يزور المجاهدين وأرامل وأبناء الشهداء بالبقاع المقدّسة    جائزة لجنة التحكيم ل''فرانز فانون" زحزاح    فكر وفنون وعرفان بمن سبقوا، وحضور قارٌّ لغزة    المتحور XEC سريع الانتشار والإجراءات الوقائية ضرورة    بلمهدي يوقع على اتفاقية الحج    تسليط الضوء على عمق التراث الجزائري وثراء مكوناته    وزير الثقافة يُعاينُ ترميم القصور التاريخية    كيف تستعد لرمضان من رجب؟    ثلاث أسباب تكتب لك التوفيق والنجاح في عملك    الأوزاعي.. فقيه أهل الشام    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الضرب بالحذاء عجزٌ، وبالنار إرهاب، بماذا نضرب؟
نشر في الشروق اليومي يوم 31 - 12 - 2008


الاعلامي فيصل القاسم
ابتليت الساحة العربية برهط من الكتاب والمثقفين الذين يغلفون حقدهم وكراهيتهم لأمتهم وعمالتهم الدنيئة للعدو، أمريكياً كان أو إسرائيلياً، أو أياً كان، بمواعظ ومقالات يسمونها "عقلانية" و"حضارية"، وهي أبعد ما تكون عن العقلانية والحضارة.
*
فليس من المعقول أن يكون الكتبة الذين باعوا أنفسهم وأقلامهم للغزاة والمستعمرين ووكلائهم في الداخل العربي بقشرة بصل، ليس من المعقول أن يكونوا حضاريين أو عقلانيين بأي حال من الأحوال، خاصة إذا كان تاريخهم مجرد سلسلة مفضوحة من التقلبات الفكرية والأيديولوجية، فمرة هم يصفقون للينين وماركس وأنجلز، ومرة للثورة الخمينية، ومرة للمحافظين الجدد ورئيس عصابتهم جورج بوش وشركائه. ليس من حق هؤلاء المرتزقة والمتقلبين المفضوحين أن يعظونا ويعلمونا الحضارة والإنسانية. صحيح طبيب يداوي الناس وهو عليل. إن مثل هؤلاء مثل المومس التي تحاضر بالشرف تماماً.
*
فقد أمطرنا هذا الرهط السخيف من المعلقين بأعمدة وتعليقات ممجوجة حول حادثة ضرب الصحفي العراقي الزيدي المنتظر للرئيس الأمريكي جورج بوش ب "الصرماية"، لكنهم يصمتون الآن صمت الحملان في وجه الهمجية الإسرائيلية الفاشية في قطاع غزة.
*
ولعل أكثر فكرة برزت في كتابات هؤلاء هي ضرورة التعامل الحضاري والإنساني مع الآخر ممثلاً بمرشدهم الروحي جورج بوش. فقد اختصر معظم الذين تناولوا الحدث من الرهط "الليبرالي" الجديد وصفهم لفعلة الزيدي بأنها "عمل همجي غير حضاري... فالأكيد أن من يصفق للصحافي، الذي أساء إلى المهنة إلى حد كبير كما أساء إلى النظرة إلى الصحافي العربي عموماً، لا علاقة له لا بالسياسة ولا بالحضارة... وعاجز عن التعاطي مع أي قضية مطروحة بطريقة حضارية... من المخجل حقاً أن يقوم صحفي باستبدال قلمه بحذائه، ومن المؤسف أن يهلل الجهلة، بمن فيهم من يدَعون الثقافة والمعرفة والعلم، بفعلة تنم عن سوء أدب وعدم تقدير للمواقف وعدم احترام للآخر".
*
تصوروا أن قذف الرئيس الأمريكي بفردة حذاء لا يمكن أن تقتل فأرًا، أصبح في عرف هؤلاء الأفاقين فعلاً همجياًً خطيرًا. يا الله لماذا وصل النفاق والكذب والتدليس والسفاهة الصحفية إلى هذا الحضيض؟ أيعقل أن هذا التصرف البسيط الذي قام به صحفي عراقي أعيد بلده إلى العصر الحجري على أيدي بوش وهمجيته العسكرية غير المسبوقة تاريخياً، أيعقل أن يغدو فعلاً همجياً، بينما ما قام به المغول الجدد في العراق وغزة فعل حضاري؟ فعلاً هزلت! هل يعقل أن تكون لقمة الخبز بالنسبة لهؤلاء المعلقين السفهاء غالية إلى حد أنهم مستعدون أن يقولوا إن لون الثلج أسود؟
*
أين كانت أقلامكم "الحضارية" و"العقلانية" عندما كانت صواريخ كروز وطائرات البي اثنين وخمسين والقنابل العنقودية الفوسفورية الحاملة لليورانيوم المنضب وغيره تنهمر فوق رؤوس ملايين العراقيين؟ أين أقلامكم الآن من العدوان النازي على غزة؟ لماذا استفزتكم ضربة حذاء، ولا تستفزكم إبادة الشعب الفلسطيني في القطاع السليب؟ لماذا أزعجكم ضرب الرئيس الذي وصفته وزيرة العدل الألمانية ب "هتلر العصر" بقندره، ولم يزعجكم أن ذلك الهتلر الجديد أباد من العراقيين أكثر من مليون ونصف المليون إنسان، ناهيكم عن ملايين المشردين، وتدمير البنية الفوقية والتحتية لوطن بأكمله؟ هل هذه هي الحضارة والعقلانية التي تدافعون عنها، وتريدون منا أن نحذو حذوها؟
*
ثم لماذا هذا التناقض الفاقع في كتاباتكم أيها "الحضاريون والعقلانيون"؟ فمرة تعتبرون ضرب بوش بالحذاء فعلاً همجياً، ومرة تعتبرونه نوعاً من الإفلاس والعجز العربيين. لقد احترنا معكم. أرجوكم أن تحددوا وصفكم، فلا يمكن أن يكون الفعل همجياً وتافهاً في آن معاً.
*
يقول أحد وكلاء هذا الصنف الساقط من الكتابات إن فعلة الزيدي المنتظر ليست أكثر من "بطولات عربية زائفة.... فقد أصبح حذاء منتظر رمزًا للانتصارات العربية الزائفة التي تعودنا عليها طيلة السنوات الخمسين الماضية". ويقول أحد كبارهم الذي علمهم السحر والتقلب على الحبال إن "الاستقبال العربي لفعلة الزيدي نقلها من رمزية مفترضة إلى ملحمية بائسة يشي بؤسها ببؤسنا وينمّ عنه... فحين يُكتب أن "38 مليون حذاء صفعت بوش على الانترنت"، فتأويل ذلك أن ضرب الأحذية غدا، من جهة، بديل كل عمل آخر، وبات، من جهة أخرى، الطريقة المتوافرة والمقترَحة لإنجاز الأهداف المتوخاة. وهو ما رأينا نظائر له، ولا نزال نرى، في صفحات كثيرة من تاريخنا الحديث: مرة رددنا على التحدّيات ب "قصائد عصماء"، ومرة بإذاعات مجلجلة ثم محطات تلفزيون صاخبة هائجة، وصولاً إلى طيران الأحذية". طيب، هل أنت مستاء لأن الزيدي لم يضرب بوش بشيء أقسى؟ هذا ما فهمته من كلامك العقلاني.
*
ويذهب كاتب آخر من ذاك الصنف إلى القول بأن الضرب بالحذاء "تعبير عن البؤس... إنه العجز العراقي والعربي الذي جعل بعض العرب والإيرانيين يمجّدون الحذاء.... من صفق للصحافي وأشاد به... عبّر عن حال من الإفلاس والعجز لا أكثر". ثم يقولون الشيء نفسه عن صواريخ المقاومة الفلسطينية حماس واصفين إياها ب "العبثية". والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل تسمحون لنا أيها "الحضاريون والعقلانيون" بأن نستخدم أسلحة أقوى من الحذاء لضرب الأعداء والغزاة بها؟ لقد حيرتمونا معكم، فإذا ضربنا بوش بالصرماية، نكون بذلك نعبر عن عجزنا ويأسنا، وعندما نضرب قواته الغازية بالنار نصبح في نظركم إرهابيين وقتلة وبرابرة وهمج. ماذا تريدون منا بالضبط؟ فبالأمس القريب شننتم حملة شعواء على المقاومة اللبنانية الباسلة لأنها حققت انتصارًا تاريخياً على أحبابكم في تل أبيب بشهادة الجيش الإسرائيلي نفسه، ورحتم تقللون من قيمة انتصارها. هل كنتم تريدون من المقاومين أن يكونوا "حضاريين" في التعامل مع المحتلين والغزاة؟
*
ولو لجأ المقاومون إلى ضرب الضباط الإسرائيليين بالبساطير لقلتم عنهم بأنهم عاجزون وبؤساء ويائسون. احترنا معكم! فلا الضرب الناعم يرضيكم ولا العنيف، فماذا تريدون، فالأول فعل العاجزين والثاني من شيم الإرهابيين في أقانيمكم، بدليل أن نفس الكاتب الذي اعتبر فعلة الزيدي المنتظر ضرباً من الإفلاس يزبد ويرغي ضد العنف الصادر عن المظلومين، فيقول: "المظلومية لا تعفي أحدًا من مسؤولياته، وبعضُ المسؤوليّة إهداء هذا الكون الذي نتشارك فيه شيئاً آخر غير القتل والقتال". بعبارة أخرى، إذا كان العنف من طرف العرب فهو أمر ملعون مطعون، أما إذا جاء من طرف اليانكي وربيبته إسرائيل فيصبح حضارة. هذا ما فهمناه من مقالاتكم "العقلانية والحضارية". بعبارة أخرى فأنتم تريدون منا تحديدًا أن إذا ضربنا العم سام والصهاينة بالأسلحة المحرمة دولياً على الجانب الأيسر من العالم العربي، علينا أن ندير لهم الجانب الأيمن كي يصيبونا في كل الأماكن. مش كده ولا أيه؟
*
آه كم نحن بحاجة لأمثالك يا منتظر الزيدي لمواجهة هؤلاء الكتاب!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.