على خلاف حفل فريد عوامر الضخم بالقاعة البيضوية، الذي أعلنت من خلاله الجزائر في 2007 عن انطلاق فعاليات تظاهرة عاصمة الثقافة العربية. وعلى خلاف ليلة فيروز الأسطورية التي أعلنت من خلالها دمشق في 2008 ميلاد فعاليات نفس الحدث، شاءت الأقدار أن تتكفل البربرية الصهيونية.. * التي ندر أن ينتج التاريخ مثلها رعونة ووحشية وبشاعة، بالإعلان عن انطلاق فعاليات القدس عاصمة الثقافة العربية، عبر إمعان المحرقة في عزّل غزة، في نسائها وأطفالها وشيوخها، في بشرها وحجرها وشجرها. * وشاءت الأقدار أيضا أن يوضع المثقف العربي، مرة أخرى، على سيراط التحدي الحضاري.. تحدي الهوية والوجود، ومرة أخرى تأتي المجازر والمحارق لتمنح نفس المثقف العربي، كما فعلت دائما، فرصة جديدة، ربما استغلها فتخلص من ورم "التضخم اللفظي"، وشفي من سرطان "الهذر"، الذي حول لسانه إلى أطول عضو في جسده.. لم يعد يحق للمبدع العربي اليوم أن يبرر عجزه بسؤال استهلك تاريخ صلاحيته يقول.. "ما الذي كان يجب فعله ولم نفعله؟". * المثقف العربي مطالب اليوم بأن يحول كل عاصمة يتواجد فيها إلى قدس.. بأن ينقل التظاهرة من الرمز المخيالي إلى الفعل العضوي، المطلوب اليوم أن تدار مطابعنا بأقصى طاقاتها، وأن تهتز خشبات مسارحنا، وتمتلئ قاعات عروضنا، وأن تتفجر متاحفنا ومعارضنا، أوراقا ومشاهد وصورا وألوانا عن فلسطين، وشعب فلسطين، وأرض فلسطين، وثقافة فلسطين، ومقاومة فلسطين. * المثقف العربي مطالب اليوم بأن ينزل من منبره العنتري، وأن يستشهد في ساحة الإبداع، بأن يقدم حبره وألوانه وكل خلية رمادية في رأسه وكل قطرة إحساس مرهف في ضميره وقلبه على مذبح الكرامة.. * أيها المثقفون، القدس اليوم عاصمة ثقافتكم، وهي اليوم وأمس وغدا عروس عروبتكم، على رأي شاعرنا الكبير مظفر النواب. فلا تمكنوا بني صهيون من فض بكارتها مرة أخرى، وبكارتها اليوم غزة.