لايزال مسلسل الحراڤة يصنع الآلام والمآسي لأغلب العائلات العنابية التي فقدت إبنها ضمن رحلات قوارب الموت على فترات متقطعة من العام الماضي ومطلع السنة الحالية، إذ وبعد الجحيم الذي عاشته أغلب أسر الحراقة المفقودين وما أكثرهم بعنابة، خلال شهري نوفمبر وديسمبر من السنة الفارطة، عندما استلمت عائلات قبطاني، مرزوق وبوحدة، أبناءها عبارة عن جثث هامدة من الشقيقة تونس. وهي القضية التي تابعتها "الشروق اليومي" حينها بتفاصيلها، وقبلها عاش إقليم غرب الولاية، وبالضبط بلدية التريعات بدائرة برحال، مأساة حقيقية عندما تسلم والد الضحية الحراق رياض بلهادف جثة هذا الأخير من مصالح مدينة نابلالتونسية، في ظروف لازالت توصف لحد الساعة بالغامضة والمشبوهة، نظرا لما أحيط بحادثة وفاته أو مقتله على حد الوثائق المحصل عليها من ملابسات. هذا ناهيك على أن الضحية كان إلى جانبه وعلى متن نفس القارب 6 حراقة آخرين، لم يعرف مصيرهم إلى حد الساعة. كل هذه المآسي والآلام، أضيفت لها هذه الأيام فواجع أخرى لاتقل عن سابقتها، إذ وبعد تطرق التلفزيون الجزائري لظاهرة الحرقة، عبر حصة "يحدث عندنا" والتي نشطها قبل أيام المدير العام للتفزة، والتي أوضح من خلالها طريقة تعامل الدول الأوروبية مع المتوفين من الحراقة، على اعتبار أنها تلجأ إلى وضعهم في توابيت لمدة شهرين، ثم تقوم بحرق جثثهم، تلك الصور أبكت الكثير من آباء وأمهات وإخوة الحراقة المفقودين، اعتقادا منهم أن المعنيين ما هم إلا فلذات أكبادهم، مما أصاب أغلب الأولياء بأمراض عقلية، في حين وقفت "الشروق اليومي" على أكثر هذه الحالات خطورة، للسيدة "عائشة جلال" والدة حراقين اثنين مفقودين منذ عام. إذ أصيبت بمرض السكري وداء السرطان، مما أجبر الأطباء علي بتر رجليها الاثنتين، في انتظار بتر يدها اليمنى، وذلك في ظروف مزرية ومأساوية للغاية، بالنظر لحالة الفقر والعوز التي تعاني منها العائلة وعدم قدرتها على دفع تكاليف هذه العملية الجراحية، علما أن الأم عائشة على فراش الموت تصرخ قائلة: "إذا كانت العائلات الأخرى ستسلم تابوتا واحدا، فأنا سأستلم تابوتين اثنين، واحدا لعمار 24 سنة، والثاني لأسكندر 29 سنة"، علما أنهما أبحرا في يوم واحد وعلى ساعة واحدة وعلى متن قارب واحد، أخذهما ومن دون عودة منذ تاريخ ال 17 من شهر أفريل من العام الماضي، والحقيقة أن وضعية هذه العائلة تحتاج إلى دعم ورعاية صحية، على الأقل من مصالح الوزير جمال ولد عباس، إضافة الى هذا يعاني المسمى صابوين بوبكر والد الضحية صابوي فيصل المفقود أيضا، من عدة أمراض تتمثل في السكري والقلب وارتفاع الضغط الدموي، كلها ناتجة عن كثرة الهم والتفكير المستمر في مصير ولده، ونفس الشيء بالنسبة لزوجته وأفراد عائلته، وأمثال بوبكر وعائشة كثيرون، وكثيرات عبر أرجاء ولاية عنابة، التي تسجل أزيد من 100 حراق مفقود.