أبدى السيد عبد الحميد تمار قدرة هائلة في الإبداع. وأصبح الوزير قادرا على اختراع خطة تنموية كل شهر، واقتراح نظرية اقتصادية كل سنة. * * وبلغ الوزير مستوى في التجربة والتحكم في قضايا التسيير الاقتصادي تسمح له بالمساهمة الرائدة في النقاش الاقتصادي سواء في الجزائر أو في المحافل الدولية. وتحولت الاجتماعات التي يترأسها الوزير واللقاءات التي يعقدها مع إطارات القطاع إلى فرص نادرة لاكتشاف آخر ما أنتج الوزير من فكر اقتصادي وإبداع في علم التسيير. * وخلال هذا الأسبوع، أعاد الوزير اكتشاف شركات مساهمة الدولة التي تتكفل بتسيير رأسمال الشركات العمومية. وقرر السيد تمار أن يعطي لهذه الهيئات دورا أساسيا في الإستراتيجية التنموية التي يريدها للجزائر. وبعد أن حطم هذه الشركات، وجعلها في الهامش، ونزع منها كل الصلاحيات، وقام بتغيير اسمها وعنوانها ومحتواها، عاد الوزير ليؤمن بما كان يكفر به بالأمس. وقال الوزير خلال لقاء بإطارات القطاع أن هذه الشركات ستشارك في عملية تصنيع البلاد. وقال أنها ستتولى "إنقاذ وإعادة الاعتبار" للشركات التي تنشط في ميادين إستراتيجية. وكلف شركات مساهمة الدولة بتقديم برنامج شامل يسمح للمؤسسات الكبرى بالانطلاق على أسس جديدة بعد إعادة تأهيلها. * ما الذي حدث حتى يغير السيد تمار نظرته حول دور الدولة في الاقتصاد، وحول مكانة شركات التسيير في الخارطة الاقتصادية؟ ويجب التذكير هنا أن السيد تمار كان قد أعاد الجزائر إلى عهد السبعينات، لما قرر وضع الشركات العمومية تحت وصاية الوزارات، مما نزع من الإطارات سواء في المؤسسات نفسها أو في شركات التسيير كل الصلاحيات لاتخاذ القرارات وتحديد الإستراتيجية الصناعية والاقتصادية. وتحولت شركات التسيير إلى مجرد غلاف بيروقراطي يطبق بصفة عمياء توجيهات البيروقراطية الوزارية. * وأبدى السيد تمار استعدادا كبيرا للتغيير، حيث أنه يريد اليوم أن يكون للدولة دور كبير في الاقتصاد وحتى في الإنتاج، بعدما كان بالأمس من أنصار الليبرالية العمياء. وأكد الوزير هذه المرة أنه على الدولة أن تشارك في الاقتصاد ولا تكتفي فقط بدورها في التنظيم. واستعمل السيد تمار الأزمة كذريعة لاستعمال هذا الخطاب الجديد، وهو الخطاب الذي كان يحاربه منذ أول يوم دخل الحكومة. * والحقيقة أن السيد تمار لم يتغير، لأنه مازال يقول شيء ثم يقول ما يعاكسه. ومباشرة بعدما أكد أن شركات تسيير أموال الدولة ستتكفل بمهام اقتصادية كبرى، أكد الوزير أنها ستقوم بهذا الدور كوسيط يعمل وفق تعليمات الوصاية. وحتى يؤكد أن دور هذه الشركات سيكون ضعيفا جدا، قال الوزير أن الإستراتيجية الاقتصادية التي يريدها للبلاد سيتم تحديدها من طرف مكاتب دراسات أجنبية، أربعة منها فرنسية، ستقوم بتحديد الميادين والقطاعات وطرق الاستثمار. وما على شركات مساهمة الدولة إلا التطبيق. * وما يقوله الوزير اليوم لا يختلف عما قاله في الماضي: إنه مجرد كلام. والوزير لا يكسب هياكل اقتصادية لتطبيق هذا الكلام، حيث أن الإدارة التي يتكلم عنها عاجزة عن إنجاز أي مشروع. إنها لا تحسن إلا صرف الأموال، وتحديد المبالغ وتحويلها إلى الخارج مقابل مشاريع كثيرا ما تكون غير ناجعة. إن كلام الوزير لا يأخذ بعين الاعتبار الواقع الاقتصادي للبلاد، ولا فشل المؤسسات المكلفة بهذا القطاع. إنه كلام سيتراجع عنه الوزير بعد أسبوع أو شهر، ليتبنى كلاما آخر ونظرية أخرى... * والكل يتذكر أن السيد تمار كان قد أعلن عن تحديد إستراتيجية اقتصادية جديدة، ونظم ملتقيات ومنتديات لترويجها، قبل أن يأتي رئيس الحكومة أحمد أويحيى ويقول أن هذه الإستراتيجية ليست إلا كلاما فارغا حيث أن الحكومة لم تصادق عليها.