تبدو الأوضاع داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية مرشحة للمزيد من الغموض والتعقيد في ظل سقوط قتلى وجرحى في مواجهات الغضب الانتخابي وفي ظل إصرار مير حسين موسوي وأنصاره على مواصلة المظاهرات الشعبية احتجاجا على نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في الثاني عشر من الشهر الجاري وأسفرت عن فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد بنسبة أصوات قدرت بحوالي 63 ٪ مقابل 34٪ لصالح موسوي. وهناك تساؤلات عديدة تطرح حول خطط المعارضة الإصلاحية ومن يدعمّها في هرم السلطة خلال الأيام القادمة؟ * * وهل سيرضخ المعارضون لنتائج الانتخابات في النهاية وتستسلم للأمر الواقع أم أنها ستواصل تحديها للسلطة المهيمنة على صناعة القرار والتي أظهرت دعما قويا للتيار المحافظ الذي ينتمي إليه الرئيس نجاد، وهو ما سيؤدي إلى مزيد من التوتر والتصعيد بين التيارين البارزين ينعكس بطبيعة الحال على الشارع الإيراني المنقسم سياسيا والموّحد حول مبادئ الثورة الإسلامية والإمام الخميني. * ورغم أن المرشد الأعلى للجمهورية أية الله علي خامنائي وجه في خطابه الجمعة الفارط تحذيرات للمعارضة وطالبها بكل صراحة ووضوح بوقف لغة الاحتكام إلى الشارع، إلا أن الاحتجاجات تواصلت منذ اليوم الأول لظهور نتائج الانتخابات مخلفة سقوط قتلى وجرحى، حيث لقي 10 أشخاص مصرعهم مساء السبت وجرح العشرات، حسب ما أعلن التلفزيون الإيراني الرسمي. والأكثر من ذلك أن زعيم المعارضة مير حسين موسوي وجه انتقادات غير مسبوقة إلى المرشد الأعلى ولكن بدون تسميته، واتهمه بتهديد الطابع الجمهوري للجمهورية الإسلامية والعمل على فرض نظام سياسي جديد. وندد موسوي أيضا بما أسماه "مشروع يتخطى فرض حكومة غير مرغوب بها على الشعب، وصولا إلى فرض حياة سياسية جديدة على البلاد". وهذا الكلام خطير في نظر المراقبين لأن مواقف المرشد في إيران لا تنتقد وأوامره تنفذ مباشرة ودون تردد. ولم يكتف هذا المرشح الإصلاحي الغاضب بهذه الانتقادات بل أنه جدد مطالبه بعد كلمة المرشد التي قال فيها إن "الشعب اختار من يريده"، بإعادة الانتخابات وتحدى مجلس صيانة الدستور بعدم حضوره رفقة المرشح الإصلاحي الآخر مهدي كروبي الجلسة التي عقدها السبت والتي خصصت للنظر في الطعون. وفي مقابل هذا التحدي الذي أظهره مير حسين موسوي، وهو رئيس وزراء سابق، لقرارات المرشد الذي يعد الحاكم الفعلي والرجل الأول في النظام الإيراني، ظلت الشخصيات السياسية التي أظهرت دعمها لموسوي وعلى رأسها رئيس تشخيص مصلحة النظام، الهاشمي رفسنجاني وكذلك الرئيس السابق محمد خاتمي ملتزمة الصمت بعد كلمة المرشد، رغم أن الاثنين لم يخفيا رفضهما لنتائج الانتخابات بل أن خاتمي طالب بإعادتها. وترى السلطات الداعمة للرئيس الفائز محمود أحمدي نجاد بعدم جدوى المظاهرات والخروج إلى الشارع احتجاجا على الانتخابات، لأن هذه الانتخابات لم تكن مزورة بل أن أنصار نجاد من الطبقة الفقيرة هم من حسموا النتائج لصالح المحافظين بدليل أن الفارق كبير بين نجاد وموسوي "11 مليون صوت". ولم تتردد السلطات في تحذير المعارضين من مغبة التمادي في سياسة الخروج إلى الشارع، وحملتهم مسؤولية أي إراقة للدماء، كما لم تستبعد أيضا تورط اليد الخارجية في الأحداث، واتهامها ل "عملاء وإرهابيين" بالتسلل إلى صفوف المتظاهرين واستخدام أسلحة نارية ومتفجرات، مما أدى إلى حدوث أعمال شغب أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى. ويرى مراقبون أن الجمهورية الإسلامية تواجه تحديات حقيقية بعد هذه الانتخابات والجدل الذي أثارته، فالتيار المحافظ المهيمن على صناعة القرار ليس من مصلحته الدخول في مواجهة مع الإصلاحيين ومع كل من يعارض سياسة محمود أحمدي نجاد، وقد بدأت الدول الغربية تستغل ما يحدث في الشارع الإيراني لتكثيف الضغوط على النظام الإيراني من خلال اتهامه بممارسة القمع وتزوير الانتخابات واستغلال ثورة الغاضبين من أجل التأثير عليهم. * فالمعركة بالنسبة للمرشد الأعلى وحكومة نجاد ستكون مع الخارج بخصوص الملف النووي وكذلك كيفية التعاطي مع الإدارة الأمريكيةالجديدة التي تسعى إلى تسوية مشاكلها في أفغانستان والعراق عبر بوابة الحوار مع طهران. وبالنسبة للتيار الإصلاحي فهو أيضا يواجه وضعا أصعب، أولا أنه فشل في افتكاك الفوز في هذه الانتخابات بغض النظر عن كونها كانت مزورة أم نزيهة، وثانيا أنه ليس من مصلحته أيضا إدخال البلاد في دوامة من العنف والدماء وزحزحة النظام الذي ظل متماسكا وصامدا في وجه كل الهزات الخارجية والداخلية منذ انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الامام الخميني عام 1979. وتقول بعض الصحف الإيرانية إن التيار الإصلاحي لا خيار أمامه سوى التخلي عن لغة الشارع وتهدئة الأوضاع قبل انفلاتها، مشيرة إلى أن مير حسين موسوي قد يلجأ في النهاية إلى خيارين لا ثالث لهما وهما: إما أن يقدم على تأسيس حزب سياسي جديد مستغلا هذه الطاقات الشبابية التي انساقت وراءه، وإما أن يعتزل السياسة والعمل السياسي إلى أمد غير معلوم..