سوريا وإسرائيل تفاوضان بوساطة حزب إسلامي، وزعماء الطوائلف اللبنانيين يتفقون على انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة في الدوحة، والفصائل الفلسطينية المسلحة بقيادة حماس تجد في القاهرة وسيطا أمنيا لاستراحة المقاتلين من الاغتيالات الإسرائيلية، والسعودية تغرق سوق النفط ب 300 ألف برميل يوميا تلبية للامبراطورية الأمريكية، فهل جاء عهد "السلام" أم مجرد استراحة طوائفل وأحزاب وفصائل لتمكين الامبراطورية الأمريكية من الضربة الاستباقية القادمة لطهران بعد تحييد عناصرها في المنطقة العربية؟ * سيناريو جديد ب "أطراف قديمة"! * * * كانت أحداث الثلاثاء 11 سبتمبر 2001 بمثابة خط فاصل بين النظام الدولي الثنائي، ونظام الامبراطورية الجديدة؛ ففي هذا التاريخ كانت الرياض أول دولة بترولية تَضُخّ 500 ألف برميل يوميا مجانا لأمريكا، وها هو السيناريو يتكرر بعد أن سمحت أمريكا لأسعار البترول أن تتجاوز ال 130 دولار للبرميل الواحد، وهي بذلك تعزز مواقع شركاتها البترولية في العالم بنهب 60٪ من عائدته، وتقوي منتجي مشتقات البترول من الهيمنة الاقتصادية على الأسواق. * يبدو لي أن وضع الامبراطورية الأمريكية يدها على بترول العراق وبقية الأقطار العربية يدفع بها إلى تحييد البترول كسلاح سياسي وتشكيل دول الموالاة للامبراطورية، بإنهاء ما يسمى ب "المبادرة العربية" بقيادة السعودية، وإنهاء الدور الأمني التقليدي للأردن في علاقتها بين حماس واسرائيل، وإنهاء الدورالسياسي القديم للقاهرة في علاقتها بالسلطة الفلسطينية واسرائيل، وتكليفها بدور أمني بديل لعمان. * تغيير أدوار كل من القاهرة، الرياض وعمان مؤشر على تكرار سيناريو حروب استقباية جديدة، تشارك الأطراف العربية في دعمها مثل ما كان الحال بالنسبة لاحتلال العراق عام 2003م. * المشروع الأمريكي الجديد يمتد على مسافة 25 سنة قادمة، ويتزامن مع وضع اقتصادي دولي جديد مرشح لأزمات جديدة، وانهيار اقتصادي محتمل بسبب الأزمة الغذائية وسياسة رفع أسعار البترول، وهما مشروع أمريكي لقيادة العالم بعد أن صارت القوة العسكرية الأولى، والقرار الوحيد في الحرب والسلم. * * قطر الدولة الوسيلة الجديدة * * منذ أن اختارت الامبراطورية الامريكية قطر لقاعدتها العسكرية، وحاولت تحطيم "اسطورة الجزيرة" أو المحطة الفضائية العربية الأولى، بإنشاء محطة "الحرة"، ومحطات عربية أخرى، تبين أن قوة قطر، وهي الدولة المهمشة خليجيا، ليست في امكانيتها من الغاز والبترول، ولا في قدرة قياداتها في مواكبة العصر، وإنما في "الجزيرة" التي تبث "من قطر" والدليل أن المغرب رفضت برنامجا عربيا كان يهدف إلى تسليط الضوء على أحداث المغرب العربي، يُعد منها، ومصر احتضنت اجتماعا لوزراء الإعلام العرب لإصدار "وثيقة عربية" لمحاصرة "الجزيرة". * لقد بينت الأحداث أن قطر قادرة على استيعاب "الرأي والرأي الآخر"، ولهذا بمجرد أن احتضنت اجتماع قادة الطوائف اللبنانية بدأت ملامح "تأجيل الحرب الأهلية" في لبنان، تأخذ مسارها نحو "حل مؤقت" يضمن وحدة لبنان، ويضعها في الحياد، في حرب محتملة بالمنطقة العربية تستهدف إيران. * وستحتضن قطر مبادرة أخرى بين حماس والسلطة الفلسطينية بعد فشل الاتفاق السعودي والمبادرة اليمنية، وستجد حماس نفسها أمام خيار واحد، وهو الالتحاق ب "مسيرة محمود عباس" أو الوأد العربي النهائي، مثلما أحس بذلك حزب الله حين سحبت السعودية يدها من الأزمة اللبنانية، ودخلت سوريا في صف "الموكب الجديد" للتفاوض بهدف تحييدها لاحقا. * لقد أنجزت قطر خطوة مهمة في وجودها العربي، بحيث انتقلت إلى مركز تحسد عليه، وهي قيادة "الدول الممانعة"، وحل الخلافات العربية العربية، ويعود الفضل إلى أنها مأوى قيادات عربية وإسلامية ذات شأن كبير، في أوطانها، وتبث منها الفضائية التي لم تستطع أمريكا تصفيتها ميدانيا، وصارت الأكثر حضورا وانفرادا في مواقع الأحداث الساخنة، بالرغم من أن هناك شبه حصار عربي حولها لتحجيم مصادرها الإعلامية. * لقد بينت الأحداث أن نجاح الفرقاء اللبنانيين في الاتفاق على حل هو في طريقة تسيير المتحاورين إعلاميا، بالرغم من التشويش لبعض الفضائيات على ما كان يجري في قطر، فهل انتهى الدور المصري والسعودي والأردني وجاء دور "الدولة الفضائية" أو "الدولة الوسيلة"؟ * * سوريا إسرائيل: حوار الطرشان؟ * * تعد سوريا من الأقطار العربية القليلة التي تحاور "تحت الطاولة" وتحقق نجاحا، ولكن الحظ ليس معها في إعلان النتائج، فمنذ 8 سنوات كادت أن تنقل "التفاوض" إلى فوق الطاولة، ولم يتحدث الإسرائيليون عن "تنازلات مؤلمة" وهم يملكون اليد التي كانت "توجع" سوريا وهي الاعتراف بوجود مفاوضات تحت الطاولة. * اسرائيل تفاوض بهدف تحييد سوريا عن طهران، وتهميش دور المقاومة حماس في الأحداث القادمة. المفارقة أن الوسيط المفاوض هو "حكومة إسلامية" في "نظام لائكي"، وتحت رحمة مؤسسة عسكرية، ذات علاقات متينة مع الكيان الصهيوني. * وبالرغم من أن مصير التفاوض سيكون الفشل إلا أن الإثنين ليس لهما خيار، فأمريكا تضغط على إسرائيل للتقرب من سوريا لتحييدها عن الأحداث القادمة، وسوريا لا تريد أن توجه لها ضربة قادمة، بعد أن صمتت الأقطار العربية إزاء الاعتداء الأخير عليها، وهي لا تريد الاستمرار في عداوة مع أمريكا، خاصة أن "المحكمة لادولية" قد تطال عناصر من النظام فيما يتعلق باغتيال الحريري. * ما هو مطلوب من سوريا هو الابتعاد عن طهران وحزب الله وحماس، وما هو مطلوب أمريكيا هو ضمانات للنظام بعدم التعرض لرموزه في "محكمة الحريري". * لقد تأكد لدى أمريكا والغرب أن محور الممانعة وهو سوريا يتطلب احتواؤها، ب "توريطها" في مفاوضات مشروطة تجعلها "محرجة"، وتمكن دول الجامعة العربية من "تأنيبها" لتعود إلى صف الموالاة. * لكن قوة سوريا ليست في رئاستها للقمة العربية، ولكن في وجودها بالحدود العراقية واحتضانها لفصائل المقاومة الفلسطينية ودعمها للمقاومة اللبنانية، إلى جانب علاقتها الحميمية مع طهران، وقوة إيران ليست في النظام القائم، وإنما في شيعتها ب (العراق) وشيعتها في لبنان، ودعمها لحماس في فلسطين والعلاقة مع سوريا. * هذه هي قوة سوريا وإيران وهو "مصير مشترك" فهل تستطيع أمريكا قطع "الحبل السري" بينهما؟ * * الاستنجاد ب "قطر" * ارتفعت أصوات في فلسطين تطالب قطر بأن تقدم مبادرة لحل الأزمة بين حماس وحكومة محمود عباس، وبالرغم من أنها كانت من قيادات في حماس إلا أن الشارع الفلسطيني سيضغط باتجاه المطالبة بوساطة قطرية لحل الأزمة. * لكن وضع "أولمرت" لا يسمح له بالتفاوض مع السلطة الفلسطينية إذا توحدت، فهو مطالب ب "الاعتراف بدولة افتراضية" بقيادة محمود عباس قبل نهاية هذا العام، ومطالب ب (جولات ماراطونية) مع سوريا حتى تبقى خارج السيناريو الأمريكي في حربه الاستباقية ضد طهران و"نتنياهو" يتوعده بالسقوط، في حال التفكير في الانسحاب من الجولان؟! * الاعتقاد السائد عندي أن قنوات الاتصال بين أمريكا وحماس، والاتصالات التي جرت بين حماس ودولة غربية ترجح احتمال "مصالحة وطنية" بين حماس ومحمود عباس. * وتشير أوساط دبلوماسية عربية أن قطر متحمسة لوساطة تنهي الخلاف الفلسطيني- الفلسطيني، بعد أن فشلت السعودية في ذلك، وإذا أعطي لها الضوء الأخضر للقيام بالوساطة، فإن مستقبل "الوطن العربي" سيكون في يدي "الدولة الوسيلة"، وستقود قطر الوطن العربي نحو خيارات جديدة، لا تجعلها وسيلة ضغط لتنازلات لصالح اسرائيل، خاصة وأن أميرها كان واضحا في خطابه أمام "ملوك الطوائف اللبنانية" بأنه يعرف حدوده. * وما دامت هناك دولة تدرك ذلك فهي الأصلح لقيادة بقية الأقطار العربية المتمسكة بالزعامة الدينية أو القومية أوالثقافية أو الاقليمية. فما أحوجنا إلى دولة ليس فيها زعيم ولا زعامة وإنما فيها قناة مثل "الجزيرة".