* (موجها الملاحظة إلى الناشر والشاعر الفرنسي فرانسيس كامب)..الطاهر وطار يشكل في المشهد الثقافي الجزائري حالة متميزة جدا، فهو، وبالرغم من يساريته التي لم يتنصل منها يوما، كان ولا يزال من أشرس المدافعين عن أصالة الجزائر وثوابتها، الإسلام والعربية والأمازيغية والوحدة الوطنية، مما كلفه عداوات من داخل توّجهه. * يتدّخل عمي الطاهر فيقول: هذه حقيقة ويمكنني أن أصوغ أمامكم عددا لا حصر له من الأمثلة الدالة، والتي منها أن المدير العام السابق للمسرح الوطني زياني شريف عياد كلمني، بمناسبة سنة الثقافة الجزائرية بفرنسا، وطلب مني الحضور لإمضاء عقد إعادة إنتاج "الشهداء يعودون هذا الأسبوع"، وفي الموعد المحدد وصلت وعلمت بأن الجماعة نظموا حفلا لم أدع إليه، وبجفاف مقيت استقبلني عياد في مكتبه، حيث أمضيت العقد. ومثل ذلك وقع لي ذات مرة في مطار فرانكفورت بألمانيا، حيث ذهبت للمشاركة في الصالون الدولي للكتاب، ولم أجد أحدا في استقبالي، فأخذت رقم هاتف على ملصقة إشهارية للمعرض، وكلمت لأفاجأ بإحدى المشرفات على التنظيم وهي تخبرني بأن زوجة وزير التعليم العالي السابق عبد الحق برارحي، التي جاءت معي على نفس الرحلة، أعلمتهم بأنني لم أحضر. ومن ذلك أيضا أن عبد المالك سلال عندما كان وزيرا للشباب والرياضة استقبلني في مكتبه، حيث قدمت له طلبا لمساعدة "الجاحظية"، قبل أن أصدم بعدها بأنه قال لجماعة في مستغانم بأنه استقبل هذا ال"....."، ليس بنية المساعدة، ولكن للتعرف على كيفية تفكيره فقط. كنت أنا ويوسف سبتي، رحمه الله، الذي أثر كثيرا في منظومتي الفكرية، نرى بأنه لا مناص من محاورة الإسلاميين المعتدلين، وعلى التعامل معهم، ولكن بصدق، وليس كما فعلت السلطة مع أحزاب مثل حمس مثلا، وهذا جمع من حولنا عددا لا يستهان به من الأعداء. * * *هلا حدثتنا عن علاقتك بالرئيس بن بلة؟ * معروف عني أنني كنت "بن بليست" 100 بالمائة ودفاعي عن بن بلة لم يكن عبادة لشخصه، ولكنني خشيت أن يعطلنا انقلاب 1965 عن ما كنا قد أطلقناه من مشاريع كالإصلاح الزراعي ودمقرطة الحياة السياسية، وكتبت "الزنجية والضابط" و"الحوات والقصر" و"عرس بغل" في معارضة الانقلاب. * * *هذا يعني أنك معارض لحكم بومدين؟ * أحترم بومدين لأنه نصف بدوي، ولأنه خلص الجزائر من ضباط "سان سير"، وإذا كان بن بلة شخصية تراجيدية، فإن بومدين شخصية ملحمية، وهو ما قلته في "العشق والموت في الزمن الحراشي"، لكنني أحمله في المقابل كل مشاكل الجزائر ففي حكمه غيّبت الديمقراطية مثلا وأبعد الحزب. * * *والشاذلي؟ * أحببته في الأول، وحمدت الله أن البلاد سيحكمها رجل عادي يستعين بالعلماء والمستشارين، ثم تحلق حوله انتهازيون حوّلوه من إنسان إلى رئيس، فعدنا إلى قاعدة عبادة الشخصية. ولهذا فقد طالبت بذهابه صراحة على صفحات جريدة "لومند" الفرنسية في ديسمبر 1988، كما طالبت بمعاقبة قاصدي مرباح، وبسبب ذلك منعت "لوموند" من دخول الجزائر يومين كاملين. * * *وماذا عن الراحل محمد بوضياف؟ * لم أفرح بمجيئه، لكنني يوم مات فرحت لأنه رحل وهو أقل اتساخا، وأتذكر هنا بأنني كصحفي متابع تنبأت باغتياله ساعتين قبلها، فقد التقيت صالح خوري وأخبرته بأنني قلق على البلاد وبأن شيئا خطيرا سيحدث، وما دفعني إلى ذلك ما فعله رئيس الحكومة سيد أحمد غزالي عندما زار محطات في الغرب الجزائري كان قد زارها بوضياف قبله بأيام قليلة، يبقى أن الزعماء الأوائل كابن بلة وبوضياف وآيت أحمد، شهداء مقدمون، ولذلك فمن حقهم علينا أن نغفر لهم أخطاءهم. * * *كيف تقيّم من عرفتهم من رؤساء الحكومات؟ * بلعيد عبد السلام خيّب ظني، أما حمروش فكنت قريبا منه ورغم دقة الظروف إلا أنه سيّر البلاد كما ينبغي، كان محاطا بمجموعة من التغريبيين، لكنه كان على وعي بما ينسجون. أتذكر بأنه جمعنا ذات يوم نحن مدراء وسائل الإعلام العمومية على الساعة السابعة والنصف مساء بمكتبه في قصر الحكومة، وعلى الساعة الثامنة ألقى الشاذلي بن جديد خطابه الشهير الذي فجّر الأزمة، فسألنا حمروش عن رأينا في الخطاب، وكان مدير عام وكالة الأنباء الجزائرية حينها، حمدي، أول المجيبين حيث قال "قال كل شيء"، ثم توجه بالسؤال فقلت "لو أن هذا الخطاب ألقي بالأمس لأحدث كارثة"، فتبسم مولود حمروش وتجرع نفسا من سيجاره ثم قال لي "صدقت يا الطاهر"، لأنه فهم بأنني كنت أريد القول بأن هذا الخطاب سيحدث كارثة، وهو ما حدث فعلا فلم تمر 24 ساعة حتى أقيل حمروش ودخلت الجزائر في الدوامة التي يعرفها الجميع. لكنني في المقابل ألوم سي مولود على سماحه للصحافة المفرنسة بالصدور على الرغم من أن القانون كان يمنع ذلك.