"منذ أيام فقدنا هنا في الجزائر أخا عزيزا تعلمنا منه أبجديات النضال الطلابي... تعلمنا منه معنى الانتماء والدفاع عن عروبتنا، ألا وهو الأخ الدكتور "منصور بن لرنب«، وكنت أتمنى الكتابة عن هذه الشعلة التى انطفأت في صمت، ولا أحد حرّك ساكنا لذكر مسار هذا الرجل... كنت أنتظر منك أن تكتب عن هذا الرجل الذي كنا نلتقي به في حي بن عكنون للاستماع إليه، وهو يشرح لنا البعد النضالي للطالب الجامعي، الرجل الذي كان يحبس أنفاس الطلبة بخطابه السياسي العروبى... الرجل الذي زرع فينا بذرة النضال من أجل المبادئ والمقومات. * * ولعلك لازلت تتذكر معي كيف لجأنا إلى تكوين جماعة نشطة بالحي الجامعي بزواغى سليمان جامعة قسنطينة وبدأنا النضال، فالواجب عزيزي يفرض عليّ وعليك أن نذكر مآثر هذا الرجل، ولعلنا بذلك على الأقل نثبت جزءاً من الوفاء، وحتى لا يتهمنا الآخر بأننا اندثرنا، ولم نعد نتغنّى بأمجادنا ونضالنا... الأستاذ منصور يحتاج إلى لفتة مني ومنك... فالصراع مستمر والبقاء قد يكون لنا أو للآخر...«. * كان هذا نص رسالة وصلني من الصديق العزيز ورفيق الدرب الدكتور "صالح لميش، عميد كلية الحقوق جامعة محمد بوضياف المسيلة، وقد آلمتني كثيرا لأسباب عدة، أولها: أنني لم أكن على علم بوفاة المفكر الراحل، مع أنه رحل في الثاني عشر من يوليو الماضي، وثانيها: أن وفاته تمثل لنا فراغا هائلا في زمن لم يعد حمل هموم أمتنا بالأمر المقبول أو المستصاغ، وثالثها: أن وجوده في حياته كان يمثل شاهدا على المتخاذلين منا وعلى أولئك الذين أدركتهم السياسة والمال فشغلتهم عن تحقيق أهدافهم بعد سنوات من النضال كل في مجاله... لقد طال عليهم الأمد وأضلهم الأمل، ورابعها: أن كثيرا من الذين يعيشون في الخارج أقصد هنا عناصر النخبة يحزنهم أن يأتي الموت على أحبّتهم فلا يشاركون أهلهم لحظات الحزن، خصوصا على رجل صاحب رؤية وقضية ورسالة مثل الدكتور منصور بلرنب رحمه الله. * على العموم، أعزي نفسي أولا في أستاذ الجيل بلرنب، وأعزي أيضا كل الذين تتلمذوا عليه أو حتى حضروا دروسه ومحاضراته أو سمعوا بها، أو تابعوا أفعاله عن بعد، وأعود لأهمية الرجل في حياة جلينا، وهو ما جاء في رسالة الدكتور صالح لميش، الّذي أشكره على رسالته، ولأننا من مرحلة تآلفت فيها القلوب، وحملنا نفس الهموم والقضايا فكان من الطبيعي أن يسألني ويعاتبني على عدم كتابتي عن المفكر الراحل. * اعتقد أن لميش سيسامحني بعد أن عرف السبب، غير أنني اختلف معه في قوله: "..لا أحد حرّك ساكنا لذكر مسار الرجل«، فقد عدت إلى أرشيف الجرائد عبر الشبكة العنكبوتية فوجدت كتابات كثيرة حوله، صحيح أنها لاتزال متأثرة بموته، ولكنها لاشك تؤسس لاهتمام بأفكاره في المستقبل، خصوصا وأنها تنظر إليه وهي محقة في ذلك ضمن سلسلة طويلة لأجيال متعاقبة في العالم الإسلامي، تحركت في الحياة عبر ميراث النبوة. * فمثلا، وجدت خبر وفاته في جريدة الشروق ما يلي "... وبهذه المناسبة الأليمة، يتقدم الدكتور أحمد حمدي، عميد كلية العلوم السياسية والإعلام وجميع أساتذة الكلية وكذا السيد علي فضيل بأحر التعازي القلبية إلى عائلة الفقيد، ضارعين إلى المولى تبارك وتعالى أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويلهم عائلته وذويه الصبر والسلوان... ومعروف عن الأستاذ منصور بلرنب أنه كان من أنجب الطلبة، ناضل من أجل القضايا الوطنية الكبرى، ضمن نخبة من طلبة معهد العلوم السياسية والإعلامية وكلية الحقوق منذ منتصف السبعينيات، خاصة قضية التعريب التي نظم من أجلها إضرابا طويلا في خريف ألف وتسعمائة وتسع وسبعين أثمر نتائج إيجابية، كما عرف المرحوم الأستاذ بلرنب بدماثة أخلاقه وكفاءته العالية«. * وجاءت التعليقات على الخبر داعية له بالرحمة، وكاشفة عن انتشار فكره في كل أنحاء الوطن وخارجه، وحاملة لاعتراف جماهيري بدوره وآثاره، نذكر على سبيل المثال هنا وليس الحصر، أسماء بعض من الذين ساهموا في تأبينه: (عميروش. ر الجزائر، سليم - الجلفة، عبير بلادي، زدام يوسف الجزائر، فرطاس علي منجلي قسنطينة، عيسى بن الذيب الجزائر، أسامة مازونة، أمين.خ ليبيا، مصطفى الاشخم الأغواط، محمد.ب قسم العلوم السياسية، قسنطينة، مختار الجلفة، بوجمعة الجزائر، رابح كمال القاهرة، مبيريك اسماعين عبادله بشار، محمد الأمين الجزائر، عبد الحميد وادي سوف، عبد القادر عبد العالي سعيدة، عز الدين طهاري الجزائر، صلاح الجزائر). * كل هؤلاء وغيرهم يمكن اعتبارهم تلاميذ الراحل منصور بلرنب، وهم يعطون بمساهماتهم معنى لحياتنا بعد رحليه، تماما مثلما كان يفعل وهو حي حين كنا نستمع إليه ونتجاوب معه باعتباره مثالا... فقد عاش الرجل ورحل دون أن نعرف من أيّ مكان هو في جزائرنا الكبيرة، فكان أستاذا لنا جميعا، وما أكتبه اليوم وغيري، وما نؤمن به من أفكار إلا كلمات طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء سمعناها منه ومن أساتذة آخرين وما أكثرهم في حياتنا، أما نورانية أفكاره فسأتناولها في مقال الأسبوع القادم، بإذن الله، بناء على ما جاء في مقالين لتلميذين من تلاميذه يدينان له بحب المعرفة