قدفة عنتر تؤجل الحسم في ملف التوريث استغرب كثير من المراقبين الحملة الإعلامية الشرسة التي تقودها مصر عقب هزيمتها في المباراة الفاصلة بأم درمان ضد الجزائر، حيث تحولت خيبة الأمل المصرية إلى حملة إعلامية شرسة صبّت جام غضبها على الرئيس بوتفليقة والحكومة والشعب الجزائري الذي اتهمته الفضائيات المصرية بأنه "همجي إرهابي" و"لا يمت بأدنى صلة إلى العروبة والقومية"، كما طالب إعلاميون مصريون بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر، واستبق الفنانون هذه المطالبة بالدعوة إلى مقاطعة المهرجانات الفنية الجزائرية ووصف الجزائريين بأقبح الأوصاف. * هذا الشحن الإعلامي الذي دفع بالخارجية المصرية إلى استدعاء السفير المصري، وهو تصرف لم تقم به السلطات المصرية كإجراء احتجاجي حتى ضد إسرائيل أيام المجازر الصهيونية على غزة رغم مطالبة المصريين بذلك، أكد أن الموضوع غير مرتبط بالكرة ولا بالرياضة، وأن هناك شيئا ما أفسده الانتصار الجزائري على مصر بحيث اضطر النظام المصري إلى اختلاق قضية "وطنية" تستقطب الرأي العام الساخط والناقم على الأوضاع السياسية والاجتماعية، وذلك بهدف التغطية على الفضائح التي ما تنكشف غالبا بعد الانكسار وتبخر الأحلام التي كانت تسوق للجماهير كمخدّر يهدئها إلى حين. * برز نجم نجل الرئيس حسني مبارك منذ سنوات وبدأ التسويق له سياسيا على أنه مرشح لوراثة عرش مصر، وترقى في الهرم السياسي إلى حين بلوغ منصب الأمين العام المساعد للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، لكنه لقي مواجهة شديدة من طرف مختلف القوى السياسية المصرية المعارضة التي ترفض "التوريث" وتعتبر الحزب الحاكم مجرد واجهة لرجال الأعمال التي تملك ترسانة إعلامية ضخمة تجمع الإعلام المكتوب والقنوات الفضائية. * ومع اقتراب موعد الرئاسيات المصرية التي من المفترض أن تجري في عام 2011، بدا أن الأمر لا يمكن أن يتأخر أكثر من أجل إدماج نجل الرئيس الأصغر جمال كشخصية وطنية لها حضورها الخاص في المشهد السياسي المصري، ولم يكن هناك أفضل من بوابة الكرة التي تدغدغ المشاعر وتصنع المعجزات لتضع "جمال" على قمة الهرم ك "محبوب للجماهير" بصفته الرجل الذي أشرف على المنتخب المصري وصنع نجاحه ليتأهل إلى جنوب إفريقيا، وفي هذا الصدد كثر حضور اسمه إعلاميا ليكون صاحب الفضل الأكبر بما يصنع له مكانة في قلوب الجماهير التي تختلف سياسيا وتتفق كرويا. * جمال وشقيقه علاء كان لهما حضور إعلامي قوي قبل المباراة، وبعدها، وظهرا عبر الفضائيات المصرية كمرشدين يحتضنان الشعب المصري ويواسيانه في مصابه الذي لم يكن حسب النظام المصري وإعلامه سوى نتيجة منطقية ل"همجية الجزائريين وشراستهم"، وهو ما جعل علاء مبارك يتحدث على المباشر أول أمس ولا يتورع عن اتهام الجزائريين بكونهم "إرهابيين"، ويتوجه بكلمات العزاء إلى المصريين، فيبكي المذيع "الغندور" ويشرح على المباشر أيضا سبب هذا البكاء الذي كان "تفريغا عاطفيا بسبب اتصال نجل الرّيّس الذي يُعتبر بمثابة الوالد". * ورغم الحملة المسعورة ضد الجزائر، بدأت تطفوا إلى السطح "فضايح" اتحاد الكرة المصري والمطالبة برأس سمير زاهر، كما دخل نجوم التعبئة في حرب مفتوحة، بين الغندور وشلبي وشبير الذي خطا خطوات عكس التيار قبل أن يتراجع فوجد نفسه في ورطة لأنه خسر الأصدقاء ولم يربح الأعداء. * أدرك النظام المصري حجم المشاكل التي يتخبط فيها الشعب وحاول تلهيته ب"الكورة"، وأعطى تعليمات للفضائيات كي يشنوا حملة تعبئة عنيفة حولتها الهزيمة إلى "ورطة" لم يكن المخرج الآني منها سوى المسارعة لاختلاق "عدو" تُعلق عليه الإخفاقات، ويُتهم بأنه أساء لمصر الأم ومصر الوطن، وطبّلت زمرة الإعلاميين والفنانين لهذه الأغلوطة التي بدأت تنكشف فضائحها يوما واحدا فقط بعد اختلاقها.. وأوقع الدبلوماسية المصرية في حرج كبير.. أولم يقل المصريون ذات يوم "حبل الكذب قصير"؟!