محمد عزّان مطلع العقد التاسع من القرن الماضي تأسس في اليمن منتدى الشباب المؤمن برئاسة محمد يحيى عزان، وهو تنظيم ديني وفكري ومعرفي وفي مطلع القرن الحالي تمكن حسين بدر الدين الحوثي، مؤسس الحركة الحوثية، من الدخول ضمن المنتدى مع أشخاص آخرين شكلوا فيما بعد القيادة الفعلية للظاهرة الحوثية في اليمن. * "الشروق اليومي"، التقت زعيم تنظيم الشباب المؤمن الذي احتضن الحوثيين في بداية ظهورهم وحاورته عن أهداف تنظيمه ومسائل الخلاف مع الحوثيين ونظرته للقضايا والأفكار التي تطرحها الحركة وخاضت من شأنها ست حروب مع الجيش اليمني بدأتها في العام 2004م ومازالت حتى اليوم، إضافة إلى قضايا أخرى جاءت في سياق الحوار التالي: * احتضنتم الحوثي في البداية ثم اختلفتم معه.. كيف حدث ذلك؟ * شهدت تلك المرحلة توتراً واجتماعات خاصة وسعياً حثيثاً لكسب الولاءات، وكان أبرز قضايا الخلاف التي يتم الفرز والاستقطاب على أساسها التالي: * كان منتدى الشباب المؤمن يرى أن ارتباط الطلاب يجب أن يكون بالفكرة الصحيحة القائمة على الحجة والبرهان، لا بالأشخاص سواء كانوا من أهل البيت أو من غيرهم، لأن الأشخاص يتأثرون بالأهواء ويتغيّرون باختلاف الأحوال، وعلى هذا فإن قدسية الانتماء إلى المذاهب والطوائف تستمد من قدسية الحق الذي ثبت بالدليل وتقاس بمدى صحة أفكارها، ووضوح حججها. أما الحوثي، فإنه يرى أن الله قد نص على أن الحق مع أهل البيت، وأوجب على الناس اتباعهم، فعلينا أن نتبعهم ونعمل بمقتضى ما صدر عنهم دون نظر للدليل، لأنهم في أنفسهم دليل. * * وما هي الخلفية الفكرية والمذهبية للحوثيين؟ * الذي نعرفه أن الحوثي وجماعته ينتمون إلى المذهب الزيدي، المصنف على أنه حركة سياسية في الدرجة الأولى. لكن المذهب الزيدي كغيره من المذاهب، يمكن قراءة نظرياته قراءات مختلفة، حتى اشتهر عن الزيدية أنهم كانوا في الفكر السياسي تيارين، أحدهما كان يعرف ب"الصالحية" نسبة إلى الحسن بن صالح بن حي المتوفى عام(169ه) وهو اتجاه يعكس حقيقة توجه الإمام زيد بن علي، حيث تميز بالتسامح والمرونة، والبعد عن الغلو في الأشخاص، والمبالغة في شرعنة النظريات السياسة، فهو ينظر إلى الإمامة على أنها وسيلة من أجل خدمة المجتمع، ويجب أن تلبي حاجاته ومتطلباته، وبالتالي يكون للناس الحق في صياغة نظام الحكم من خلال الشورى بما يتناسب مع الزمان والمكان والأحوال. * ويقابله تيار آخر كان يعرف ب"الجارودية" نسبة إلى أبي الجارود زياد بن المنذر (المتوفى150ه)، وهو لقب يطلق على من ذهب من الزَّيدية إلى أمرين أحدهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نَصَّ على الإمام علي بن أبي طالب خليفة من بعده بصفات لا توجد إلا فيه، واعتبروا تلك الصفات كالنص عليه باسمه، لذلك يرون أن الذين صرفوا الأمر إلى غيره قد ضلوا وتسببوا في انحراف الأمة. والآخر: أن الإمامة حق إلهي خاص بأبناء علي بن أبي طالب من فاطمة خاصة، وليس للمجتمع أي خيار إلا القبول والتسليم بما هو مختار له، سواء من النص على أن الإمامة حق خاص بأبناء علي بن أبي طالب من فاطمة الزهراء، أو أن الإمام له حق مطلق في تسيير الأمور، وأن الشورى مطلوبة ولكنها غير ملزمة له، وأن الناس ملزمون باتباعه، باعتبار أنه يمثل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه مؤيد من عند الله، يعلم ما لا يعلمون ويدرك ما لا يدركون، وإن لم يكن معصوماً. * ما الأهداف الخفية لجماعة الحوثي؟ * * بسهولة يدرك من يستمع أو يقرأ بعض دروس ومحاضرات حسين الحوثي أن الأنشطة والتحركات التي قادها وسخّر لها كل ما بوسعه، واستنفر لها أتباعه ودفعهم نحو الموت؛ تهدف إلى شيء واحد، هو العمل: على استعادة ما يَرى أنه حق أهل البيت في ولاية أمر المسلمين، باعتبار ذلك اختياراً إلهياً ليس للناس فيه يد ولا خيار، ولا سبيل إلى خلاص الأمة مما هي فيه إلا إذا اجتمعت تحت راية أهل البيت، وذلك لا يتم بعودة حق الولاية المطلق إليهم. * ويؤكد في أكثر من موضع أن الخلفاء الراشدين ومن أيدهم من الصحابة سلبوا أهل البيت ذلك الحق، وتعاقب الخلفاء على ظلمهم وإقصائهم حتى اليوم، مما تسبب في ضعف الأمة وهوانها وانهزامها أمام أعدائها، مؤكدا أن خلاص الأمة وعزتها لا يمكن أن يكون إلا على يد أهل البيت. * ثم نجده يسعى بشكل غير مباشر إلى اختزال أهل البيت في شخصه، حيث عمل على تصنيفهم إلى فريقين غير جديرين بحمل المسئولية أحدهما: منفتح على سائر المذاهب الإسلامية وشريك لها في اعتماد أصول التشريع ومناهج التفكير. وهذا الفريق لا يعول عليه في نصرة حق ولا خذلان باطل؛ لأنه تأثر بثقافات الآخرين التي يعتبرها مصدر ضلالة وانحراف. * والفريق الآخر: يؤمن بتفرّده بالحق في العقيدة والسياسة والفقه، ولم يتأثر بثقافات المذاهب الأخرى، ولكنه في نظره ضعيف مهزوم محارب مضطهد، يبحث لنفسه عن تبريرات ومخارج. * وشيئا فشيئاً دفع الحوثي بأتباعه نحو مواجهة من يخالفهم بالتمرد والعصيان والقتال، فبدأت المأساة بمواجهات فكرية حادة مع مخالفيه من الزيدية سواء من (الشباب المؤمن) أو غيرهم من المدارس العلمية، وانتهت بحرب مع الدولة، توسعت وتنقلت من بلد إلى بلد، وتغيرت نتائجها ومطالبها وأهدافها عاما بعد عام. * كثر الحديث عن وجود علاقة بين إيران والحوثيين.. كيف تنظر لهذا الطرح؟ * يغلب على ذوي العصبيات المذهبية والسلالية ضعف الولاء لغير عصبياتهم بما في ذلك الوطن أرضه ومجتمعه، والحوثيون في رأيي وحسب معرفتي بهم من ذلك القبيل، فلا يهمهم أن تكون لهم علاقة بإيران، أو أن يكونوا أداة للقيام بدور لصالحها ما دام يتناغم مع عصبيتهم، ولو على حساب أمن الوطن واستقراره، خصوصاً مع ما يرون أنه تدخل للسعودية في دعم خصومهم المذهبيين (الوهابيين) للتوسع على حسابهم، إضافة إلى الإعجاب الكبير لدى كثير من اليمنيين وخصوصاً أهل صعدة بالثورة الإيرانية، وسائر حركات التحرر والمقاومة كحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي، وهو ما يستغله المتمردون بشكل سلبي. * والإيرانيون وسائر الشيعة في العالم يشعرون بعاطفة نحو الحوثيين لأسباب دينية وسياسية، وإن لم يتفقوا معهم في المذهب، خصوصاً أنهم ينتمون إلى الزيدية، والزيدية مصنفة من فرق الشيعة وإن كانت أفكارها معتدلة وتوصف بأنها أقرب المذاهب الشيعية إلى أهل السنة.