ألهبت نار الغنائم انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة المقررة اليوم عبر مختلف ولايات الوطن، وتحولت أصوات المنتخبين المحليين إلى سلع ثمينة تباع وتشترى، أمام مرآى الجميع في مشهد درامي يعبر بصدق عما آلت إليه أخلاق الطبقة السياسية. * ولم تنفع التحالفات السياسية التي أبرمت بين الأحزاب تحسبا لانتخابات التجديد النصفي للغرفة العليا للبرلمان، والتي فسرت من بعض قيادات هذه الأحزاب على أنها محاولة للتقليل من تفشي هذه الظاهرة، إلا أن "البزنسة" في أصوات المنتخبين المحليين وشراء الذمم، بقيت السمة المميزة لموعد اليوم، بحيث قارب سعر الصوت الواحد العشرين مليونا، مع إمكانية الصعود والهبوط من ولاية إلى أخرى. * ويغذي ظاهرة البزنسة في أصوات المنتخبين، عوامل عدة بينها السباق المحموم من أجل السيطرة على الأغلبية في الغرفة العليا، بين كل من حزبي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، وبدرجة أقل حركة مجتمع السلم، إلا أن العامل المنعزل، والمتمثل في الغنائم المادية التي يمكن أن يجنيها من يحجز مقعدا لنفسه في موعد اليوم، يبقى المحرك والدافع الأقوى، لبذل المزيد من المال، للحصول على ما هو أكبر بكثير مما أنفقه، حتى وإن كان ذلك خارج القانون والأخلاق وأعراف المجتمع. * وقد أصبح الجانب المادي في السباق، أكثر من مجرد دافع، سيما بعد أن تضاعفت قيمة الغنائم التي يمكن أن يجنيها الفائز في انتخابات التجديد النصفي، سيما بعد الزيادات الخيالية التي أقرها رئيس الجمهورية لصالح أعضاء البرلمان ومعهم الوزراء وغيرهم من الإطارات السامية للدولة، العام المنصرم، والتي قاربت ال 300 بالمائة، فيما لاتزال سياسة التقطير هي السمة البارزة عندما يتعلق الأمر برفع أجور الغلابى والمحرومين من الجزائريين، الذين تعودوا على أنهم لا ينعمون من أي زيادة بسبب الزيادات في أسعار المواد الإستهلاكية، التي عادة ما ترافقها. * ومعلوم أن أعضاء مجلس الأمة، كما نواب المجلس الشعبي الوطني، يتقاضون بعد زيادات السنة المنصرمة، ما يزيد عن الثلاثين مليون سنتيم، دون حساب بقية العلاوات والمنح، والتي من شأنها أن ترفع ما يتقاضاه عضو غرفتي البرلمان إلى ما يزيد عن الأربعين مليون سنتيم، أما المحظوظون منهم ممن تمكن من الظفر بمسؤولية على مستوى هياكل المجلسين، فإنهم سيفتح المجال أمامهم للوصول إلى امتيازات ومغريات لا يحلم بها غيرهم، مثل منحة المسؤولية، والتي تبقى في حدود 3 ملايين سنتيم بالنسبة لنواب الرئيس ورؤساء اللجان ورؤساء المجموعات البرلمانية، وسيارة خاصة ب "المحظوظ" وأخرى بعائلته، وخطين هاتفيين له ولعائلته. * ومن بين الامتيازات التي تشمل جميع أعضاء البرلمان، منحة السكن المقدرة ب 76.5 مليون سنتيم سنويا، ويستفيد منها كل من يسكن في العاصمة أو خارجها، وقرض من دون فائدة بقيمة 100 مليون لشراء سيارة، وخمسة آلاف دينار شهريا لتغطية تكاليف الهاتف، ومقابل أتعاب التنقل لحضور الجلسات، تحدد على أساس أربعة دنانير عن كل كيلومتر، يضاف إلى كل ذلك منحة أخرى بعد نهاية العهدة لا تقل عن 80 مليون سنتيم. * ومن بين الامتيازات التي صارت تسيل لعاب المتسابقين، ما يوفره منصب البرلماني من مزايا لقاء ذوي النفوذ لقضاء مصالحهم وانشغالاتهم وأقاربهم، فضلا عن مزايا الحصانة البرلمانية، التي تضع السيناتور بعيدا عن جميع أشكال المتابعة القضائية في حال ارتكابه مخالفات قانونية، إلا في حالات خاصة، لازالت لم تحدث في الجزائر، كرفع الحصانة، علما أن هناك نوابا قتلوا جزائريين وارتكبوا جرائم ولم يتجرأ البرلمان على مباشرة إجراء رفع الحماية عنهم، لمتابعتهم قضائيا. * وبالعودة إلى موعد اليوم، فقد وقع حزبا التجمع الوطني الديمقراطي وحزب العمال في اتفاق سياق سياسي يقضي بمساندة منتخبي حزب حنون لمرشحي حزب أويحيى، فيما دخل حزب جبهة التحرير الوطني في تحالفات محلية مع حركة مجتمع السلم. أما الجبهة الوطنية فقد رأت في التحالفات خيانة لأصوات من انتخبها، في حين قررت حركة النهضة مقاطعة هذه الانتخابات بسبب ما اعتبرته "الفساد السياسي الذي يطبع موعد 29 ديسمبر الجاري، وطغيان سلطان المال على سلطان الأخلاق"، كما جاء في بيان للحركة.