تكلم شيوخهم وتكلم شيوخنا، وانتصر شيوخنا على شيوخهم ... واختلطت الأمور لما اختلط الدين بالساسة والرياضة ... * انتصر الشيخ رابح سعدان على حسن شحاتة، وانتصر الحاج محمد روراوة على نظيره المصري حسن زاهر، بعد أن تغلب الفريق الوطني الجزائري لكرة القدم على نظيره المصري. وتتواصل المواجهة هذه المرة بين شيوخ من نوع وحجم آخرين، حيث جاء دور الشيخ عبد الرحمن شيبان ليتحدى شيخ الأزهر، الشيخ محمد الطنطاوي . * وكان شيخ الأزهر قد أصدر فتوى مشهورة يعطي من خلالها الشرعية الدينية للقرار المصري الذي يقضي ببناء جدار عازل بين مصر وقطاع غزة. وجاء القرار المصري بعد الضغوط الأمريكية والإسرائيلية التي تفرض على مصر المشاركة في فرض الحصار على الفلسطينيين المسجونين في قطاع غزة . * وقال شيخ الأزهر إنه من حق مصر أن تقوم ببناء المنشآت التي تراها ضرورية لحماية حدودها وضمان أمنها. وأضاف، أن الأنفاق التي يقوم الفلسطينيون ببنائها بين مصر وقطاع غزة لخرق الحصار المضروب على الفلسطينيين، يهدف كذلك إلى وضع حد لتجارة المخدرات، وهي طريقة قبيحة للطعن في أخلاق وشرف الفلسطينيين الذين يخاطرون بحياتهم من أجل الحصول على بعض الأسلحة لمواجهة إسرائيل. وتأتي فتوى الأزهر لتبرر سياسة الرئيس حسني مبارك، بل لتبرر ضمنيا الحصار الإسرائيلي المضروب على غزة منذ سنوات. * وقد وافق مجلس الفتوى للأزهر على هذا القرار، مع العلم أن المجلس المذكور يعتبر أعلى مصدر للفتوى عند أهل السنة في المنطقة. ويتطابق قراره مع سياسة السلطة المصرية تجاه الفلسطينيين. وقد اختارت مصر أن تتحول إلى بلد مسالم عاجز عن التأثير في مصيره، فأصبح بلدا مواليا لأمريكا، مطيعا لإسرائيل، يرفض المواجهة ويحلم بالسيطرة على الفلسطينيين ليتاجر بهم مع إسرائيل وأمريكا. وقال السيد محمد البرادعي، رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو مصري الجنسية، قال صراحة إن مصر وصلت إلى أدنى مستوى، حيث ضيّعت كل مواقعها وأصبحت بلدا لا يكسب أي نفوذ . * وفي هذا المنطق، اتخذت مصر قرارها لبناء جدار عازل، وقامت بتجنيد كل الطاقات القابلة للتجنيد من أجل تبرير هذا القرار، من منظمات جماهيرية ومجتمع مدني وفنانين وشعراء وأهل الفتوى. وتجند هؤلاء تماما مثلما حدث بعد مقابلة في كرة القدم بين مصر والجزائر. وتم تجنيد الأزهر مثلما تم تجنيد اتحاد الشباب واتحاد المحامين . * وأثارت فتوى الأزهر ضجة عند المسلمين، حيث عارضها مجموعة من أصحاب الدعوة وشيوخ التلفزيون، مثل يوسف القرضاوي وعبد المجيد الزنداني وغيرهما، رغم أن شيخا آخر من الوزن الثقيل، وهو عكرمة صبري، إمام مسجد الأقصى، أجاز القرار المصري لبناء الجدار العازل، كما أجازه إمام آخر معروف وهو َعبد الله النجار . * وفي هذا السباق نحو الفتاوى، جاء أشهر شيخ جزائري في الوقت الحالي، وهو عبد الرحمن شيبان، رئيس جمعية العلماء، ليهاجم بدوره الأزهر وشيوخه، ويفتي ببطلان فتاوى الأزهر، وذهب إلى أبعد من ذلك ليقول إن الأزهر لن يصبح مؤهلا لإصدار الفتاوى بعد أن ضاعت شرعيته الدينية. * ويثير هذا التضارب في الفتاوى حيرة المواطن البسيط الذي يجد نفسه مضطرا أن يختار بين آراء الشيوخ الأشاوس: من منهم على صواب؟ من يمثل الرأي الديني الصحيح؟ كيف يمكن التعامل مع هؤلاء الشيوخ، خاصة إذا دخل الميدان شيوخ آخرون، مثل الزعيم الإيراني خامينئي واللبناني حسن نصر الله، الذي اكتسب شعبية كبيرة في الشارع العربي؟ * ولعل أحسن طريقة للخروج من هذا المأزق، تتمثل في إصدار فتوى جديدة: إن هذه المواقف المتضاربة التي صدرت من الشيوخ ليست فتاوى دينية، إنما تمثل آراء سياسية من أناس يحاولون الدفاع عن مصالحهم أو مصالح بلدانهم. وموقف شيخ الأزهر يهدف إلى الدفاع عن مصر، ويعبر موقف إمام الأقصى عن المأزق الذي يعيشه الفلسطينيون بسبب خلافاتهم الداخلية، بينما يعبر الآخرون عن موقف راديكالي لأنهم يعرفون أن ذلك لن يكلفهم شيئا، أو لأنهم ينتمون فعلا إلى تيار راديكالي . * ومن هذا المنظور، فإن هؤلاء الشيوخ يرتكبون خطأين: أولهما، خلط الدين بالسياسة، حيث يريدون مساندة مواقف سياسية بإعطائها طابعا دينيا. ويتمثل الخطأ الثاني في استغلال موقعهم الديني لفرض مواقف سياسية دون أي حرج، لأن لا أحد يستطيع مثلا أن يقول للقرضاوي إنه مخطئ، حتى إذا تدخل القرضاوي في قضايا لا يعرفها، مثل انتقاده الجزائر بعد المقابلة في كرة القدم بين مصر والجزائر. لكن لما يدخل الشيوخ ميدان كرة القدم وتختلط السياسة بالفتاوى، فإن ذلك يؤدي إلى مواجهة بين شيوخنا وشيوخهم، ويصبح الدين محل جدال.