شطب نهائي من السجل التجاري لمتجاوزي "أسعار الدولة" وجدت الحكومة حلا لمعضلة الأسعار، إذ قرر الجهاز التنفيذي، تضييق الخناق على حرية الأسواق، بحيث اقتطعت الدولة هامشا من هذه الحرية لتكتسبه وزارة التجارة لفرض رقابتها والتدخل في فرض منطق الرقابة على الأسعار وهوامش الربح لكل السلع والمنتجات الصناعية والفلاحية وحتى السلع المستوردة بما فيها أسعار الزيت والسكر وعددا من الخدمات التي ستصبح مسقفة وغير قابلة للمضاربة. * وبحسب نص مشروع القانون التمهيدي المعدل والمتمّم لقانون المنافسة الذي سيطرح على طاولة الحكومة في اجتماعها اليوم فإنه يحق لوزارة التجارة التدخل لتحدد هوامش ربح وأسعار السلع والخدمات عن طريق مرسوم تنفيذي على أساس الأسعار والهوامش المقترحة من طرف القطاعات المعنية بالتشاور مع المهنيين، وبعد أخذ رأي مجلس المنافسة، كما يمكن أن تتخذ وبنفس الأشكال تدابير مؤقتة لتحديد هوامش الربح والأسعار، لاسيما في حالة ارتفاعها المفرط بسبب اضطرابات السوق أو كارثة أو صعوبات مزمنة في التموين داخل قطاع نشاط معين أو في منطقة جغرافية معينة أو في حالات الإحتكار الطبيعية، عندما تنفرد إحدى المؤسسات بنشاط معين، أو التخصص في سلعة معينة. * مراجعة قانون المنافسة الذي يعتبر "بارومتر" تحكّم الأسعار، سينهي المضاربة ويقضي على الأوجه السلبية للإحتكار كونه سيتكفل بتسقيف كل السلع والخدمات، بالاعتماد على مجموعة من المؤشرات، وإن كان سيسمح للمتعاملين الاقتصاديين باعتماد أسعار وهوامش أدنى من التي تحددها وزارة التجارة، فإن القانون يفرض في حال عدم احترام الهوامش والأسعار المقننة إضافة إلى العقوبات المالية والحجز والمصادرة والغلق الإداري، عقوبة الشطب النهائي من السجل التجاري لمرتكب المخالفة من طرف المصالح المعنية للوزارة المكلفة بالتجارة. * مراجعة قانون المنافسة من قبل الحكومة اليوم، يصادف ارتفاعا جنونيا لبعض السلع، هذا الارتفاع في أسعار البقوليات والسكر وحتى الخضر والفواكه واللحوم، يفرض على الحكومة التدخل لحماية القدرة الشرائية للمواطن في ظل ضعف هذه الأخيرة لدى المواطن الجزائري نتيجة ضعف منظومة الأجور لدى الشرائح الأوسع في المجتمع. * تسقيف الأسعار وتحديد هوامش ربح بقوة القانون يرمي إلى توسيع وتدعيم قدرة السلطات العمومية في تحديد الهوامش وأسعار السلع والخدمات وذلك في إطار تشاوري بين مختلف القطاعات والجمعيات المهنية المعنية وضمن هذا الإطار فإن نقائص النص الساري المفعول لا تسمح للسلطات العمومية بالتدخل بفعالية في تحديد هوامش وأسعار السلع والخدمات قصد الحد من الاضطرابات التي تؤثر سلبا على السوق. * التحذيرات والتنبيهات الصادرة عن رئيس الجمهورية لوزير التجارة الهاشمي جعبوب خلال اجتماع مجلس الوزراء المنعقد أول أيام شهر رمضان الماضي، وحديث بوتفليقة عن غياب تام لآليات الرقابة وعجزها عن وقف المضاربة والاحتكار أملت على الدائرة الوزارية لجعبوب ترتيب أوراقها والاستفاقة من سباتها الذي كان فيه خدمة جليلة لبعض المتعاملين الاقتصاديين على حساب متعاملين آخرين، غير أن تفويض وزير التضامن جمال ولد عباس النزول للأسواق نيابة عن وزير التجارة شكل "ورقة حمراء" حتمت على جعبوب تعديل منهجية التعاطي والعمل مع السوق الوطنية لتضفي عليها نوعا من الرقابة والانضباط. * وضمن هذا السياق، قررت الحكومة تحديد هوامش أسعار السلع والخدمات عن طريق مرسوم تنفيذي على أساس الاقتراحات المقدمة من قبل القطاعات المعنية بالتشاور مع المهنيين التابعين لفروع النشاطات وبعد أخذ رأي مجلس المنافسة وقد حددت الحكومة إطارا لذلك يشبه إلى حد ما قوانين المنافسة المعتمدة في الدول المتقدمة. * ومن المرتقب فيما يخص المنتوج الوطني، أن تحدد الهوامش والأسعار على أساس المعايير المتعلقة بأسعار الإنتاج فيما يخص المنتوجات الفلاحية، وكذا العامل المتعلق بالأسعار عند الخروج من المصنع فيما يخص المنتوجات الصناعية، أما بخصوص المنتوجات المستوردة فإن الهوامش أو الأسعار ستحدد على أساس مؤشرات الأسواق العالمية وتتأثر للزيادة والنقصان مثلما تتأثر هذه السلع في باقي أسواق العالم، وضمن هذا السياق سيتم اللجوء لأول مرة إلى تطبيق ميكانيزمات تحديد الهوامش أو الأسعار في حالتين، أولهما فيما يخص السلع والخدمات ذات الأسعار المنبثقة عن قانون العرض والطلب في السوق، أي الأسعار الحقيقية والتي تعتبر مرتفعة بالنسبة للقدرة الشرائية للمستهلكين، فإن الدولة ستتدخل لتحديد هوامشها أو أسعارها وتكفل الدولة بدعم الفارق. وعند هذه النقطة بجدر التنبيه أن فاتورة دعم الدولة للأسعار سترتفع. * أما الحالة الثانية فتبقى متعلقة بالسلع والخدمات التي تعرف أسعارها ارتفاعا غير مبرر ناتج عن الاضطرابات التي تمس السوق، فإن السلطات العمومية ستتخذ إجراءات قصد تحديد هوامش وأسعار السلع والخدمات المعنية لوضع حد للإختلالات المسجلة وضبط السوق. * وجاء ضمن المشروع التمهيدي للقانون المعدل والمتمم للأمر رقم 03-03 المؤرخ في ال 19 جويلية 2003، أنه بغض النظر عن هوامش الربح أو الأسعار القصوى المحددة في هذا الإطار فإن هذا لا يمنع المتعاملين الاقتصاديين من تطبيق أسعار وهوامش أدنى ولم تتوان الحكومة في تحديد مدة تطبيق التدابير المتعلقة بتحديد الهوامش أو الأسعار المتخذة والتي ستشكل موضوع المرسوم التنفيذي بستة أشهر قابلة للتجديد وكذا طابعها الاستثنائي. * تحرك الحكومة لتسقيف هوامش الربح وأسعار السلع بمختلف أنواعها، وإن قال المشرع أنه لن يمس بمبدأ حرية الأسعار المكرس في المادة 4 من النص التشريعي المتعلق بالمنافسة، فإن الأكيد أن التعديلات ستنهي المضاربة وتحجم المحتكرين، وتنهي حالات الجشع اللامتناهي عند كل الفواعل التي لها مهمة في السوق بداية من المتعاملين الكبار وصولا الى تجار التجزئة، لأن العقوبة هذه المرة لن تقف عند الغرامات والمصادرة والحجز، وإنما تتعداها الى الشطب النهائي من السجل التجاري.