أعلن أمس، رئيس الحكومة الأسبق، علي بن فليس، ترشحه بصفة رسمية للرئاسيات القادمة، في مهرجان إعلامي حاشد احتضنه فندق الهيلتون في العاصمة، تعمّد خلاله تمرير عدة رسائل سياسية تعكس مواقفه من الشأن العام، بعد صمت لازمه عشر سنوات. شهد بهو فندق الهيلتون أمس، إنزالا إعلاميا كثيفا لمختلف وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية، لتغطية إعلان مرشح رئاسيات 2004 ترشحه مرة أخرى في جو تنظيمي محكم، حيث تم إعداد ديكور بطريقة مدروسة، أين توسطت قاعة "الطاسيلي" منصة أعدت خصيصا لنصب الكاميرات، فيما اختير اللون البنفسجي كخلفية للمنصة، وهو اللون الذي تعمدت من خلاله مديرية الحملة الانتخابية، استعماله للتعبير عن سنوات من الغياب الطويل، وكدلالة للإرادة في التغيير، وأن بن فليس، الذي ارتدى بذلة سوداء بربطة عنق حمراء راض بوضعه، كما يرمز هذا اللون إلى الرؤساء والملوك. اقتصر حضور مهرجان إعلان الترشح على رجال الإعلام، من صحفيين ومديري نشر، إلى جانب أساتذة جامعيين في الإعلام والعلوم السياسية، فيما حضرت بعض الشخصيات الوطنية والتاريخية، أبرزهم مصطفى بودينة، رئيس الجمعية الوطنية لقدماء المحكوم عليهم بالإعدام، وعلي هارون، عضو المجلس الأعلى للدولة سابقا، وهنا يوضح مدير الحملة الانتخابية لبن فليس عبد القادر صلاة، أنهم تعمّدوا تجنب توجيه الدعوة للشخصيات الوطنية خارج رجال الإعلام لضيق المكان". واستهل بن فليس خطابه "في وقت تستعد فيه أمتنا لتنظيم انتخابات رئاسية في مرحلة تاريخية، ميزها الاضطراب السياسي، وعدم الاستقرار على حدودنا باتت تشكل تهديدا على أمن بلادنا الوطني"، وأضاف "ومن المشروع أن تثير الوضعية السياسية الحالية لدى الجزائريين مخاوفهم حيال السير الطبيعي لمؤسسات الجمهورية". وقال مرشح رئاسيات 2004 "أتقدم اليوم مدفوعا بالواجب الوطني، فبشرف وتصميم وقناعة وتواضع واطمئنان نفس، قررت الترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2014"، قبل أن يخاطب الجزائريين بقوله "أدعو الجزائريين والجزائريات للوقوف معي لنرفع أهم تحدّ في حياتي، والمتمثل في رغبتي في خدمتهم وخدمة وطننا".
ترقية المصالحة إلى عفو شامل وعقد وطني لمكافحة الرشوة عرّج مرشح الرئاسيات على أهم محاور برنامجه السياسي، والتي استهلها بالحديث عن "العدل أساس الحكم"، حيث رافع من أجل استقلالية القضاء، وتحرير القضاة وتجريم تدخل الساسة في عمل القضاء، وحماية الضعفاء من ظلم الأقوياء، كما تعهد بترقية المصالحة الوطنية إلى عفو شامل، من خلال استفتاء شعبي، بعد مشاورة الفاعلين السياسيين والاجتماعيين للخروج من الأزمة نهائيا"، وقال "التزم على ضوء الإجراءات التي اتخذت في حينها للتعامل مع الأزمة السياسية والأمنية التي هزّت أسس الدولة، وأثّرت على تناسق النسيج الاجتماعي لشعبنا. من خلال قانون الرحمة والوئام المدني والمصالحة الوطنية، على السهر بأن تتحمّل الدولة كامل واجباتها". ويجزم المتحدث بأنه لا يمكن تحقيق أي تقدم أو طموح دون القضاء على الرشوة التي عرفت حسبه في السنوات العشر الأخيرة، مستويات لم تصل إليها منذ استقلال البلاد، والتي مست بالتوازن الاجتماعي، مضيفا أن المشكل لا يكمن فقط في الرشوة الإدارية، بل تعدى الأمر إلى الرشوة السياسية، أي تلك الرشوة التي تضمن اللاعقاب وتمس استقلال العدالة، وتلحق الأذى بالمال العام. وأعلن بن فليس، التزامه بمكافحة الرشوة وملاحقة الراشين والمرتشين، وتخفيف وتبسيط الإجراءات الإدارية. كما تطرق المتحدث إلى المحاور الرئيسية لبرنامجه الاقتصادي، الذي سيركز فيه على خلق الثروة ومناصب الشغل من خلال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتطوير القطاع الفلاحي، والتحرر من مداخيل المحروقات وتشجيع التعاون مع الخارج"، واعدا ب"أقلمة" المناهج البيداغوجية بما يتماشى و"مستلزمات المواطنة والتطور التقني والمهني". وبعد أن ذكر أن "الحق في الإعلام وحرية التعبير انتزع بعد نضال قاس"، وعد ب"تقوية هذا الحق وتعزيزه في إطار القانون". وأوضح المتحدث أن "الجزائر بفضل موقعها الجيو سياسي مدعوة لأن تكون فاعلا أساسيا عندما يتعلق الأمر بموضوعات السلام والأمن والتعاون في البحر الأبيض المتوسط"، مذكرا أن "الجزائر لن تتحمّل أي مسؤولية في حالة الانسداد التي يعرفها مسار الاتحاد المغاربي"، معبّرا في الوقت نفسه عن التزامه "بدعم تنظيم استفتاء تقرير المصير تحت إشراف منظمة الأممالمتحدة بالصحراء الغربية".
لا يمكن لأحد اّدعاء احتكار الوطنية وتحاشى بن فليس، الخوض في تقييم مرحلة الرئيس بوتفليقة، وقال رئيس الحكومة الأسبق "إن من الحكمة الرشيدة ترك التاريخ يقيّم أعمالنا، ويزكّي أو يلفظ تصرفاتنا وإنجازاتنا، لأن الحكم على أداء وأفعال الرجال ليس بالأمر الهين إطلاقا، بما أنه قد يكون مشوبا بالخطأ أو ملوثا بداء الذاتية الذي لا يكاد يفارق أحدا منّا"، غير أن ذلك لم يثنه على توجيه بعض الرسائل السياسية التي جعلها كخلاصة لكلمته، حيث قال "إني التزم بقول الحقيقة للجزائريين، وعدم توزيع وعود واهية، فزمن الرجل المعجزة قد ولىّ ولا يمكن لأحد أن يعد بتحقيق المعجزات"، كما قال في موضع آخر "ليس هناك من أحد أو جماعة أو ممثل للدولة يمكنه ادّعاء احتكار الوطنية أو تنصيب نفسه كالمؤتمن الوحيد على المصلحة الوطنية". وقال أن المصلحة العليا للوطن ستكون الموجه الوحيد لقراراته، وقال "ولن تكون قراراتي ديماغوجية أو انتهازية أو مبنية على المحسوبية، ستكون المصلحة العليا للجزائر غلافا صلبا أصدر فيه قراراتي، لأني لم أكن يوما وبكل بساطة وصراحة من أنصار تقسيم الجزائريين إلى عدو وصديق".
جزء من اللعبة أم مؤشر رئاسيات مفتوحة ماذا يعني ترشح بن فليس؟ فجّر إعلان رئيس الحكومة الأسبق، علي بن فليس، ترشحه الرسمي للانتخابات الرئاسية المقبلة، جملة من التساؤلات حول قرار من هذا القبيل، وهو الذي كان قد خرج من الباب الضيّق في استحقاقات 2004. فما الذي تغيّر في العشر سنوات الأخيرة حتى يعود الرجل إلى السباق مجددا؟ الكثير من المتابعين للشأن السياسي يؤكدون أن معطيات 2014 لا تختلف كثيرا عن تلك التي كانت في 2004، بل إن الأمور تكون قد زادت انغلاقا في المدة الأخيرة. وهو الاعتقاد الذي ترسّخ لدى بعض السياسيين، ومنهم رئيس حزب "جيل جديد"، جيلالي سفيان، الذي ربط ترشحه بعدم ترشح الرئيس بوتفليقة، إدراكا منه بأن ترشح بوتفليقة سيغيّب مبدأ تكافؤ الفرص في موعد أفريل المقبل. علي بن فليس كان رفض في وقت سابق ربط مصير ترشحه بترشح بوتفليقة لعهدة رابعة، وفق ما نقل عنه مقربون منه، فما سر هذه الثقة؟ أم أن لديه معلومات يقينية بأن بوتفليقة سوف لن يترشح وأن الانتخابات المقبلة سوف لن تكون مغلقة، ومن ثم فلا خوف على حظوظه؟ يعتقد لطفي بومغار، وهو المسؤول الأول بالمداومة الإعلامية لعلي بن فليس، أن "الانتخابات الرئاسية المقبلة سوف لن تكون مغلقة". ويرفض في اتصال مع "الشروق" الحكم المسبق على الاستحقاق المقبل بأنه غير شفاف أو مغلق، ويقول: "يجب علينا انتظار المحطات المقبلة قبل أن نحكم على شفافية الاستحقاق من عدمه". ويدافع بومغار عن خيار ترشح الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني بقوله: "مرشحنا سيخوض الاستحقاق المقبل وهو مسلح بمشروعه". وبشأن موقف بن فليس في حال ترشح بوتفليقة لعهدة رابعة، يرد المسؤول بالمداومة الإعلامية: "الترشح للانتخابات حق مكفول دستوريا لأي جزائري، ونحن لا نحكم على طبيعة الانتخابات من خلال ترشح هذا الشخص أو ذاك، بل من خلال كيفية إجراء الاستحقاق. فالترشح من حيث المبدأ لا يشكل عاملا مؤثرا على برنامجنا، لأن الحكم يبقى على الممارسات والأفعال". وعن حظوظ مرشح رئاسيات 2004 يؤكد لطفي بومغار: "نحن واثقون من دعم الجزائريين لبن فليس، الذي ظل طيلة العشر سنوات الماضية قريبا من انشغالات الشعب. لا خوف لدينا من هذا الجانب". لكن كيف يقرأ المحلل السياسي، عبد العالي رزاقي، ترشح بن فليس وكيف يرى حظوظه في الاستحقاق المقبل؟ يقول أستاذ العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر، عبد العالي رزاقي: "يبدو أن المحيطين بعلي بن فليس متأكدون من مصادرهم الخاصة أن الرئيس بوتفليقة سوف لن يترشح لعهدة رابعة". وفي حال تبين عدم صحة هذا الاعتقاد، ووجد بن فليس نفسه في رئاسيات أفريل المقبل أمام سيناريو 2004، فهذا يعني برأي الأكاديمي، أن رئيس الحكومة الأسبق سيقوم بإنشاء حزب سياسي في فترة حكم بوتفليقة، قد يكون بديلا لحزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي". ويتحدث عبد العالي رزاقي عن وجود تيارين داخل صف بن فليس، الأول يدعو إلى المطالبة بالانسحاب من الانتخابات في حال لمس توجها في الإدارة ينزع نحو تزوير الانتخابات الرئاسية. في حين يرى التيار الثاني أنه لا بد من الدفاع عن حقوق بن فليس الانتخابية، ولو تطلب الأمر "عدم الاعتراف بالنتائج، وهنا يمكن أن يجلس الطرفان على طاولة المفاوضات"، على حد تعبير المتحدث، الذي توقّف عند رهان بن فليس على الإسلاميين من خلال حديثه عن ترقية المصالحة الوطنية. ويرى قيادي في الأفلان، تحفظ على الكشف عن هويته، أن ترشح بن فيس يعتبر "أداة من أدوات تحقيق الديمقراطية في الانتخابات"، رافضا الخوض في التفاصيل. فيما اعتبر محلل سياسي متشائم تحفظ على هويته ترشح بن فليس بأنه "لا محل له من الإعراب، لأن الانتخابات المقبلة مغلقة تماما، لأن ترشح بوتفليقة لعهدة رابعة بات مجرد وقت، وهو ما يجعل من جميع المرشحين مجرد أرانب في سباق محسوم مسبقا".
بن فليس في سطور - ولد علي بن فليس في الثامن سبتمبر 1944، بباتنة من عائلة ثورية، فهو ابن شهيد وأخو شهيد فقدهما وهو لا يتجاوز سن الثالثة عشرة، متزوج وأب لأربعة أولاد. - درس الطور الابتدائي في باتنة وواصل دراسته بقسنطينة في الطور الثانوي بثانوية حيحي المكي ومنها تحصل على شهادة الباكلوريا. - حائز على شهادة الليسانس في الحقوق سنة 1968 من كلية الحقوق. - التحق في البداية بسلك القضاء. شغل منصب قاض بمحكمة البليدة في أكتوبر 1968. - التحق بالإدارة المركزية لوزارة العدل التي مارس فيها وظيفة مدير فرعي مكلف بالطفولة الجانحة إلى نهاية 1969. - تقلد وظيفة وكيل الجمهورية لدى محكمة باتنة في 1969 إلى 1971 - نائب عام لدى مجلس قضاء قسنطينة من سنة 1971 إلى 1974 - نقيبا لمنظمة محامي منطقة الشرق ما بين 1983 و 1985 - عضو اللجنة التنفيذية والمجلس الوطني للمنظمة الوطنية للمحامين. - انتخب في سنة 1987 نقيبا للمحامين لمنطقة باتنة - عين وزيرا للعدل في شهر نوفمبر 1988 إلى 1991. - بادر بإصدار القانون الأساسي للقضاء في سنة 1989 الذي كرس لأول مرة استقلال السلطة القضائية. - تقلد منصب الأمين العام لرئاسة الجمهورية ومدير ديوان رئاسة الجمهورية. - عين رئيسا للحكومة وانتخب أمينا عاما لحزب جبهة التحرير الوطني. وبهذه الصفة الأخيرة ترشح لرئاسيات ال8 أفريل 2004. عرف بنضاله من أجل حقوق الإنسان فكان عضوا مؤسسا للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان المعتمدة. - حمل بن فليس حقيبة وزارة العدل في ثلاث حكومات متتالية. - استقال من الحكومة في شهر جويلية 1991 احتجاجا على عدم تلبية مطلبه بتوفير الضمانات القضائية كحق الطعن وحق الدفاع. - عاد إلى الحكومة بمجيء الرئيس بوتفليقة ويعتبره العديد أنه صنيعته، فعين رئيسا لها في 26 أوت 2000، وجدد تعيينه في جوان 2002 وأنهيت مهامه في ماي 2003. في الشق السياسي - شارك في انتخابات 91 وانهزمت قائمته أمام قائمة الجبهة الإسلامية للإنقاذ بدائرة باتنة. - انتخب في ديسمبر 1989 عضوا في اللجنة المركزية وفي المكتب السياسي للأفلان. - حظي بتزكية الحزب في عضوية المكتب السياسي بإعادة انتخابه على التوالي في 1991 و 1996 و 1998 و 2000. - انتخب أمينا عاما للأفلان في 20 سبتمبر 2001 خلفا لبوعلام بن حمودة وأعيد انتخابه في المؤتمر الثامن المنعقد في 18 -19 -20 مارس 2003. - جمد القضاء الجزائري نشاط الأفلان خلال رئاسته في 30 ديسمبر 2003 - وأعلنت دورة طارئة للجنة المركزية ترشحه للرئاسيات باسم الأفلان في نفس اليوم. - سلم عهدته كأمين عام للحزب بعد انهزامه في رئاسيات 2004 ،اعتزل العمل السياسي لمدة 10 سنوات. - أعلن ترشحه أمس بصفة رسمية لرئاسيات 17 أفريل 2014.