لماذا نعيش حالة لانسداد هذه؟ لماذا لا يتم الانتقال نحو مرحلة جديدة من تاريخنا بسلاسة ومن غير خوف أو اضطراب؟ لماذا لا تجد السلطة بديلا للحل، ولا تجده المعارضة أيضا؟ لماذا نعود مرة أخرى إلى ربط المستقبل بهذا الشخص أو ذاك بدل ربطه بأهداف متوسطة وبعيدة المدى للشعب الجزائري ثم نسعى لمعرفة أي شخص أو أشخاص هم الأنسب لتحقيقها ؟ لأننا ببساطة نتحرك من غير رؤية ولا نعرف إلى أين نحن نسير.. ولأننا كذلك اضطررنا ويريدوننا أن نضطر مرة أخرى إلى ربط مصير بلدنا برمته بمصير شخص أو مجموعة من الأشخاص يزعمون أنهم مُلهمون.. أقوى من الشعب حتى... الانسداد هو عجز أمام المستقبل، هو عدم قدرة على التكيف، هو قتل للرؤية وتحطيم للآفاق.. هذا ما نحس به اليوم ونعيشه ونحن نرى السلطة والمعارضة تبدوان على حقيقتهما غير قادرتين على تقديم حل. رغم أننا كشعب، كمواطنين كمثقفين، كرجال ونساء بسطاء أضعف ضعفاء الشعب.. كنا ومازلنا نشعر بأننا ينبغي أن ننطلق نحو المستقبل بخطى ثابتة. كنا ومازلنا نثق في قدراتنا أننا أفضل حقيقة من السلطة ومن المعارضة بل أقوى حتى من الزعيم الملهم، لأننا ببساطة لم نقتل الأمل بداخلنا، ولأنهم لم يلوثوا عقولنا بمآسيهم وكوارثهم التي يندى لها الجبين، إن في التسيير أو البناء أو صرف المال العام. ولعلي اليوم أقول إنه يومنا الذي ينبغي أن نعلن فيه هذا الموقف: أيها المتصارعون على الحكم دعونا نصنع حكمنا بأنفسنا.. أن نختار من نختار بإرادتنا ونتفق معه على تبني رؤيتنا القادمة التي هي ليست رؤية أحدكم لأنكم ما فكرتم يوما إلا في رؤية أنفسكم.. إنه الوقت المناسب ليرفع كل جزائري مطلبه هذا من خلال الوسيلة التي يملك، مطلبه الذي ينبغي أن يضمنه عناصر الرؤية التي ينبغي أن تسود، وعناصر الرؤية هذه لا تخرج عن مبادئ معروفة تم تجاوز بعضها واختراق البعض الآخر وتشويه صنف ثالث منها، مطالبنا لا تزيد على أن تكون: ضمان تداول سلمي على السلطة من خلال جعل العهدات لا تزيد على عهدتين. ضمان شفافية في تسيير المال العام من خلال تفعيل آليات محاربة الفساد القانونية والأمنية ونشر نتائجها على الرأي العام. ضمان تمكين القضاء من آليات العمل باستقلالية ونزاهة للفصل في دعاوى المتخاصمين ضمان إعادة الاعتبار للعلم والكفاءة عند تولي أية مسؤوليات ضمان اعتبار كل ثروة ناتجة عن غير عمل ثروة مغتصبة ونهب واضح للمال العام. ضمان الكف على ابتزاز الجزائريين بوعود الحصول على السكن أو العمل والكشف بوضوح عن حقيقة المشاريع المعدة لحل المشكلتين معا. هل من العسير علينا توفير هذه الضمانات في الميدان؟ هل نحتاج إلى رئيس عبقري لا يولد إلا كل مائة سنة ليحقق لنا هذا؟ هل سيعجز الجزائريون على تحقيق هذه المبادئ الضامنة للمستقبل لو تم استبعاد كل الطبقة السياسة الحالية الحاكمة والمعارضة؟ لا أظن ذلك. بل إني أؤمن أنه باستطاعة أي فريق عمل يمتلك الكفاءة والمقدرة والإخلاص أن يتبنى هكذا مبادئ وينجزها ولو لم يزد عمره على الثلاثين سنة. كفانا ضحكا على الأذقان بأننا نحتاج إلى الرجل الملهم، وإلى العبقرية الخارقة وإلى الدهاء الخبيث.. نحن لا نحتاج لا إلى هذا ولا إلى ذلك، بل فقط إلى رجال مخلصين ونساء مخلصات، ينطلقون من مبادئ واضحة ويضعون نصب أعينهم تحقيق أهداف أكثر وضوحا، غير ملوثة بأهدافهم الشخصية أو طموحاتهم الذاتية، إنما ذات غايات عامة هدفها الأول خدمة الآخرين والرفع من شأن الوطن والخروج به إلى بر الأمان. إن مشكلتنا في الجزائر، ومنذ عقود من الزمن، أننا لا نريد لمشكلتنا أن تحل. في كل مرة نقترب من حلها يأتي من يزيدها تعقيدا. لقد اقترب رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش من الحل عندما جاء بمشروع الإصلاحات.. ومُنع من ذلك. واقترب الرئيس زروال من الحل عندما أصدر دستور 1996، ومُنع من ذلك، وأعطيت الفرصة للرئيس الحالي على مرحلتين ليجد الحل إلا أنه مَنع نفسه من شرف ذلك بعد تعديل الدستور في 2008، وها هي الفرصة تأتينا اليوم مرة أخرى لنعيد عقارب الساعة إلى موضعها، باختيار أنسب طريق يمكّننا من الاستفادة من الأخطاء السابقة فإذا بالبعض يريد مرة أخرى مواصلة السير عبر الطريق المنحرف الذي بدأناه قبل 05 سنوات... لماذا يصر البعض على هذا الاختيار؟ لماذا لا نرسو على أفضل بديل يمكننا من مراجعة أنفسنا وأخطائنا وتقديم رؤية أكثر وضوحا للمستقبل تقوم على ضمانات يُجمع على صلاحيتها كافة الجزائريين. أؤمن بأننا على عتبة مرحلة يمكنها أن تكون أفضل بديل لنا إذا ما أحسنا الاختيار وبروية، إذا تجاوزنا تلك الحسابات الضيقة أو المنظورات الشخصية. إننا نستطيع أن نراهن على مبادئ ونبحث عن أكثر الأشخاص ملاءمة لتنفيذها، وليس على أشخاص تعدنا بالالتزام بمبادئ. إن الفرصة مازالت مفتوحة اليوم أمام الجزائريين ليدفعوا بالطبقة السياسية نحو هذا الاتجاه، الفرصة اليوم لنا جميعا لنجعل ولاءنا للرؤية سابقا لولائنا للأشخاص، ولكي نقيِّم أيا كان لا على أساس من يكون إنما على أساس ما يطرح من أفكار. أما اللامبالاة، وانتظار نتيجة ما ستسفر عنه المعركة في الأعلى، وانتظار أن ينتصر هذا على ذاك لنصطف حول المنتصر فذلك هو أسوأ موقف ينبغي أن نتخذه، إذا كنا بحق نمتلك القناعة أننا كشعب من أي فئة كنا، لدينا دور يمكننا أن نلعبه ولسنا فقط أدوات يقوم بتحريكها من يشاء ومتى يشاء.. إنها مرحلتنا بامتياز، نحن الذين كان يُنظر لنا في كل مرة أننا لا نصلح سوى لتزكية ما يتم إقراره في سرايا الحكم، ولا نصلح إلا للقيام بديكور الانتخابات عندما يكون الأمر قد حُسم. بل وأحيانا، لا نصلح حتى لهذا... ألم يقل أحدهم إن الرئيس الحالي لا يحتاج إلى حملة انتخابية لينتصر.؟ أي أننا لا شيء بالمقارنة مع مستويات الحسم العليا؟ هل نحن حقيقة لا شيء، وكلامنا هذا هو مجرد أضغاث أحلام.. هل حقا سنبقى منقادين من قبل أشخاص يعتقدون أنهم خُلقوا للحكم، للسياسة ولتسيير شؤون البلاد، ولم نخلق سوى للقبول بما أقروه حتى ولو كُنا نرى أنه موصلنا إلى الطريق المسدود؟ يبقى السؤال هنا: هل بلغنا درجة النضج لصياغة رؤية لنا فوق الأشخاص؟ أم مازلنا ننتظر التوجيه يأتينا من الزعيم الملهم؟ ومازلنا نعتقد أنه لا يوجد أقوى من الزعيم ولا أضعف من الشعب؟ ألم ندرك بعد أننا أقوى من الزعيم الملهم وإن كنا من أبسط بسطاء هذا الشعب؟ ذلك هو السؤال...