بمرور المتسابقين الستة إلى قصر المرادية عبر مصفاة المجلس الدستوري، بات بإمكانهم الاستفادة من دعم مالي من الدولة، يقدر ب6 ملايير سنتيم، في صورة مساعدة لتنشيط الحملة الانتخابية، أما إذا حصل وامتدت الرئاسيات لدور ثان، فعندها سترتفع قيمة المساعدة لتصل إلى ثمانية ملايير. وبينما يتحدث القانون العضوي المتعلق بالانتخابات المعدل في عام 2012، في الفصل الخاص ب"أحكام مالية"، عن أن المساعدات يجب أن تكون بعدية ومبررة بوثائق صادرة عن محافظ حسابات، تثبت أوجه صرف الأموال المستعملة في الحملة الانتخابية، سبق وأن استفاد مترشحون من هذه المساعدة قبل انطلاق الحملة الانتخابية. وذكر مرشح سابق للانتخابات الرئاسية التي جرت في عام 2009، أنه تحصل على صك بمبلغ تقدر قيمته ب1.5 مليار سنتيم (وهي القيمة التي كان قانون الانتخابات السابق يخصصها لدعم المترشحين)، عشية انطلاق الحملة الانتخابية، غير أن ذلك لا يسقط عن المترشح تبرير أوجه صرف المبلغ المستفاد منه. وحرص المشرع على إبقاء الاستفادة من الدعم المالي في خانة "الإمكانية" بدل "الوجوب"، وهو ما يفتح المجال أمام السلطة في إمكانية توظيف هذا المعطى لشراء الذمم أو معاقبة من تراه لا يتماشى مع أهدافها أو يشكل خطرا على حظوظ مرشحها في الاستحقاق الرئاسي. ويشرح القانون العضوي المتعلق بالانتخابات، كيفيات تعويض المترشحين للرئاسيات على أتعابهم المالية أثناء الحملة الانتخابية، وفق ما جاء في المادة 205، التي تنص على: "لكل المترشحين للانتخابات الرئاسية الحق في حدود النفقات الحقيقية، في تعويض جزافي قدره 10 في المائة". وحسب متابعين فإن المرشح الذي لا يلقى قبولا من طرف السلطة، ستطبق عليه المادة 2005 من القانون العضوي المتعلق بالانتخابات، والتي مفادها أن التعويض الجزافي لا يتعدى 10 بالمائة من المبلغ المالي الذي صرف أثناء الحملة الانتخابية، مثلما تصبح المساعدة المرصودة "طعما" لجر مترشحين في صورة "أرانب" لمعترك السباق عند الضرورة. ومما يعزز من الشكوك حول توظيف السلطة للأموال الموجهة لدعم المترشحين، هو صبها المبلغ المرصود في الحساب الشخصي للمترشح، بما في ذلك الشخصيات التي تمثل أحزابها في الانتخابات الرئاسية المقبلة، علما أن هناك مترشحين باسم أحزابهم، في صورة لويزة حنون عن حزب العمال، وموسى تواتي عن الجبهة الوطنية، وعلي فوزي ربّاعين عن حزب عهد 54. وإذا كان المشرع ينظر إلى الترشح للانتخابات الرئاسية على أنها "مسألة شخصية"، على عكس الانتخابات التشريعية والمحلية، التي تعتبر حزبية، ما يبرر صب المساعدة المالية في الحساب الشخصي للمترشح، فإن ذلك جعل بعض السياسيين يتخذون من دستورية الترشح للرئاسيات فرصة للاغتناء، وقد سبق لحزب أن انقسم إلى اثنين بسبب الأموال التي صبتها الدولة في الحساب الشخصي لمرشحه، الذي يعتقد أنه انفرد ب"الكعكة" لوحده. وقد بات الترشح للانتخابات الرئاسية منذ الانفتاح السياسي في عام 1989، وفعليا منذ عام 1995، متاحا أمام الراغبين، باستثناء من يعتقد أنه يشكل خطرا على مرشح النظام، وقد لقي ذلك هوى لدى السلطة، التي شجعت الظاهرة إمعانا منها في تمييع العملية السياسية، وتشجيع ديمقراطية الواجهة، سيما بعد عزوف شخصيات معروفة بثقلها في الساحة.