شرع الوزير الأول، عبد المالك سلال، في إجراء اتصالات ومشاورات واسعة تمهيدا لتشكيل الفريق الذي سيخوض به عملية تنفيذ وعود الرئيس بوتفليقة الانتخابية السياسية والاجتماعية والاقتصادية للولاية الجديدة. وإذا صحت قراءة العناوين الكبرى للمحاور التي سيعمل عليها سلال وفق رغبة الرئيس بوتفليقة، فإن تشكيلة الحكومة القادمة لن تنحصر على مدخلات من أحزاب المساندة التقليدية التي دافعت بحدة عن مشروع العهدة الرابعة، بل سيلتزم سلال بمد يده إلى المعارضة للمشاركة في الحكومة القادمة بدون إقصاء ولا تهميش، كما أعلن عنه عقب تكليفه مجددا من الرئيس بتشكيل الحكومة، وإن كان نصيب الأسد فيها للأحزاب التي دعمت ووقفت إلى جانب الرئيس بوتفليقة ودافعت عن ولايته الرابعة وعلى رأسها جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي والحركة الشعبية الجزائرية بقيادة عمارة بن يونس، وتجمع أمل الجزائر لعمر غول الذي سيمثل الوجه الإسلامي للحكومة بعد خروج حركة حمس من التحالف الرئاسي السابق الذي نفض سياسة اليد الممدودة التي سيمارسها سلال بتوجيهات من الرئيس ستمكن أحزاب معارضة جديدة من المشاركة في الجهاز التنفيذي، وخاصة بعد التصريح الذي أدلى به الرئيس بوتفليقة بعد فوزه بأنه يرغب في العمل مع الجميع.. وهي الرسالة التي قرأت من البعض على أنها رغبة احتواء جديدة من النظام على شاكلة السياسات المنتهجة في هذا القبيل في السابق أي أنها محاولة لا تخرج عن ذات التصور والمنظور التقليدي الذي ينتهجه النظام الجزائري في شراء الولاءات بكل الأساليب الممكنة ومنها المناصب والحقائب وما ذلك على النظام بغريب. الرسالة الثانية مفادها أن النظام لا يريد خيرا من وراء سياسة اليد الممدودة لهذه المعارضة بل يريد أن يبث في مكوناتها وفي صفوفها الفرقة والاختلاف وتمزيقها، وخاصة بعدما تبين للنظام أن هذه المعارضة تتجه نحو التلاقي على قلب رجل واحد للمرة الأولى في تاريخها وهي تضع جانبا خلافاتها واختلافاتها الإيديولوجية، وهو ما قد تكون جسدته صورة اليد في اليد بين سعيد سعدي وعبد الله جاب الله وأحمد بن بيتور وعبد الرزاق مقري وجيلالي سفيان في صورة جديدة على النظام الذي كان دائم النجاح في بث الفرقة في صفوف معارضيه حتى أصبحت كل خطوة منه ولو على صحتها موضع شكوك. وبالإضافة إلى الصورة السابقة، تضاف الحصيلة التي حصدتها أحزاب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وحركة مجتمع السلم والنهضة في الحكم منذ وصول بوتفليقة إلى الحكم، حيث خلصت هذه الأحزاب إلى أنه من المستعصي عليها القدرة على تغيير النظام من داخله فانقلبت على عقبيها وعادت للمعارضة بعد أن تناسلت إلى عدة أحزاب، فيما تواصل جبهة القوى الاشتراكية لعبة الكرسي الشاغر التي تفضلها، فيما يتجه حزب العمال إلى تبرير مشاركته في الحكومة للمرة الأولى بعبارة "مرغم أخوك لا بطل"، وهو الذي قاد حملة انتخابية ممتازة لصالح الرئيس بوتفليقة الذي التقى زعيمته عقب أدائه لليمين الدستورية الاثنين الفارط. وبالنتيجة يمكن القول إن مشاركة المعارضة في الحكم لا تتلخص فقط في الحصول على حقائب وزارية، بل يمكن أن تكون أقوى وأكثر إضافة للفعل السياسي ولممارسة الحكم من خلال لعب دور "حكومة ظل" حقيقية وإن كان الأمر غير مألوف جزائريا، وذلك من خلال الاصطفاف في تكتل سياسي حقيقي للعمل على نقد تصرفات الحكومة الفعلية واقتراح سياسات بديلة لسياستها، بما يجذب المواطنين لبرامجها ويساعدها في المستقبل وهذا في إطار إعطاء صورة راقية عن الممارسة الديمقراطية بعيدا عن التهميش والإقصاء.