تكشف القراءة السياسية لتشكيلة حكومة سلال الثالثة عن جملة من العناصر، أولها أن الرئيس بوتفليقة لايزال يأمل في التحاق المعارضة بحكومة ما بعد رئاسيات 17 أفريل المنصرم، تماشيا مع سياسية الانفتاح التي قال إنه سينتهجها في عهدته الرابعة. وبالتدقيق في أسماء الفريق الحكومي الجديد، يلاحظ غياب منطق "الكوطة" في منح الحقائب الوزارية، الذي كان سيدا في عهد التحالف الرئاسي. وإن كان ليس هناك في الدستور القائم ما يجبر رئيس الجمهورية على اختيار الوزراء من الأحزاب الحائزة على الأغلبية في البرلمان، إلا أن قرارا من هذا القبيل يدفع للتساؤل حول قرار حرمان الأحزاب التي دعمت العهدة الرابعة، مثل حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، وأحزاب عمار غول وعمارة بن يونس والتحالف الجمهوري، من حقائب وزارية كانت تبدو في متناولها، استنادا إلى الأعراف السياسية. ويبدو من خلال القراءة الأولية للتشكيلة الحكومية الجديدة، أن قرار الرئيس باستبعاد منطق "الكوطة الحزبية"، له علاقة بجملة من المعطيات التي تطبع المشهد السياسي، أولا كثرة الداعمين للعهدة الرابعة، ومن ثم صعوبة إرضائهم بعضوية الحكومة الجديدة، وثانيها وجود أكثر من طرف في حزب جبهة التحرير الوطني، انخرط في دعم العهدة الرابعة، كل تحت تسمية معينة، فعمار سعداني باعتباره أمينا عاما، وبلخادم باعتباره ممثلا شخصيا للرئيس المعاد انتخابه، وعبد الرحمن بلعياط باعتباره منسقا سابقا للمكتب السياسي.. وكان عبد المالك سلال، قد عرض على أحزاب محسوبة على المعارضة، مثل حزب العمال وجبهة القوى الاشتراكية، اللذان باتت مواقفهما أقرب إلى أحزاب الموالاة، من اجل المشاركة في الحكومة، غير أنهما رفضا، تماما كما حصل مع حزب جبهة المستقبل، التي يرأسه عبد العزيز بلعيد، المرشح الذي خاض سباق الرئاسيات الأخيرة واحتل المرتبة الثالثة. وتشير معلومات موثوقة إلى أن حالة من التذمر قد اجتاحت الأحزاب الداعمة للعهدة الرابعة، بسبب انحصار تمثيلها في الحكومة الجديدة، في الوقت الذي يرى متابعون أن حكومة سلال الثالثة، ليست إلا حكومة تصريف أعمال إلى غاية توصل السلطة والمعارضة إلى وفاق بشأن خارطة الطريق التي تحدث عنها الرئيس بوتفليقة في الكلمة التي ألقاها عقب أدائه اليمين الدستورية الأسبوع المنصرم، والتي من بين محاورها إقامة دستور توافقي يضمن فضاءات واسعة للمعارضة من أجل المشاركة في صناعة القرار السياسي. غير أن انكفاء المعارضة ورفضها التجاوب مع عروض السلطة، دفع بالأخيرة إلى الجنوح نحو إنشاء حكومة هجينة وصفت ب"الانتقالية" توكل لها مهمة التحضير للاستحقاقات المقبلة، والتي في مقدمتها تعديل الدستور المرتقب في الخريف المقبل على حد ما هو متداول، فضلا عن إمكانية حل المجلس الشعبي الوطني وإجراء انتخابات تشريعية مسبقة، كما تطالب بذلك المعارضة، لبناء مؤسسات قوية، تكون انعكاسا لنتائج تلك الانتخابات، بعد ما يكون الدستور قد حدد بدقة حدود صلاحيات مؤسسة الرئاسة والهيأة التشريعية، وآليات تشكيل الحكومة.