تثير محاولات السلطة إشراك أحزاب المعارضة في الحكومة المرتقب الإعلان عن تشكيلتها بقيادة الوزير الأول عبدالمالك سلال الكثير من التساؤلات بشأن نوايا السلطة لمرحلة ما بعد رئاسيات أفريل 2014 التي بدأت بالإعلان عن تعديل توافقي للدستور وتشكيل حكومة جديدة. لكن هل إصرار السلطة على إشراك أحزاب المعارضة في حكومتها القادمة سخاء أم احتواء؟ باشرت السلطة سلسلة من المشاورات غير المعلنة مع أحزاب المعارضة من كافة التوجهات والتيارات قصد استقطابها للمشاركة في الحكومة المرتقبة، إلا أن سرية اللقاءات لم تمنع فشل المحاولات التي قادها عدد من مقربي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لصالح توافق أدنى أو هدنة مع الغاضبين من نتائج الرئاسيات. فقد أعلنت جبهة القوى الاشتراكية أنها رفضت عرضا من السلطة لتولي رجالاتها حقائب وزارية، موضحة أن لها أجندتها وستبقى خارج الحكومة مثلما كانت خارج الرئاسيات، ونفس الموقف أعلنته حركة مجتمع السلم بقيادة عبد الرزاق مقري الذي يقود تيار المعارضة الجديدة التي تكتلت أو تحالفت مع مترشح الرئاسيات الأخيرة علي بن فليس والعديد من الشخصيات السياسية والوطنية، والتشكيلات الحزبية التي شككت في دعوات السلطة، معتبرة أنها محاولة التفاف يمكن وصفها بالاحتواء السياسي الذي تسعى برأي البعض أن تبدأه بإشراك التشكيلات السياسية التي يمكن أن يؤدي بقاؤها "خارج السرب" إلى صداع في رأس العهدة الرابعة التي يسعى أصحابها إلى أن تكون توافقية، ودون ضجيج سياسي يمكن أن يساهم أو يتسبب في عثرات بطريق عملية تعديل الدستور التي تعتبرها السلطة الحالية مدخل التوافق وتهدئة الشارع وتلطيف الأجواء السياسية بما يسمح لها بترتيب الأوراق دون أن يعكر ذلك الصخب السياسي الذي يمكن أن يربكها، حيث إن الحالة الصحية للرئيس لا تسمح بالتوتر. السلطة راغبة إذن في أن تلج برموز المعارضة نحو شراكة "حكومية"، قبل أن تتطور إلى توافق سياسي على دستور يمكن أن يضمن لها الهدوء السياسي بعيدا عن التوتر الذي تنسحب عليه رياح الربيع العربي، وهو ما لا تريده بأي شكل من الأشكال، حيث الضغوط الداخلية تزداد من يوم لآخر، لكن إن فشلت في احتواء المعارضة بواسطة السخاء المعلن، فإنها مجبرة على أن تذهب وحيدة نحو أجندة التعديل الدستوري وبحكومة خارج نطاق التوافق الوطني مما يؤدي إلى المزيد من المتاعب والأعباء، إذ أن للسلطة الكثير من الأوراق للعب على منحى اختراق صفوف المعارضة، وهي اللعبة التي نجحت فيها على مدار ربع قرن من عمر التعددية السياسية، عندما نجحت في احتواء المعارضة وجرها نحو شراكة سياسية، مثلما كان عليه الشأن في قضية سانت ايجيديو، ثم التحالف الرئاسي وغيرها من المحطات الثانوية الأخرى، وعليه، فإن استراتيجية السلطة هي السخاء في العروض لأجل الاحتواء، حيث لا يمكن لها التنازل في الوقت الراهن عن الكثير من المطالب، وإلا اختل ميزان التوافق بين أجنحتها.