في ندوته الخامسة التي خصصت لمناقشة الحراك السياسي في الجزائر: بين مشاورات السلطة ومبادرة المعارضة،الواقع والآفاق"، استضاف موقع الشروق أونلاين المحامي والسياسي مقران آيت العربي.. وقد كان المناضل الحقوقي وفيا لعادته في تحليل الأحداث بهدوء وروية السياسي الحكيم، ومنهجية ودقة رجل القانون، وصراحة الجزائري الجر الذي لا يخاف في ذلك لومة لائم. لم يخف السيد مقران آيت العربي تحفظه على تعامل السلطات مع الحريات وحقوق الانسان في الجزائر رغم أن الدستور والقوانين تضمن تلك الحريات وتكفلها.. والمشكل كما يراه ضيف الندوة يكمن في الممارسة وترجمة تلك الحقوق الدستورية على الواقع أو حتى في القوانين العضوية إذ عادة ما يحرص المشرع على تقييد تلك الحريات ومحاصرتها ليأخذ القانون أو تنفيذه باليسرى ما يمنحه الدستور باليمنى.. فالنصوص في الجزائر - يقول آيت العربي - في تحسن مستمر منذ 20 سنة لكن المشكل يكمن في الممارسات اليومية وفي بعض القوانين التي تكبل الحريات. آيت العربي لم يذهب من أبواب متفرقة ليؤكد أن حل الأزمة في الجزائر والخروج من حالة الانسداد الحاصلة في الساحة السياسية يكمن في لقاء السلطة والمعارضة في حوار بناء ومسؤول للتوصل إلى ما أسماه البرنامج الانتقالي الذي يعبد الطريق لتوافق وطني يضع مصلحة الوطن فوق المصالح الضيقة سواء للسلطة أو المعارضة.. وإذ رحب السيد آيت العربي بمبادرة المعارضة واعتبرها بداية جيدة لبلورة موقف يسهم في حلحلة الأوضاع إلا أنه ربط نجاح العمل السياسي بضرورة الابتعاد عن عقدة الزعامات، والتحرر من الإيديولوجيات والأفكار المسبقة.. وأكد السيد مقران آيت العربي على ضرورة الاستماع لصوت المواطن وإشراكه في العملية السياسية منددا بحديث الجميع سلطة ومعارضة باسم الشعب دون استمناع أي منهما إلى الشعب او الاقتراب منه للاستماع لطلباته وانشغالاتها وتوجهاته، محذرا من غضب شعبي لا يتمناه أحد خاصة وأن الجزائريين على خلاف الكثير من شعوب المنطقة لم يثوروا أبدا من أجل الخبز أو المطالب الاجتماعية كل ثوراتهم وانتفاضاتهم عبر التاريخ كانت سياسية مطلبية بامتياز..
النصوص جيدة لكن المشكل في الممارسات أكّد آيت العربي أن الدستور يعطي حقوقا ويمنح الحريات ويطلقها لكن مادة قانونية بإمكانها أن تقيد كل الحقوق وكل الحريات، لما تنص على أن "الحريات والحقوق تمارس في إطار القانون". وقال ضيف ندوة "الشروق أونلاين" إن أغلبية في البرلمان تأتي بقانون تقيد به كل الحريات مثال حرية التجمع والمسيرات السلمية. وفي رأي المتحدث فإن الدستور يمنح الحقوق والقانون يضمنها لكن عندما تُخضع الحريات لرخصة من الإدارة، أي من الوالي، تصبح حرية منعدمة تماما، ونجد أنفسنا أمام ما نسميه "حريات الواجهات" أي تسويق صورة للخارج فقط، بينما لابد أن ينص الدستور على أن الحريات العامة وحقوق الإنسان لا تخضع لأي تقييد من القانون. وحسب آيت العربي فإن التقييد الوحيد فيما يتعلق بالحريات والحقوق هو "حرية الغير والنظام العام" مثلما هو معمول به في الديمقراطيات الغربية، وأكّد أنه علينا أن نذهب إلى نظام التصريح بالنشاطات السياسية بما فيها تأسيس الأحزاب السياسية والجمعيات وعقد اجتماعات ومسيرات سلمية بدلا من الترخيص. وأورد آيت العربي مثالا فقال "عندما نجتمع في قاعة في دولة تحترم الديمقراطية لا نحتاج حتى إلى إبلاغ السلطات العمومية" وأضاف "بينما عندنا حتى الأحزاب في مؤتمراتها تحتاج إلى ترخيص، بل حتى قيادات الأحزاب عندما تجتمع تحتاج إلى رخصة ورأينا ما حدث بالنسبة لجبهة التحرير الوطني أثناء انقسامها وعقد مؤتمراتها". وذكر أنه "حان الوقت لنقول ان مشكلتنا لا تمكن في الدستور بل في الممارسات، فأنت عندما تأخذ آلة تصوير وتذهب لتصوير مقر البلدية فقط يقول لك الشرطي أعطيني رخصة.. والخلاصة أن مبدأ الديمقراطيات هو كل ما هو غير ممنوع فهو مباح أما في الأنظمة التسلطية فكل ما هو غير مرخص به فهو ممنوع" وقال أيضا "لا زلنا نعيش في عهد تعددي بأفكار الحزب الواحد، فبالنسبة للسلطة المفترض هو السوء دوما لا الخير، فالسلطة تشك في كل الناس، وهذا المفترض، ثم تبدأ عملية التصنيف وهذه هي ثقافة الحزب الواحد وأفكاره وهذا معروف منذ عهد الحزب الواحد".
حوار غير مشروط بين السلطة والمعارضة وحده كفيل بالخروج من الانسداد قرن السياسي والحقوقي، مقران آيت العربي نجاح مساعي السلطة والمعارضة في الوصول إلى حلول للأزمة، بضرورة حصول تنازلات من الطرفين، والمسؤولية - في رأيه- يتحملها الجميع، "فلا مشاورات السلطة حول الدستور بإمكانها تحقيق دستور توافقي، ولا ندوة تنسيقية الانتقال الديمقراطي تستطيع تحقيق التغيير المطلوب". ويرى مقران آيت العربي أن السلطة لم تتحدث عن إصلاحات ولا عن تعديل الدستور ما عدا قرارها القاضي بفتح العهدات سنة 2008، إلا بعد أحداث الربيع العربي، "فالإصلاحات التي أعلنها الرئيس بوتفليقة في 2011، لم تكن سوى ضربات وقائية من أحداث الربيع العربي". ويعتبر القوانين التي صدرت سنة 2012 كنتيجة للإصلاحات المعلنة في 2011، جاءت مناقضة للقوانين السابقة، في كثير من المجالات، ولاسيما مجال الحقوق والحريات التي قيدت بشكل أكبر. ويوضح مقران آيت العربي أن الرئيس بوتفليقة أراد أن يعدل الدستور سنة 2012، لأن سنة 2008 قال فيها بأن التوازنات الكبرى داخل السلطة آنذاك لم تكن تسمح بأكثر مما قامت به، وبعد رئاسيات 17 أفريل 2014 اكتشفت السلطة أثناء الحملة الانتخابية، أن الشعب يريد أشياء جديدة، فأقرت الذهاب إلى مشاورات حول الدستور، والمعارضة التي قاطعت الانتخابات، تكتلت فيما بعد في إطار تنسيقية الانتقال الديمقراطي، ودعت إلى الندوة التي عقدت في 10 جوان، ولذلك لا بد أن نتوقف عند مبادرة السلطة ومبادرة المعارضة. لايمكن تحقيق تغيير ديمقراطي دون مشاركة السلطة ويذكر ضيف منتدى "الشروق أون لاين" أنه اقترح قبل الانتخابات الرئاسية، أن تلتقي السلطة والمعارضة في نقاش مفتوح بلا شروط مسبقة، ويتوسع هذا النقاش ليصبح إجماعا أو توافقا"، لكن الذي حصل "هو أن المعارضة طالبت بمرحلة وحكومة انتقاليتين، وبقي السؤال مطروحا، من يعين حكومة المرحلة الانتقالية، وهل يمكن تحقيق انتقال ديمقراطي دون مشاركة السلطة". ويضيف" على السلطة أن لا تكتفي باستشاراتها وتقول لقد وصلت إلى دستور توافقي، وعلى المعارضة أن لا تكتفي بندوتها، وعلى الجميع أن يتحاور، لأن التوافق لا يأتي إلا من طرف كل المهتمين والفاعلين، والراغبين في التغيير الديمقراطي السلمي". على السلطة والمعارضة الاستماع للشعب يحمل آيت العربي كل من السلطة والمعارضة مسؤولية إيجاد مخارج للانسداد الحاصل، ويقول "المسؤولية مبدئيا يتحملها الجميع، لأن السلطة عليها أن تفهم بأن الشعب الجزائري كله يطالب بالانتقال الديمقراطي السلمي، ولا يوجد من الجزائريين من يريد العودة للعنف والخروج للشارع"، ويتابع "إذا السلطة فهمت أنه ينبغي استغلال هذه المرحلة، فإنه من الواجب عليها أن تتحاور مع المعارضة، وعلى المعارضة بدورها أن تستمع للشعب، فكل من السلطة والمعارضة يتحدث باسم الشعب، لكن الشعب لم يتكلم ولا أحد من الطرفين استمع إليه". إذا لا بد من حوار بين السلطة والمعارضة، وأفضل القول "حوار" هادئ بين الأشخاص، بدل "مفاوضات"، لأن الحوار يكون مفتوحا وبدون شروط مسبقة من أي طرف، ولنجاح هذا الحوار لا ينبغي العودة إلى الماضي، مثل الحديث عن عودة الفيس، وحسب ما ألاحظ فقد أرادت السلطة أن تستقطب بعض قيادات الفيس، والمعارضة حاولت أيضا إقحام الفيس عن طريق قيادات أخرى، وأصبح لكل "شيوخه ولكل فيسه"، ومحاولة بعض أطياف المعارضة جعل من ندوة الانتقال الديمقراطي المنعقدة يوم 10 جوان جسرا للعودة إلى سانت إيجيديو، ولذلك أنا قلت لهم خلال الندوة " لماذا لا ترجعون إلى الأندلس" بما أن الكل يريد العودة للماضي.
تنسيقية الانتقال الديمقراطي نواة لمعارضة قوية أكد المحامي والحقوقي، مقران آيت العربي، إن التغيير السلمي المنشود في الجزائر لا يمكن حدوثه بمعزل عن السلطة ودون موافقتها، مضيفا أن إقصاء السلطة من التغيير لا تتعلق بالأفراد وإنما بالنظام ككل. وأوضح آيت العربي أن هناك إجماعا حاليا على ضرورة التغيير بطريقة سلمية عكس ما كان في الماضي، مشيرا إلى أن مسألة استجابة السلطة للتغيير الذي تنادي به المعارضة قضية موازين قوى بين الطرفين فقط. وقال إن الشيء الملاحظ حاليا هو سير المعارضة في اتجاه والسلطة في اتجاه مغاير وكل يريد فرض نظرته لطريقة حل المشاكل في المستقبل، مضيفا أن المرحلة بين فيفري 1989 وديسمبر 1991 عرفت حكم نفس الأشخاص لكن الجزائر تنفست من ناحية الحريات والحقوق كذلك الحال بالنسبة للطبقة السياسية والمجتمع المدني والقضاء. وضع ميكانزمات الشفافية قبل الحديث عن حل البرلمان والانتخابات المسبقة ورفض المحامي مقران آيت العربي الحديث عن مرحلة انتقالية وإنما برنامج انتقالي يتعلق باتفاق السلطة والمعارضة حول برنامج للعمل سويا للتوصل بعد 6 أشهر أو سنة إلى توافق مبني على الحوار. وانتقد المتحدث المنادين بحل البرلمان وتنظيم انتخابات مسبقة، قائلا إن المشكل لا يكمن في هاذين المطلبين لكن في وضع ميكانزمات لضمان نزاهة وحرية الانتخابات وبغياب هذه الميكانزمات فلا جدوى من حل البرلمان وتنظيم انتخابات مسبقة، مضيفا أن السلطة حاليا تزور الانتخابات وتختفي وراء إعلان المجلس الدستوري، في حين تبقى المعارضة ضعيفة فيترشح شخص غير معروف حتى في حيه إلى الانتخابات الرئاسية ثم يندد بالتزوير، مؤكدا على ضرورة الوصول إلى وضع ميكانزمات بحيث من يفوز في الانتخابات تكون له الشرعية الشعبية ومن لم يفز يبقى في المعارضة التي ستكون قوية وقادرة بعد 5 سنوات على تقديم البديل. علاقة السلطة بالمعارضة "هنيني نهنيك" واستغرب من الوضع الحالي الذي يربط السلطة بالمعارضة وقال "لا السلطة حاليا تقلق المعارضة ولا المعارضة تقلق السلطة"، واصفا الوضعية ب"حنا في حنا" أو وضعية "هنيني نهنيك" في إشارة إلى حال المعارضة والسلطة في الجزائر. وأفاد الحقوقي مقران آيت العربي، بأن السلطة حاليا معروفة بمؤسساتها حتى وإن كانت مراكز صنع القرار يشوبها بعض الغموض، في حين تبقى المعارضة غير معروفة وهو ما يتطلب وضع مقياس "التفرقة" لمعرفة المعارضة مثلما هو الحال في الدول الغربية حيث يوجد اليمين واليسار في فرنسا والديمقراطيون والجمهوريون في الولاياتالمتحدة والعمال والمحافظون في بريطانيا. واستطرد بقوله إن هناك تداخل في التيارات السياسية في الجزائر بين الإسلاميين والديمقراطيين والوطنيين وهو ما يؤدي إلى الغموض بسبب استيعاب كل ايديولوجية لأفكار إيديولوجيات أخرى. وقال آيت العربي إنه وفقا لمعيار التفرقة يمكن تقسيم التيارات السياسية في الجزائر إلى قسمين: الأول يسمى قوى المحافظة على النظام القائم والثاني قوى التغيير وهي موجودة داخل السلطة والمعارضة على حد سواء، وكل من يريد التغيير يجب أن يعبر عن موقفه حتى إن كان داخل السلطة وفي حال توفر شروط الحوار التوافقي يمكن للمعارضة والسلطة أن تصلا إلى توافق مهم وحقيقي وديمقراطي وسلمي. وحول إمكانية ان تكون تنسيقية الانتقال الديمقراطي نواة لمعارضة قوية وحقيقية بعد تمكنها من جمع مختلف أطياف المعارضة في الجزائر، قال المحامي مقران آيت العربي إن الأمر ممكن جدا بعدما حققت ندوة الانتقال الديمقراطي أرضية تتقاسمها مع الشعب والمجتمع المدني بشرط أن تتخلى عن مشكل الزعامات والتخلي عن الإيديولوجيات جانبا والبحث عن نقاط العمل المشتركة وماذا يمكن لكل طرف أن يقدم للجزائر، وتكريس ثقافة التنازل لصالح الجميع، مشيرا إلى أن القضية قضية شعب ومن واجب السلطة إخراجه إلى بر الأمان. أقترح ندوة ثانية في سبتمبر المقبل مع الدخول الاجتماعي وكشف مقران آيت العربي أن ندوة ثانية سيتم عقدها اقترح تسميتها بندوة "الوضوح" لكي يلتقي الجميع وجها لوجه لتحديد الأهداف وتسليط الضوء على نقاط الظل ووضع الأوراق فوق الطاولة وليس تحتها دون مزايدات باسم الإسلام او الوطنية لأن الجزائر أعطت الجميع كل شيء – يقول المتحدث -. أما عن موعد الندوة فقال الحقوقي آيت العربي إنه يقترح ندوة ثانية في شهر سبتمبر المقبل مع الدخول الاجتماعي واستغلال المرحلة التي تسبقها لتوسيع الاتصالات وأخذ رأي المواطنين وشرح القضية من خلال اجتماعات ولقاءات والتحاور مع الشعب والقاعدة النضالية للأحزاب، حتى تتضح الرؤية أكثر ويتم الذهاب إلى الندوة الثانية. وبخصوص مشاركة السلطة في الندوة الماضية أو المقبلة قال مقران آيت العربي إن السلطة حاليا منشغلة بمشاوراتها وهي تختار من تشاور ولا نستطيع أن نسألها في ذلك، كما أن المعارضة منشغلة بندوتها وكل طرف يعمل في اتجاه، مؤكدا على أهمية إيجاد تقارب بين السلطة والمعارضة للوصول إلى عقد ندوة وطنية تجمع السلطة والمعارضة لطرح الأفكار وتبيان نقاط الاتفاق والاختلاف للخروج بحل توافقي يرضي الجميع.
مستقبل جزائري مُشرق مرهون بتوافق يُلغي الحسابات ذهب الناشط السياسي والحقوقي البارز "مقران آيت العربي" إلى أنّ رسم مستقبل سياسي مشرق في الجزائر، "ممكن لكنه مرهون بالتوافق وتقاطع إرادة السلطة والمعارضة"، وأبدى آيت العربي تفاؤلا بفرص الجزائر في الخروج من النفق إذا جرى "إلغاء الحسابات" وتمّ "الاتجاه للشعب"، منوّها بقدرة الجزائريين على حل المشكلات ب"شكل سريع وبسيط". وجزم ضيف الشروق بأنّ "شروط بسيطة كفيلة بانتقال السلطة والمعارضة إلى مرحلة ديمقراطية"، مضيفا: "إذا توفرت إرادة السلطة والمعارضة، وانتفت الحسابات، فإنّ الجزائريين قادرون على حل المشكلات وسيتسنى التوصلّ إلى اتفاق في ظرف قصير، خلافا لاستمرار كل طرف في واد على حدى". وعن رؤيته لمستقبل الحراك السياسي في الجزائر وتطوراته، ذهب العضو السابق في مجلس الأمة إلى أنّ "أنا واقعي ومتفائل بإنتاج توافق، والمسؤولية يتحملها الجميع في سبيل انتقال ديمقراطي سلمي"، مشددا على "الاتجاه للشعب، وحتمية سماع صوت الجماهير من لدن السلطة والمعارضة على حد سواء، وتقاسم الأرضية مع الشعب والمجتمع المدني سيما وأنّ الاختلاف يثري ثقافة المجتمع". بشأن السيناريوهات الممكنة لمستقبل الجزائر السياسي وما يترتب عن توليفة التوازنات التي دأب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على اجترارها منذ خطاب 14 أوت 2005، أوعز المحامي المخضرم: "لا أحبّذ كلمة تفاوض، بل الذهاب إلى حوار للاتفاق على الاهمّ بالنسبة للجزائر"، مضيفا: "التغيير السلمي لن يكون إلاّ بموافقة السلطة"، متصورا أنّ القضية "قضية نظام وليست قضية أشخاص داخل النظام"، مقلّلا من اثر رفع مبادرة من لدن المعارضة بقوله :"ذلك لا يكفي، ينبغي أن يكون هناك حوار بين الطرفين". وبعيدا عن مؤدى ندوة الانتقال الديمقراطي و"توليفة" المشاورات الدستورية، ألّح آيت العربي على ضرورة الذهاب إلى ما سماها "ندوة الوضوح"، شارحا: "لقاء بين السلطة والمعارضة هو السبيل الأمثل للخروج من الوضع الراهن، بينما استمرار كل طرف في الانغلاق على نفسه لن ينتج شيئا"، محذرا من إمكانية نشوب "انتفاضة الكرامة في ديارنا وذاك دأب الجزائريين، وليس انتفاضة الخبز مثلما حصل عند غيرنا"، وأبدى توجسا من كون "السلم الاجتماعي مبني على برميل نفط استمراريته ليست بأيدينا"
على هامش الندوة "من أجل هذا انسحبت من الأرسيدي ومن مجلس الأمة" قال آيت العربي إن انسحابه من "الأرسيدي" يعود إلى قناعات شخصية "كان هناك اتفاق لكن آخرين في الحزب مشوا في اتجاه آخر، وأنا فضلت الطريق الأول، وعليه اخترت الانسحاب، فلم أشكل حزبا وانسحبت قبل 22 سنة ولم التحق بحزب آخر أيضا". أما عن قصة انسحابه من مجلس الأمة، فقال "اتصل بي الرئيس السابق اليامين زروال وتحدثنا لمدة 40 دقيقة، تحدثنا عن البلاد وأمورها وعن تأسيس مجلس الامة، فقال لي أعرض عليك منصبا في مجلس الأمة وأعطيك منبرا للتعبير عن أفكارك في إطار الدستور فوافقت لعهدة من 6 سنوات بقيت 3 سنوات رأيت فيها أمورا كثيرا.. وأنا بصدد تأليف كتاب من هنا إلى نهاية السنة". وقال آيت العربي إن البرلماني الجزائري يسافر في مهام باسم الدولة الجزائرية إلى الخارج من أجل مصالحه الخاصة والامتيازات وليس من أجل الجزائر والواجبات. وأضاف "عادة ما تكون الرحلة إلى الخارج رحلة ممتعة.. فالإقامة على نفقة الدولة ومصاريف الرحلة بالعملة الصعبة لذلك يتزاحم كثيرون من أجل الظفر بها". وأورد محدثنا قصة قال فيها "اتصل بي بومعزة بصفته رئيسا لمجلس الأمة بمناسبة انعقاد اجتماع اتحاد البرلمانات العالمية، وقال لي أحتاج من يساعدني في الندوة، فقبلت.. كانت هذه سفريتي الرسمية الأولى والأخيرة.. وقد رأيت عجبا". وأورد المتحدث أن الإقامة كانت في فندق فخم والمصاريف لكل فرد كانت 10 آلاف فرنك فرنسي، وقال "لدي صورة الوفد الجزائري اثناء الاجتماع.. الصورة تظهر شخصين فقط في الوفد أنا وشخص آخر، والبقية كلهم كانوا في مهام سياحية.. بومعزة كان مشغولا بمهمة برتوكولية لذلك تعذر عليه الحضور وقتها". داخليا، قال آيت العربي إنه حضر مأدبة مع وفد أجنبي على طاولة واحدة قدّر أن تكلفتها تعادل أجرة عامل مدة 50 شهرا "لقد بقي كل شيء على ما هو عليه، من أسماك ولحوم مما لذ وطاب.. لقد قدمت استقالتي من عضوية لجنة العلاقات الخارجية بعدما علمت أن مصاريف مجلس الأمة لشهر أوت بلغت 8 ملايين دينار.. لقد صرفت على أعضاء من المجلس". وذكر المتحدث أن أحداث الربيع الأسود ومقتل 123 شابا في منطقة القبائل برصاص الدرك الوطني كان وراء استقالته نهائيا من مجلس الأمة، حيث استغرب انقلاب عضو في المجلس عن شهادته التي أيدت ما خلص إليه تقرير قدمه آيت العربي أمام الثلث الرئاسي في المجلس حمل فيه المسؤولية الكاملة للدرك الوطني، وقال آيت العربي "هذا الشخص تراجع وذكر عكس ما قاله في البداية بعدما رأى كيف برر زملاؤه في المجلس والتمسوا العذر والمبررات لما قام به الدرك، لذلك تراجع حيث علم أن هناك تسجيلا وأنا التسجيل سيعرض على المخابرات". "هناك صراع بين الجماعات في السلطة.. لكنهم متفقون على البقاء" قال آيت العربي، ردا على سؤال حول وجود صراع في هرم السلطة، إن هناك مشاكل داخل الجماعات الحاكمة وصراعا حول النفوذ "لكنهم متفقون حول البقاء في السلطة. وأضاف أن كل ما يمكن أن يؤدي إلى التغيير أو بقاء جماعة واحدة دون الأخرى فهذا متفق عليه بينهم، لأن بقاء جماعة واحدة سيؤدي إلى مأساة.. وختم يقول "هناك خلافات تموقع بينها، هناك جماعات ومراكز القرار وكل هؤلاء يضغطون للحفاظ على مناصبهم وامتيازاتهم.. هناك صراع بين هيئة وهيئة لكنهم متفقون ضمنيا". غير مسموح ل"الفيس" العودة باسمه وبشخصياته اعترض آيت العربي على عودة قيادة الفيس التاريخية في حزب واحد مهما كان اسمه، وقال إن هذا لن يسمح للجزائر بالمسير إلى الأمام لأن "الدماء لم تجف بعد، والمتهمون من الفيس والسلطة لا زالوا متورطين في المأساة الوطنية"، لكنه لم يعارض أن تشكل شخصيات من الفيس أحزابا بأسماء مختلفة. وقال آيت العربي إن شعبية "جبهة الإنقاذ" توقفت في 1992، والشعبية لا توضع في الثلاجة، كما قال "شعبية الفيس لم تبق ومن يظن أنها لا تزال فهو مخطئ ولا يعرف المجتمع الجزائري الذي تغير كثيرا". واعترض المتحدث على منع قيادات "الفيس" من المشاركة في الحياة السياسية في الجزائر، وقال إن من حق هؤلاء أن يساهموا في التغيير الديمقراطي السلمي بما أنهم مواطنون بشرط "أن ينبذوا العنف ولو كان لفظيا وأن يتخلوا عن فكرة الدولة الإسلامية، لأننا في دولة مدنية علمانية". وأضاف آيت العربي "شيوخ الجبهة لا يزالون أحياء، ولا بد أن يراجعوا مواقفهم ولا بد أن يتخلوا عن العنف وفكرة الدولة الإسلامية ومفهوم الإمارات، نحن لدينا دولة مدنية وبرلمان يسن القوانين والشعب نحتاجه في الاسفتاء" وقال أيضا "الإسلاميون فكر والجزائري مسلم في عقيدته وعلماني في حياته السياسية اليومية وهي تحتاج إلى ميكانيزمات وتفكير". وقال آيت العربي إن شيوخا من الفيس قالوا له إنهم ظلموا، فخاطبهم "اصبروا، وسيعود إليكم حقكم، لكي ليس الآن..". محاكمات الفساد في الجزائر "تصفية حسابات" جزم المحامي المخضرم "مقران آيت العربي" أنّ محاكمات قضايا الفساد في الجزائر لا تزال تندرج في خانة "تصفية الحسابات"، وقال إنّ الأمر ظلّ كذلك منذ قضية كوادر سيدار الشهيرة في أواسط تسعينيات القرن الماضي. لاحظ آيت العربي الذي سبق له المرافعة في عديد قضايا الفساد، أنّه " في تلك المحاكمات تمت التضحية بكوادر تقنية ومالية وإدانتهم دون أدلة، رفقة والي واحد وحيد، فيما جرى استبعاد الوزراء والسفراء"، واستدلّ ضيف "الشروق أون لاين" بقضية "سيدار" المثيرة للجدل واعتبرها "نموذجا لما وقع"، حيث انفجرت القضية إياها إثر رسالة بعث بها وزير العدل آنذاك إلى النائب العام لمحكمة عنابة. واعتبر آيت العربي ضحايا قضية سيدار بأنهم "ضحايا المرور من اقتصاد اشتراكي إلى آخر ليبرالي"، مشيرا أنّ "أحمد أويحيى" أفاد في شهادته أمام القضاء أنّه "طلب رفع ملفات الفساد إلى العدالة فحسب"، ومع ذلك جرى "المرور إلى محاكمات على السريع ودون تحقيقات وبأخطاء عديدة اتكأت على كون أحد المتابعين زوجته فرنسية وآخر درس عند الآباء البيض" (..). "قضية الخليفة بقيت في الطابق الأرضي" في الشق المتعلق بقضية مجمع الخليفة المصفى، شدّد آيت العربي على أنّ الشوط الأول من تلك المحاكمات (جانفي – مارس 2007) "بقيت في الطابق الأرضي"، وربط "بروز أسماء ثقيلة" في الشوط الثاني المرتقب في الثلث الأخير من السنة الجارية ب"مصالح المتهّم الأول في القضية وهو رفيق عبد المؤمن خليفة". وانتقد آيت العربي كون محاربة الفساد لا زال "واجهاتيا"، مبرزا "غياب إرادة سياسية لمواجهة الفساد"، وربط الأمر رأسا ب"عدم استقلالية القضاء" و"تداخل أمور كثيرة في أي قرار قضائي" في بلد يتم فيه "نقل القضاة تحت غطاء المصلحة العامة ما يفقد أصحاب الجبب السوداء ماهية الاستقلالية". الخليفة سيدافع عن نفسه حسب ما تقتضيه مصلحته قال مقران آيت العربي أن محاكمة رفيق عبد المؤمن خليفة المنتظرة بمحكمة الجنايات بالبليدة، ستكون مختلفة عن المحاكمة التي جرت للمتهمين في القضية سنة 2007، معتبرا الفارق في كون الخليفة سيحاكم هذه المرة بمفرده، وهو أمام خيارين تفرضهما عليه مصلحته، فإما أن يقوم بإقحام وتوريط أسماء مسؤولين في القضية، وإما أن يكتفي بالرد عن التهم المنسوبة إليه، دون أن يذكر أسماء أخرى، قد يكون ذكرها في غير مصلحته. عبد المومن خليفة لن يتم تسليمه لفرنسا إلا بموافقته قال المحامي مقران آيت العربي إن تسليم عبد المومن خليفة الموجود بأحد سجون الجزائر والمتهم في قضايا اختلاس لم يتم تسليمه إلى فرنسا لمحاكمته طبقا لقانون تسليم الموقوفين الموقع بين الجزائروفرنسا، وأن تسليم خليفة لن يكون إلا بعد موافقته على ذلك. القضاة يفضلون تطبيق التعليمات عن القانون قال المحامي مقران آيت العربي إن القضاء في الجزائر يبقى بعيدا عن الاستقلالية رغم ان الدستور أقر مواد قانونية تنص على ذلك. وأضاف آيت العربي أن القاضي حاليا لا يستطيع أن يكون مستقلا عن السلطة التنفيذية لأن الاستقلالية قبل كل شيء فكر ومعتقد بينما القضاة اليوم تملى عليهم الأوامر والتعليمات ويحبذون تطبيق هذه الأخيرة على تطبيق القانون. وخلص إلى القول بأن الاستقلالية كلمة دون معنى بفعل تدخل أطراف خارجية في عمل القضاة مثل المال، مشيرا إلى وجود قضاة حاليا ينتمون إلى أحزاب سياسية وهو أمر ممنوع ومخالف للقانون. هيئة قسنطيني لا يرجى منها شيء انتقد المحامي مقران آيت العربي أداء الهيئة الوطنية الاستشارية لترقية والدفاع عن حقوق الإنسان التي يرأسها فاروق قسنطيني، وقال إن أعضاء اللجنة موظفون بمرسوم رئاسي بينما يفترض أن يكون ملف حقوق الإنسان متعلق بقضية إرادات فردية تلتقي في جمعيات وهيئات مستقلة عن السلطة. وأضاف أن هيئة قسنطيني تعتبر هيئة أنشأتها السلطة للدفاع عنها ولا يرجى منها شيء، مشيرا أن مشاكل وتجاوزات متعلقة بحقوق الإنسان حدثت ولم تدافع عنها اللجنة الإستشارية لحقوق الإنسان. وذكر المحامي آيت العربي ما وصفه بتناقضات رئيس اللجنة فاروق قسنطيني لما دافع عن عن إلغاء عقوبة الإعدام في جنيف بينما يؤيد العقوبة عندما يتحدث عنها في الجزائر. لا لفزّاعة الأقليات قلّل الناشط السياسي والحقوقي البارز "مقران آيت العربي"، من أثر المخاوف المثارة حول "حقوق الأقليات في الجزائر"، وردّد واثقا:" لا ينبغي الخوف من الأقليات، الأهمّ هو انصهارها في منظومة المواطنة"، معارضا بالمقابل قيام ما نعتها "دولة كهنوتية دينية". ردا عن سؤال ل"الشروق أون لاين" عما بات ينتاب مسألة الأقليات من ضجيج في الجزائر، تصورّ آيت العربي أنّ الجزائر تستوعب بالفعل عديد الأقليات العرقية والدينية، لكن لا ينبغي التعاطي مع الأمر ب"عقلية الخوف"، بل "بالحرص على استفادة هذه الأقليات من هامش الحريات والعمل على صهرها في "قالب مواطناتي متكامل". المتطرفون محلهم الديمقراطية ومجتمع الحريات خاض آيت العربي في مسألة "الإسلام دين الدولة"، ملاحظا أنّ "الأمر يحتاج إلى نقاش"، فبيان الفاتح نوفمبر تحدث بوضوح عن "إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية"، وذهب ضيف "الشروق أون لاين" إلى أنّ "المسألة لا ينبغي أن تتحوّل إلى دولة كهنوتية دينية بل دولة مدنية اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية". وعن حراك "جماعة الماك الانفصالية في منطقة القبائل" و"دعوات البعض لتدخل غربي لحماية الأقليات في غرداية"، ذكر العضو السابق لمجلس الأمة أنّ "الجماعات المتطرفة أينما كانت، محلها الديمقراطية ومجتمع منفتح قوامه الحريات، لأنّ التطرّف غالبا ما يتفاقم في المجتمعات التحكمية"، مستطردا: "الوحدة الوطنية مهددة، لكن ينبغي الحذر، فدعوات الحكم الذاتي واللامركزية ينبغي أن تعالج في إطار فكري، والحل يكمن في احترام كل المواطنين واختلافاتهم بموجب الدستور والمسالمة والسلم".