يؤكد الزعيم السابق لحركة مجتمع السلم أبو جرة سلطاني، أنّ حمس ليست في حالة حرب مع مؤسسات الدولة، ورغم كونها خرجت للمعارضة منذ 2012، فقد أعادت ربط علاقاتها مع السلطة، من خلال تكييف خطابها وممارساتها في الآونة الأخيرة، بل أصبح ذلك "علامة مميزة" لها داخل تنسيقية الانتقال الديمقراطي، مثلما يرى سلطاني. وفي حواره مع جريدة "الشروق"، يكشف وزير الدولة السابق أنه سيكون في خدمة الجزائر، لو تطلبت الظروف الوطنية وجوده في أي موقع رسمي، معتبرا أن تحركاته السياسية من موقع "الشخصية الوطنية" لا يتعارض مع الانضباط الحزبي، لأنه يفرق بين الرأي الحر والقرارات الشوريّة، على حدّ قوله. هذا، ويقدّم أبو جرة سلطاني تشخيصه للوضع العام في البلاد، وما مدى مسؤولية جميع الأطراف، سلطة ومعارضة، محذّرا بهذا الصدد، من تمرير الدستور المرتقب دون "توافق وطني"، كما يشدّد على ضرورة فتح الحوار، والذي يبقى على عاتق رجال الحكم، لأنهم يملكون مفاتيح الحلّ. أثارت مبادرة مجموعة 19 شكوكا وردود أفعال عنيفة حول طلبها مقابلة رئيس الجمهورية لتتأكد من حقيقة قدرته على اتخاذ القرارات، أم أن محيطه يحجب عنه الحقائق، كيف تقرؤون خلفيات هذه المبادرة؟ بعد مرور أسبوع على هذه العاصفة السياسية وانسحاب بعض الموقعين على المبادرة وكشف آخرين للمخبوء، صار سهلا أن نقرأ الخلفيات التي توحي بأن المبادرة انطلقت من إحساس صاحب الفكرة بعزلة سياسية، فهي رسالة إعلان عن وجود أكثر منها طلب لمقابلة، لخمسة مبررات منطقية، فأولها غرابة وجود بعض أصدقاء الرئيس ضمن الموقعين، وثانيها الإصرار على ربط الطلب بالذكرى التاريخية التي تجمع جميع الجزائريين، وثالثها الاتهام المباشر لمحيط الرئيس بحجب الحقيقة عنه والتحدث باسمه، ورابعها توريط أسماء ثقيلة في لعبة "لجنة تقصي الحقائق"، وخامسها أن المجموعة أصدرت أحكاما خطيرة وطلبت مقابلة الرئيس لتأكيد صحتها، فهل طلب مقابلة يحتاج هذا الحشد من المعلومات ورصد هذا الكم من الأحكام الخطيرة، إن صحت وتأكد الرأي العام منها. ما هي هذه الأحكام الخطيرة؟ الوثيقة التي بحوزتنا تتضمن خمسة أحكام ثقيلة على الوضع السياسي القائم، وهي: التخلي عن السيادة الوطنية والاستقلال، انحلال مؤسسات الدولة، استبدال التسيير المؤسساتي بتسيير مواز معتّم وغير قانوني وغير شرعي، تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي، تدهورا خطيرا، التخلي عن الإطارات الجزائرية، جهل الرئيس بما يجري حوله، وكلها أحكام ثقيلة تدين الواقع برمته وتتهم محيط الرئيس بشكل مباشر وصريح. هل يفهم من هذه الأحكام الخمسة الذهاب إلى تحريك المادة 88 من الدستور، إذا تم التأكد من صحتها؟ هم يقولون إن هذا المطلب غير وارد في المبادرة، وإنما الهدف منها فك العزلة عن شخص الرئيس، وإعلامه بأن بعض المحيطين به يخفون عنه حقائق خطيرة رغبة في توسيع نفوذهم والتحضير الدقيق لما بعد 2019 . لماذا كان رد فعل أحزاب الموالاة عنيفا، ولماذا تولوا الإجابة نيابة عن الرئيس؟ لأنهم شعروا أن ما جاء في مضمون المبادرة تهمة موجهة لهم بشكل مباشر، فهم في نظر الرأي العام المقصودون بالتهم الخمس السالفة الذكر، فهم محيط الرئيس وبطانته، ومستشاروه وأعوانه، وإذا كان الرئيس يجهل بعض ما يجري حوله فإنهم هم الذين يخفون عنه الحقيقة، حسب مفهوم مبادرة 19، وإذا تأكد الرئيس من هذا فإنه سوف ينتفض، وقد يطلب مقابلة المجاهدة السيدة بيطاط لمكانتها التاريخية ليسمع منها ما جاء في المبادرة من أحكام ثقيلة تدين محيط الرئيس بشكل مباشر، ولذلك لجأوا إلى وسائل الإعلام لإشهار مبادرتهم لما لم يتلقوا ردا عليها؟. هل من أجل هذه الأسباب رفضتم التوقيع عليها والمشاركة مع هذه المجموعة؟ ليس من أجل هذا فحسب، وإنما بسبب ما حملته من إشارات محرجة توحي بأن الرئيس يعيش عزلة تشبه السطو على الصلاحيات، ثم بسبب السرعة التي تمت بها صياغتها ولهدفها أيضا، فالذي يريد مقابلة الرئيس لا يحتاج إلى فريق من الشخصيات الوطنية كان عددهم سوف يصل 40 شخصية، تدعم هذا الطلب، وعندما أريد أنا مثلا إيصال صوتي لرئيس الجمهورية فإن القنوات المؤدية إليه معروفة، وقد ذكر أحد أبرز الموقعين على الوثيقة أن أطرافها متفقون على المبادئ ومختلفون حول الأجنْدات الخاصة بكل فرد منهم، وهذا التشتت لا يضمن لها النجاح المأمول مهما صنعت من دوي إعلامي بسبب مشروعية المطلب ووزن بعض الشخصيات الموقعة عليها. تعرّفون جوهر الأزمة اقتصاديا بينما المعارضة بما فيها حمس تراها سياسية، لماذا تركزون على الجانب الاقتصادي؟ السياسة والاقتصاد توأمان، لكن النظام الريعي لا تعرّيه إلاّ الأزمات الاقتصادية إذا صارت انعكاساتها على الجبهة الاجتماعية ضاغطة، فالذي دفع إلى أحداث 5 أكتوبر 1988 هو الكساد الاقتصادي الناجم عن تدهور أسعار النفط سنة 1986، والوجه البارز اليوم في الأزمة هو جانبها الاقتصادي الذي إن استمر إلى ما بعد 2017 فسوف يعرّي سياسة الاعتماد على المورد الواحد، وسوف يشعر المواطن بخطر تداعيات أسعار النفط على قدرته الشرائية، عندئذ سوف يفهم أن السياسة ليست برامج وخطبا وبيانات فقط، وإنما هي منصب عمل ورغيف خبز وسكن ونقل وصحة وكرامة مواطن وتنويع مصادر وتحويل ريوع المحروقات إلى استثمارات منتجة واقتصاد متكامل وسيادة وطنية وحريات وعزة وكرامة. كشف رئيس الجمهورية في رسالة أول نوفمبر عن معالم التعديلات الدستورية المرتقبة، هل تعتقدون أنها كافية لطمأنة المعارضة وإشراكها في صناعة المستقبل؟ المعارضة لا يطمئنها الدستور المرتقب لأنها لم تشارك في صياغته ولا في المشاورات حوله، ومطالبها صارت معلومة وواضحة، وقد حصرتها في مطلب واحد كبير هو تأسيس هيئة وطنية مستقلة لتنظيم الانتخابات والانتقال الديمقراطي المتفاوض عليه، أما الدستور فلم يعد في أولوياتها الظرفية. هل ترى أنه من المقبول أخلاقيا حكم المعارضة على نوايا الرئيس بالفشل والتشكيك في الإرادة السياسية التي عبر عنها أكثر من مرة، حيث دعاها إلى المشاورات حول الدستور فرفضت، وأرسلت له ما صار يعرف بأرضية ما زافران؟ الأخلاق السياسية لا تتجزّأ ولا تقبل القسمة على اثنين، فإما أن تكون ثقافة سائدة بين المتعاملين السياسيين جميعا، وإما أن تتخلف فيتآكل بسبب ذلك رصيد الثقة، وهذا هو الذي حصل بين السلطة والمعارضة منذ بداية إصلاحات سنة 2011، وما تلاها من تلاعب بجوهر تلك الإصلاحات مما أسّس لحالة من الاستقطاب الحاد بين سلطة لا تعترف بمعارضة وتتهمها بانتهاج سياسة الأرض المحروقة، ومعارضة لا تعترف بسلطة وتصفها باحتكار الثروة وتزوير الانتخابات وشراء السلم الاجتماعي ومصادرة إرادة الشعب، وهو ما يجعل اللعبة السياسية مغلقة بممارسة الطرفين أساليب حوار الطرشان وتبادل الاحتكار وتكريس القطيعة والذهاب إلى حالة انسداد شامل. إذا استمر هذا الوضع، هل ترون تمرير الدستور لاستكمال الإصلاحات وتدشين عهد الدولة المدنية أمرا ممكنًا؟ هذا هو السيناريو الأسوأ الذي إذا تمّ، في غياب حوار سياسي مسبق وتوافق وطني متفاوض عليه، سوف يجعل ميلاد الدستور قيصريا، لسوف تتنصل منه المعارضة وتعتبره دستورا مفصلا على مقاس السلطة وسوف ندخل في مرحلة المطالبة بدستور للشعب لا دستور للسلطة، مما سوف يضيّع على الجزائر فرصة إضافية لبناء دولة تسع الجميع سلطة ومعارضة وحياديين. إذا كان "التوافق الوطني" المطلوب هو الحاضر الغائب، فمن هو في رأيكم المسؤول عن هذا الوضع؟ المفاتيح كلها بين يدي السلطة، ولو أرادت أن تجمع أبناء الجزائر على توافق واسع لأوجدت آليات هذه الإرادة السياسية، ويومها سوف لن يتخلف عن المساهمة في البناء الوطني إلاّ من أقصى نفسه، ولذلك فالمسؤولية مشتركة بين الجميع، لكن القسط الأكبر يتحمله من بأيديهم أختام الدولة والذين يسهرون على صيانة الدستور وتنفيذ ما جاء فيه من حقوق وواجبات، ولا سيما في المواد الصماء منه. برأيكم، ما هو السبيل الأمثل للخروج من وضع المراوحة وغياب الثقة إلى الوضع الطبيعي للدولة المنشودة؟ الحوار، فلا بديل عن الحوار إلاّ الحوار، فالسلطة التي لا تحاور مواطنيها تدفع بهم إلى التطرف، والمواطنون الذين لا يحاورون دولتهم يحملونها على أن تشكك في نواياهم الحقيقية الكامنة وراء عدم اعترافهم بشرعية وجودها الفعلي، وهذا ما يعمق الفجوة بين سلطة نافذة بسياسة الأمر الواقع ومعارضة رافضة لهذا الواقع، والحل الذي يخرج الطرفين من هذا الانسداد هو تنازل السلطة عن بعض نفوذها لخدمة الاستقرار بإشراك المعارضة في صناعة القرار وتنازل المعارضة عن بعض مطالبها لتوسيع هامش المناورة السياسية من أجل الصالح العام، فإقصاء الآخر ليس بطولة، إنما البطولة توحيد الجهد واستيعاب الجميع لمواجهة الأخطار المحدقة بالوطن في الداخل والخارج، فالجزائر فوق السلطة وفوق المعارضة. هل هذا السيناريو ممكن؟ بل هو السيناريو الوحيد الذي صار مصلحة وطنية مشتركة، أدعو الجميع إلى تقديرها والالتفاف حولها قبل فوات الأوان، لأنه إذا فرقتنا البحبوحة المالية خلال السنوات الذهبية لحكم الرئيس بوتفليقة بين 99 - 2012، فيجب أن تجمعنا السنوات العجاف 2016 - 2019 لرص صف الوحدة الوطنية وفاءً لرسالة الشهداء. يعيب عليكم بعض قيادات حركة مجتمع السلم حديثكم عن مبادرة لإصلاح أوضاع الحركة من الداخل دون أن تقدموا شيئا، فهل شعرتم أنّ اللعبة مغلقة داخل مجلس الشورى؟ ما دمتم تتحدثون عن الإصلاح من الداخل، فإن مؤسسات الحركة على علم بما تبذله كثير من القيادات الوطنية والمحلية مشكورة، لمواكبة التحوّلات المتسارعة وإعادة تكييف الخط السياسي بما يتلاءم والمصلحة الوطنية المحققة، والحمد لله أن هذا الأمر لم يعد "طابو" في ممارساتنا في الواقع ولا في خطاب القيادة، بل إن إعادة ربط العلاقة بين الحركة ومؤسسات الدولة قد صار العلامة المميزة للحركة داخل تشكيلة تنسيقية الانتقال الديمقراطي، وهي الخطوة التي باركناها واعتبرناها تطويرا في الخط السياسي فرضته التحوّلات الجارية في محيطنا الإقليمي وواقعنا الوطني، ومازلنا نسعى إلى توسيعها وتعميقها لتصبح قناعة مشتركة. سمعنا أنكم عرضتم مبادرة على المكتب الوطني بعد دورة مجلس الشورى الأخيرة، ما هي خطوطها العريضة؟ هذه مسائل تنظيمية نعالجها داخليا، ونعتبرها جزءا من المداولات التنظيمية في أدبيات الحركة، والكشف عنها للرأي العام يفقدها صفة النصح، فما أقدمه من نصح لقيادة الحركة هو جزء من واجبي كرئيس سابق لها يسعده أن يرى حركته كبيرة تنافس الكبار وتناطح القامات الفارغة وتسابق على المراتب الأولى، لخدمة المصالح العليا لهذا الوطن الغالي، هذا هو أملي الكبير. أنتم منضبطون بقرارات مؤسسات الحركة، ولكنكم من جهة أخرى أصحاب علاقات واسعة بصفتكم "شخصية وطنية"، كيف توفقون بين الأمرين؟ لا أعتقد أن القرارات الجادة التي تصدر رسميا عن مؤسسات الحركة تتناقض مع المساعي الفردية التي تصب في المصلحة الوطنية، وحتى لو حدث ذلك، وهو نادر جدا، فالمخرج منه هو الاحتكام إلى مجلس الشورى الوطني، لأنني أفرق بين الرأي الحر المكفول لكل مناضل وبين القرار الصادر عن مؤسسات الحركة. حتى يفهم القارئ هذه الإجابة بشكل عملي، فسّر لنا كيف ستردون على مبادرة جبهة التحرير الوطني وحزبكم يرفضها، ألا يتناقض هذا مع موقفكم كحزب في المعارضة؟ لا تناقض، فمن يرسل لك رسالة، لابد أن ترد عليه ولو بالنفي، ولذلك سوف أدرس هذه المبادرة، وأوجه لأصدقائي في جبهة التحرير رسالة شكر على التقدير والاحترام، وقد أضمّن الرسالة بعض ما أراه واجبا وطنيا من منطلق أن إرسال رسالة مثل السلام، إفشاؤه سنّة ورده واجب، وقد حيّانا إخواننا في الجبهة تحية سياسية سوف نرد عليهم بأحسن منها. وبالمناسبة أدعو السلطة القائمة إلى فتح حوار جاد مع كل القوى السياسية لتأمين مستقبل الأجيال في ظرف تعرف فيه الساحة العالمية تحوّلات لا تبعث على الارتياح. دعونا نفترض أن رئيس الجمهورية يقدر أن من مصلحة البلاد دعوتكم بصفتكم شخصية وطنية، إلى منصب حكومي أو مسؤولية وطنية، ماذا سوف يكون ردكم؟ عندما تشبّ النيران في وطني لا أنتظر من يدعوني لأساهم في إطفاء نيرانه، وعندما تتهدده الأخطار من الداخل أو الخارج، لا أحد يُعلمني كيف أدفع حياتي ثمنا ليحيا وطني، فحركة مجتمع السلم ليست في حرب مع دولتها وأدبياتها ما زالت تدعو إلى التعاون على علاج جراحات هذا الوطن الذي حرره جميع الجزائريين ويبنيه جميع الجزائريين ويشارك في إدارة شؤونه جميع الأكفاء من أبنائه وبناته، لكن الفرق واضح بين من يركب ظهر الوطن ومن يحمل الوطن فوق ظهره. نفهم من كلامكم أن الحركة ما زالت على الخط السياسي الذي رسمه لها مؤسسها المرحوم الشيخ نحناح؟ هذا هو الرابط بين جميع مناضليها، فإذا خرجت عن فكره عليها أن تغير اسمها وترفع شعارات أخرى غير التي قامت عليها، فالحركة لا تعارض النظام لأنه نظام، وإنما تعارض ما فيه من فساد وانحراف وظلم وفشل، وأذكر أن أحد المتطرفين قال للشيخ نحناح (رحمه الله) : أنت مع النظام، فرد عليه الشيخ: نعم أنا مع النظام ضد الفوضى، هذه هي المدرسة التي أعتز بالانتماء إليها.