لم تمر الأحداث التي عاش المجلس الشعبي الوطني على وقعها بحر الأسبوع الجاري خلال جلسة المصادقة على قانون المالية 2016، دون أن تخلف ارتدادات على المشهد السياسي.. تطورات اعتبرها متابعون مؤشرا على مواصفات طبيعة المرحلة المقبلة. ففي واحدة تعتبر الأولى من نوعها في تاريخ التعددية، تحوّل المجلس الشعبي الوطني إلى حلبة مصارعة، تبادل خلالها النواب الضرب بالأيدي والأرجل، وأعيق رئيس الغرفة السفلى عن ترؤس الجلسة، ومنعت مقررة لجنة المالية والميزانية من تلاوة التقرير التكميلي.. ولم يعد الهدوء إلى القاعة، إلا بعد أن نشر الغسيل وتجاوزت "الفضيحة" أسوار قبة البرلمان. وبينما اعتبر الأمين العام للحزب لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، ما حدث مظهرا من مظاهر الديمقراطية الناشئة، وأن العديد من برلمانات العالم، مثل برلمانات كل من روسيا وبولونيا وأستراليا، شهدت حالات مشابهة، غير أن نواب الأحزاب التي عارضت مشروع قانون المالية، لم تتردد في وصف ما حصل بأنه "بلطجة سياسية". وبالنظر إلى معطيات التمثيل النيابي في الغرفة السفلى للبرلمان، يمكن القول إن المعارضة أرادت تسجيل موقف للتاريخ فقط، طالما أنها تدرك أن القانون سيمر وفق ما أرادته الحكومة، في ظل إحكام أحزاب المولاة (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي)، قبضتها على الأغلبية المطلقة، غير أن الأحداث تطورت وأخذت منعطفات خطيرة. وإن انتهت الحرب بشأن قانون المالية وطوي الملف، فإن حربا ارتدادية أخرى قد بدأت بالفعل، وإن شرارتها قد أطلقها الأمين العام للحزب العتيد، بتوجيهه انتقادات لاذعة إلى الأحزاب التي عارض نوابها قانون المالية، فاقت السقف المحدد، وطالت على وجه التحديد زعيمة حزب العمال، لويزة حنون، التي ستستغل الفرصة بدورها كي ترد أملا في استرداد ما بقي لها من كرامة سياسية وإيديولوجية مهدورة. ويبدو أن الخلافات السياسية بين الموالاة من جهة، و"المعارضة المعارضة" و"المعارضة الموالية" (كما سماها سعداني)، وصل حدا من الخطورة بات ينذر بكشف الكثير من الأسرار والفضائح، التي ظلت مطمورة طيلة أزيد من عقدين من الزمن، وقد يتفاجأ بها الجزائريون في ما هو قادم من أسابيع. فالقضية برأي زعيم الأغلبية البرلمانية تتعدى الأحزاب المتعاركة، إلى الأجندات والعصب التي تتحرك من خلف الستار، بحيث لم يتردد سعداني في إدراجها ضمن تداعيات التغييرات التي أجراها الرئيس بوتفليقة على جهاز الاستعلامات والأمن، وإعادة هيكلة صلاحياته، وهي وإن كانت سابقة لأحداث مبنى زيغود يوسف، إلا أن الأخيرة تعتبر فصلا من فصول صراع يعود إلى عام 2013. ولعل ما يدفع الوضع إلى التعقيد أكثر، هو أن العراك السياسي الراهن، يأتي في ظرف خاص، طبعته إدانة أحد أبرز رجالات المؤسسة العسكرية بخمس سنوات سجنا نافذا، ممثلا في شخص ذراع جهاز المخابرات الكلف بمحاربة الإرهاب، عبد القادر آيت وعرابي، المعروف باسم "الجنرال حسان"، وكذا متابعة القائد السابق للحرس الرئاسي، العميد المتقاعد جمال كحال مجدوب، أمام العدالة العسكرية. وفي ظل مثل هذه المعطيات المثيرة، تبدو الأحداث متشابكة بشكل يصعب فصل الواحد عن الآخر، الأمر الذي من شأنه أن يخرج الصراع السياسي عن سكته المعهودة، إلى منعرج قد تستعمل فيه "الأسلحة غير التقليدية"، مثل ما حدث في خطاب الرجل الأول في الأفلان أمام أعضاء مكتبه السياسي. فالعودة إلى الحديث عن اغتيال الرئيس الراحل، محمد بوضياف، وإن كان مشروعة بالنظر إلى جسامة الحادثة سياسيا حتى وإن طوي الملف قضائيا، إلا أنها تؤشر على أن الأيام المقبلة ستشهد مزيدا من النبش في قضايا قد تكون طويت قضائيا لكنها بقيت حية سياسيا، ولعل الأمثلة كثيرة ويصعب حصرها.
المعارضة ترفع للرئيس رسالة بأسماء الرافضين وتعقد اجتماعا مغلقا: لن نستقيل من البرلمان.. والمسؤولية يتحملها السيناتورات أفضى اجتماع الكتل المعارضة بالمجلس الشعبي الوطني لقانون المالية لسنة 2016، برفع عريضة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة تضم أسماء النواب المعارضين لنص المشروع بما فيهم نواب من الآفلان والأرندي والأحرار، مناشدين إياه بعدم التوقيع على القانون، مؤكدين تمسكهم بمقاعدهم. وتم الاتفاق في اجتماع الكتل المعارضة، على رفع عريضة لرئيس الجمهورية تطالبه بالتدخل لوقف مهزلة قانون المالية، وقرار النواب المحسوبين على المعارضة تبرئة ذمتهم ورمي الكرة في ميدان مجلس الأمة، لوقف المشروع والمواد الخطيرة التي وردت فيه، حيث أكد رئيس الكتلة البرلمانية لتكتل الجزائر الخضراء عبد الرحمان بن فرحات ل"لشروق": "أن اجتماع الكتل الخمس المعارضة جاء كخطوة ثانية، لاستكمال مسار النضال لوقف تمرير مشروع قانون المالية". وأفاد بن فرحات أن الرئيس هو الوحيد الذي بإمكانه وقف ما أسماه بهذه المهزلة، خاصة وأن جلسة التصويت على القانون كان مطعون في شرعيتها، وهبة نواب المعارضة على - حد قوله يوم التصويت كانت بهدف حماية اقتصاد البلاد وجيب المواطن. من جانب آخر، أكدت الكتل البرلمانية الخمس، أنها لا تفكر في الاستقالة من البرلمان، باعتبار أنه بقي المؤسسة الوحيدة التي تعبر فيها عن وجهة نظرها، وأن استقالتها ستخدم السلطة فقط.
نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني بهاء الدين طليبة المعارضة قامت بكرنفال.. والمشادة مظهر ديمقراطي يرى النائب عن حزب جبهة التحرير الوطني، نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني، بهاء الدين طليبة، أن ما حدث في الغرفة السفلى خلال التصويت على مشروع قانون المالية 2016، أمر ديمقراطي متعارف عليه في برلمانات العالم، مؤكدا أن ما حصل كان محاولة من قبل المعارضة، التي كانت تعلم بهزيمتها مسبقا، لجلب الإعلام ومحاولة كسب مشاعر المواطنين. وقدر طليبة أن المادة 66 فهمت بشكل خاطئ وربما في ذلك قصد. كيف تعلقون على ما جرى في المجلس خلال عملية التصويت؟ نواب المعارضة كانوا على علم بأنهم منهزمون مسبقا ولذلك أثاروا الفوضى في محاولة لمواجهة الإعلام وجلب الأنظار، وهم على دراية بالقانون ويعلمون أن الموارد المالية للبلاد نقصت ولذلك وجب اتخاذ إجراءات للبحث عن التوازن المالي، رغم أن الزيادات كانت طفيفة مقارنة بدول أخرى خاصة ما تعلق بالبنزين مثلا، فالجزائري أصبح يذهب لشراء الخبز على بعد أمتار قليلة من بيته باستعمال السيارة. وأؤكد أن أحزاب المعارضة قاموا ب "سينما" وكرنفال لا أكثر ولا أقل، لجلب الإعلام وكسب مشاعر المواطنين لكن المواطن يعي الأحداث جيدا، ويعرف حقيقة القاعدة الشعبية لهؤلاء على غرار قاعدة حزب العمال. معنى هذا أنكم تحملون المعارضة المسؤولية لوحدها فيما حدث؟ هم وحدهم يتحملون مسؤولية ما حدث وهم من مارس التعنيف الذي جاء من طرفهم فقط، بعد أن رفض المجلس منحهم نقطة نظام ولكن الكلمة أعطيت لهم فيما بعد. وأعتقد أن مندوبي أصحاب التعديلات، على غرار رمضان تاعزيبت وآخرين، لم يصوتوا حتى على التعديلات التي اقترحوها هم بأنفسهم، وهو أمر صار معروفا ومألوفا عند نواب هذا الحزب، فكيف نحن الأغلبية نقوم بالتصويت عليها؟ هذا أمر غير معقول. أنتم كأغلبية متهمون ب "بيع الدولة" للخواص حسب المعارضة. ما ردكم؟ هناك سوء فهم للمادة 66 من قانون المالية 2016. هذه المادة تستثنى منها الشركات الاستراتيجية الكبيرة على غرار كل من سوناطراك وسونلغاز وشركة الخطوط الجوية الجزائرية، وغيرها من الشركات الكبرى. أما المؤسسات التي تواجه صعوبات مالية وفي كل مرة تساعدها الدولة فهي معنية، لكن مع ذلك تبقى رقابة مجلس مساهمات الدولة. وهناك شروط منها الحفاظ على النشاط واستمراريته والمحافظة على العمال وعدم تسريحهم. إذن المادة 66 لم تفهم جيدا وفسرت على أن المؤسسات ستكون للبيع في السوق بمجرد حلول الفاتح من جانفي وهذا لا أساس له من الصحة. أنتم تحوزون الأغلبية المطلقة. فلماذا تسلمون صلاحيات المجلس للجهاز التنفيذي "المادة 71"؟ هذه المادة منحت الحرية لوزارة المالية لتحويل أموال المشاريع القطاعية من قطاع إلى قطاع، ومن ولاية إلى ولاية حسب الأولوية في المشاريع، فليس من المعقول أن أموال مشروع معطل منذ سنوات تبقى مجمدة ولا يمكن المساس بها، بينما مشروع آخر في قطاع آخر بولاية أخرى يعاني ولا يجد الأموال المخصصة له والمواطنون في أمس الحاجة إليه ولذلك جاءت هذه المادة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الإجراء مقترن بإرسال تقرير مفصل إلى اللجنة على مستوى البرلمان ويتم لاحقا مناقشته بالتفصيل داخل اللجنة كل 3 ثلاثة أشهر مع وزارة المالية، وهناك محاسبة دقيقة لتحويلات الأموال، ولا يوجد أي تنازل عن الصلاحيات بل الإجراء عبارة عن متابعة وتدقيق فقط. هناك من يعتبر ما حصل في الغرفة السفلى إهانة للجزائر ما تعليقكم؟ ما حصل في البرلمان الجزائري موجود ومتعارف عليه في العديد من برلمانات العالم، وهم (يقصد المعارضة) "زادوا عليها" كما يقال بالعامية، ولكن نحن سيطرنا على الوضع بهدوء وسيرنا الجلسة برزانة كذلك، ومر القانون بسلاسة بفضل الأغلبية العددية التي نحوزها. وأعيد وأكرر أن ما حصل أمر ديمقراطي موجود في برلمانات العالم وهو أمر صحي.
رمضان تعزيبت النائب والقيادي في حزب العمال الأفلان أغرى النواب بمناصب قنصلية مقابل تمرير القانون قال القيادي في حزب العمال، النائب رمضان تعزيبت إن قيادة الأفلان سلطت ضغوطا رهيبة على نوابها الرافضين لتمرير قانون المالية، وأغرتهم حتى بمناصب قنصلية، مقابل تمرير القانون، واتهم رئيس المجلس محمد العربي ولد خليفة ووزير المالية، عبد الرحمن بن خالفة بالتواطؤ ضد مؤسسة دستورية (الغرفة السفلى). لماذا انزلقت جلسة التصويت على قانون المالية، وهل انعدمت وسائل الاحتجاج أمام المعارضة فحدث ما شاهدناه من فوضى..؟ منذ بداية دراسة القانون على مستوى لجنة المالية ومناقشته في الجلسة العلنية تم الاتفاق على احترام قانون المجلس، غير أن اللجنة ألغت عدة مواد من مشروع القانون منذ الدراسة الأولية (المادة 71 مثلا) المتعلقة بمنح وزير المالية الصلاحيات الكاملة لتجميد اعتمادات أو تحويلها من قطاع إلى آخر، الشيء الذي يعد خرقا للدستور وتعدي على صلاحيات الهيئة التشريعية وسطو على صلاحيات رئيس الجمهورية. لقد تمّت ممارسة كل أنواع الضغط على أعضاء لجنة المالية خاصة نواب جبهة التحرير الوطني واستعمال الابتزاز والرشوة السياسية باقتراح مناصب سامية حتى منصب قنصل، كما هدّد عمار سعداني النواب بعدم إعادة ترشيح كل نائب يصوت ضد قانون المالية. وللأسف رفض رئيس المجلس الاستماع لكل النواب المعارضين لهذا ورفض إعطائنا نقطة نظام في بداية جلسة التصويت على قانون المالية ورفض إجراء تحقيق في هذه التجاوزات الخطيرة والرجوع لتسجيلات اللجنة المرئية والمسموعة. إذن، أمام هذا الانزلاق حاولنا بكل قوانا نواب حزب العمال وتكتل الجزائر الخضراء وحزب جبهة القوى الاشتراكية وحركة البناء وآخرون التعبير عن سخطنا ورفضنا لهذه العملية الانقلابية الخطيرة على الأمة. هذا القانون إذا تمّ التوقيع عليه من طرف رئيس الجمهورية سوف يقضي على جميع مؤسسات الاستقلال سيضع الممتلكات العمومية بين أيدي الأولغارشية. لكن رئيس كتلة الأفلان محمد جميعي يتهمكم بعدم الامتثال لقواعد اللعبة الديمقراطية، ما تعليقكم على ذلك...؟ بالشروحات السابقة والمؤكدة يتبين جليا أن هذا النائب قام رفقة بعض من زملائه الوكلاء بتواطؤ مع رئيس المجلس الشعبي الوطني ووزير المالية بانقلاب حقيقي على مؤسسة دستورية للدولة الجزائرية، قادها من داخل المجلس لصالح الأوليغارشية. سمعنا الكثير من الانتقادات للقانون من طرف نواب الافلان لكن بعد ذلك دخل الجميع بيت الطاعة، كيف حصل ذلك..؟ لاحظ كل الصحافيين الحاضرين أن عدد معتبر من نواب الآفالان خرجوا من جلسة التصويت وآخرين تغيبوا ولم يتحملوا التصويت على هذا القانون بالرغم من الضغوطات الكبيرة التي مورست عليهم. والبعض منهم غادروا معسكر الانبطاح على المباشر لمعسكر المقاومة الرافض لإخضاع بلادنا للأولغارشية والمؤسسات الأجنبية التي ستستحوذ على كل الاقتصاد الوطني بتواطؤ اللوبيات المحلية. عدد من نواب الأفلان رجالا ونساء ذرفوا الدموع عندما ردد نواب المعارضة النشيد الوطني للتعبير على مساس قانون المالية 2016 بمكاسب بالثورة الجزائرية والاستقلال الوطني. إذن، لم يصادق على هذا القانون كل نواب الأفلان وهذا ما جعل الأوليغارشية ووكلائها في المجلس تمرره بقوة وتخرق الدستور. بينت الأوليغارشية أنها ستستعمل زيادة لنفوذها كل الوسائل الانقلابية للاستيلاء على كل دواليب السلطة في بلادنا. ماذا ينتظر الشعب من نواب المعارضة بعد تمرير قانون المالية وهل انتهت " المعركة" مع الحكومة...؟ لأول مرة منذ الاستقلال ومنذ 1997 (أول مجلس تعددي) توحدت أحزاب المعارضة في المجلس الشعبي الوطني من أجل مقاومة هذا القانون وتوجهه الخطير، ورافعت من أجل الدفاع عن القدرة الشرائية للمواطنين وبقاء الدولة والدفاع عن ملكية المؤسسات العمومية والأموال العمومية، وسيستمر العمل معا من أجل إسقاط قانون المالية 2016.