كشفت مراجع إعلامية روسية، الاثنين، عن اختفاء قنبلتين نوويتين أمريكيتين قبالة سواحل الجزائر في حادثة وقعت في العاشر مارس 1956، ولا تزال غير معروفة التفاصيل، تماما مثل حوادث المفاعلات والقنابل والطوربيدات المزودة برؤوس نووية التي جرى رميها وإهمالها إبّان سنوات الحرب الباردة من لدن الدول النووية العظمى. في تقرير نشره موقع "روسيا اليوم" عن صحيفة "لينتا رو" الروسية، تواجدت الجزائر ضمن قائمة ضمت عدة بلدان شهدت حوادث متعلقة بمحاذير الأسلحة والتكنولوجيا النووية. وأفيد أنّه في العاشر مارس 1956 اختفت قاذفة أمريكية من طراز B-47 فوق البحر الأبيض المتوسط قبالة الساحل الجزائري، وكانت تلك القاذفة مشحونة بقنبلتين نوويتين، وجرى إبراز أنّه حتى الآن لم يعثر أحد على الطائرة ولا القنبلتين. ويعدّ الكشف الأول من نوعه، ويستدعي الكثير من التمحيص والبحث في مرحلة كانت فيها الجزائر ترزح تحت نير الاحتلال الفرنسي البغيض، ولم يسبق للطرف الفرنسي أن تطرق إلى فقدان القنبلتين النوويتين الأمريكتين اللتين لا يمكن فصلهما عن معضلة النفايات النووية السامة التي تختزنها الصحراء الجزائرية منذ ستة عقود خصوصا في مدى إضراره بتوازنات الإنسان والبيئة والحيوان ، وحقيقة الإشعاعات النووية المزمنة التي لا تزال تحصد ضحاياها، وخلّفت جيلا مشوّها وستستمر تهديداتها إلى ما يزيد عن 24 ألف سنة قادمة. سموم اليرابيع عرفت منطقتا "رقان" و"تمنراست" والبلدات التابعة لهما (1600 و1800 كلم جنوبي غرب الجزائر)، سبعة عشر تجربة أجراها الفرنسيون هناك ما بين 13 فيفري 1960 و16 نوفمبر 1966، وتسببت بمقتل 42 ألف جزائري وإصابة آلاف الآخرين بإشعاعات، وأضرار كبيرة مست البيئة والسكان. وسبق ل "عمار منصوري" الباحث في الهندسة النووية، أن كشف عن استخدام الجيش الفرنسي آلاف الجزائريين وعناصر من اللفيف الأجنبي كفئران تجارب، إضافة إلى حيوانات وحشرات وطيورا وبذور نباتات مختلفة، في تلك التفجيرات التي حملت مسميات "اليرابيع الزرقاء والحمراء والبيضاء والسوداء". وأتت تلك التجارب على الأخضر واليابس، وكانت بذلك أشد وطأة على سكان الجهة الجنوبية مخلّفة آلاف الوفيات والإصابات، بينما تعيش آلاف العائلات في مناخ ملوث بالإشعاعات، ولفت دارسون إلى أنّ قوة القصف النووي بلغت آنذاك 30 كيلوطنًا، ورغم انقضاء عشرات السنين على تلك التجارب النووية، إلاّ أنّ قطر منطقة "إينكر" لا يزال مُشّعا بصفة حادة ما دفع السلطات لحظر الدخول إليها، كما أنّ المساحات التي استهدفها الإشعاع كانت شاسعة وأكبر من المتوقع ومتداخلة التأثيرات، في صورة ما أكدته أبحاث بشأن مادة البلوتونيوم الأكثر تسميما وتلويثا، وما يتصل بانتشار أمراض العيون وتراجع الولادات وعقم الأشجار جرّاء الاشعاعات التي ستبقى تأثيراتها لوقت طويل ويمكنها أن تنتقل إلى أجيال قادمة.
كوارث لا تزال معتّمة سجّل "كريستوف جانو" وهو أحد قدماء الجنود الفرنسيين أنّ التجارب كانت كوارث نووية بكل المقاييس، إذ فاقت قوتها التفجيرية أربعة أضعاف ما خلفته قنبلتي هيروشيما وناغازاكي في الحرب العالمية الثانية، بدليل أن مجموع قوة ثماني تجارب وصل 234 كيلوطنا من المتفجرات، خلال فترة هبوب الرياح الرملية بالصحراء، وهو ما تؤكده بيانات تاريخية محفوظة. وفي تصريحات سابقة، أقرّ "جانو" بأنّ مواطنيه لم يكتفوا بإجراء تجارب نووية على عينات من مختلف الحيوانات والأشجار، بل أجروا أيضا هذه التجارب على 150 سجينا بينهم حوامل وأطفال وشيوخ، واستعملت أجهزة خاصة للتمكن من تحديد مفعول التفجيرات وإشعاعاتها على الكائنات الحية والنباتات والمياه، بالرغم من المعارضة الدولية لهذا النوع من التجارب بالنظر إلى خطورتها وما ينجرّ عن سرعة انتشار السحاب النووي عبر العالم وهو ما حدث فعلا حيث امتد الى العديد من الدول كليبيا واسبانيا والبرتغال. وأكّد أبناء منطقة "رقان"، إنّ الجراثيم النووية حوّلت مناطق اشتهرت بهدوئها الكبير وجمالها الخلاّب، ووفرة غطائها النباتي وثروتها الحيوانية ودوراتها الايكولوجية المتعاقبة، إلى مصدر لخطر متواصل وركام للخردوات والرمال المتحجرة ومستنقع تنبعث منه الإشعاعات النووية، ما دفع إلى تسييج المنطقة ومنع دخولها لأنّ الخطر لا يزال قائما سواء على صحة الأشخاص والحيوانات والبيئة عموما. واستنادا إلى بحث ميداني، فإنّ منفذي التجارب لم يبالوا بجملة من العوامل الواجب أخذها بعين الحسبان كخصوصيات المناخ ومتغيراته من قوة الرياح وغيرها، مثلما لم يتم مراعاة فترة هبوب الرياح الرملية، وهي محاذير أدت بحسب الخبيرين "برينو باريلو" و"غاستون موريزو" الذين زارا الجزائر قبل عقد، إلى انعكاسات مدمّرة تشهد عليها قمة تاوريرت وضواحيها.
جراثيم "بيريل" تتقاطع بيانات جمعية "13 فيفري" لضحايا التجارب النووية، مع إفادات "ميشال فيرجي" رئيس جمعية ضحايا التجارب النووية والحقوقي "أبراهام بيار"، في إماطة الغطاء عن تداعيات القنبلة النووية المسماة "بيريل" التي فُجرّت تحت الأرض في الفاتح ماي 1962، وفشلت تاركة ورائها سحابة كبيرة من الإشعاعات التي لوثت البيئة و أثرت على السكان، لا سيما مع امتناع الجانب الفرنسي عن تطهير مناطق التجارب على غرار "تاوريرت"، "تافدست"، و"إينكر". وتحدث "حاج عبد الرحمان لكصاصي" رئيس جمعية ضحايا التجارب النووية، على التشوهات الخلقية المستفحلة لدى المواليد الجدد، كصغر حجم جماجمهم أو ما يصطلح عليه طبيا ب''ميكرو سيفالي'' أو تضخمها ''ماكرو سيفالي''، فضلا عن زوال مظاهر فصل الربيع في المناطق التي خضعت للتجارب، وتراجع عمر الإبل إلى أقل من 20 سنة، وحتى. بهذا الصدد، يذكر لكصاصي أنّ المحرقة البيئية ابتلعت عائلات نباتية بأسرها، وأصيب الأشجار بالعقم كالفستق البري والزيتون الصحراوي، كما تسببت سموم الإشعاعات في تلويث عموم الجيوب المائية، ما كانت له تبعات جسيمة على شريان الحياة في جهات تتسم بمناخها الجاف. ويذكر شهود لا زالوا أحياء، أنّه منذ ذاك التفجير "لم يروا خيرا"، حيث تفاقمت الوفيات دون أعراض مرضية معروفة، بجانب كثرة الحساسية الجلدية عند السكان المحليين، بجانب فقدان البصر والسمع والأمراض التنفسية، وظهرت أعراض غريبة على المرضى، منها ظاهرة صعوبة تخثر الدم عند الجرحى، والحساسية المفرطة عند الأطفال بعد إجراء بعض التلقيحات.
تاريخ أسود تقول معلومات "لينتا رو" أنّ الأمريكيين تركوا في مياه المحيط غواصتين نوويتين، وحصل الحادث الأول في العاشر أفريل 1963 خلال التجارب في أعماق المحيط الأطلسي، حين غرقت الغواصة "دراس" (مزودة بمفاعل نووي واحد) على مسافة مائتي ميل شرق "كيب كود"، ولا تزال تلك الغوّاصة موجودة في عمق 2560 متر. وفي 22 ماي 1968، اختفت غواصة "سكربيون" (مزودة بمفاعل نووي وطوربيدين نوويين) في شمال المحيط الأطلسي وعُثر عليها لاحقا في عمق ثلاثة آلاف متر، وعلى بعد 740 كم جنوب الغرب جزر الأزور، ولم تتضح أسباب غرقها حتى الآن. وقبل ذلك، انطلقت في الرابع عشر فيفري 1950، قاذفة B-36 من ولاية ألاسكا في محاكاة ضخمة لضربة نووية ضد الاتحاد السوفياتي السابق، واستخدمت "سان فرانسيسكو" كهدف، وكانت القاذفة تحمل قنبلة نووية من طراز Mk.IV بعد انتزاع شحنة البلوتونيوم من الرأس القتالي ولكن في القنبلة بقي غلاف من اليورانيوم المعدني و5 آلاف رطل من المتفجرات. ودخلت الطائرة منطقة أحوال جوية سيئة فوق البحر قبالة ساحل كولومبيا البريطانية وتغطت بالجليد وتوقفت عن العمل ثلاثة من محركاتها الست، وعندما شاهد الطاقم ذلك قام برمي القنبلة التي انفجرت وبعد ذلك تركوا الطائرة وهي تهوي في مياه المحيط. وبتاريخ 28 جويلية 1957 توجهت طائرة نقل عسكرية من طراز C-124 نحو أوروبا وهي تحمل 3 قنابل نووية وقنبلة رابعة مجهزة برأس البلوتونيوم، قبالة سواحل ولاية "نيو جيرسي"، وبدأت الطائرة تفقد قدرتها بعدما توقف محركان من أصل أربعة عن العمل واضطر الطاقم إلى رمي قنبلتين من القنابل الثلاث وذلك على مسافة 100 ميل من أتلانتيك سيتي. وفي الخامس فيفري 1958، اصطدمت مقاتلة F-86 في الجو قرب سافانا (ساحل ولاية جورجيا) بقاذفة إستراتيجية من طرازB-47، وهوت المقاتلة فيما تمكنت القاذفة من العودة إلى القاعدة بعد أن اضطرت لرمي قنبلة نووية حرارية من طراز Mk.15 (طاقتها التفجيرية 1.7 ميغا طن) في مياه الأطلسي ولا تزال فيه. وفي الخامس ديسمبر 1965، بالقرب من أوكيناوا وخلال عاصفة بحرية شديدة انزلقت من سطح حاملة طائرات "تيكونديروجا" قاذفة A-4 سكاي هوك مع قنبلة نووية تكتيكية وغرقت في عمق 4900 متر، ولم يقر البنتاغون بذلك إلا في عام 1989. وفي السابع جانفي 1966 اصطدمت قرب بالوماريس الإسبانية قاذفة B-52G مع طائرة للتزود بالوقود KC-135 ونتيجة لذلك، سقطت 4 قنابل نووية حرارية من نوع Mk.28 (B28RI) بما في ذلك 3 على الأرض مع انهيار اثنتين وتسرب البلوتونيوم وتلويثه للأراضي والرابعة في البحر، ورفعت بعد 81 يوما من هناك.