لم يكن انتصار ترامب، الذي سيقود الولاياتالمتحدةالأمريكية لفترة أربع سنوات، انتصاراً لشخصه ولحزبه الجمهوري فقط، ولكنه انتصار لبعض الأحزاب المتطرفة في أوروبا، ومنها على وجه الخصوص حزب "الجبهة الوطنية" في فرنسا الذي ظل على مدار عقود منذ تأسيسه من جون ماري لوبان، مجرّد مكمِّل لقوائم انتخابية فقط، ولكن الفرصة سنحت الآن، وبقوة لزعيمته الحالية التي تقوده منذ اعتزال والدها عام 2011 المحامية مارين لوبان، التي عاشت أمس فرحة العمر ورأت نفسها قريبة جدا من الحكم، لأن التاريخ يشهد على أن فرنسا تقلّد الولاياتالمتحدة في كل شيء، خاصة في السياسة، حيث رفضت أن يصبح حكمها مثل انجلترا أو الألمانيين، وأبقت على الرئاسة بشكله الكلاسيكي مادامت أمريكا على هذا النهج. وكانت مارين لوبان، أكثر الفرحين ببلوغ هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، خط السباق الأخير، فكانت ترى نفسها فائزة في الحالتين، فإذا فازت هيلاري كلينتون، فمعنى ذلك أن أمريكا بعد أن وثقت في 44 رجلا، قادوا البلاد عادت إلى الجنس الناعم، وستسير فرنسا على خطاها وتمنح الرئاسة لجنس ناعم، لا يمثله في الوقت الراهن غير السيدة مارين لوبان، وإذا فاز دونالد ترامب، فهي أيضا ستكون أمام فرصة العمر لحكم فرنسا، لأن الفرنسيين كانوا يرفضون أن يحكمهم متطرف خوفا من انتقاد العالم لهم، ليجدوا أنفسهم الآن أمام مثال يقتدى به وهو الولاياتالمتحدةالأمريكية. ولم تكن مارين لوبان أمام طريق مفتوح في الانتخابات الرئاسية التي شهدتها فرنسا في سنة 2012، حيث كان النموذج الأمريكي الذي منح القيادة لرئيس صغير، في السنّ هو الماثل أمام الساسة الفرنسيين والشعب أيضا، فجاءت الغلبة لفرانسوا هولاند، وقبله لرئيس صغير أيضا في السن هو نيكولا ساركوزي، وتبقى قوّة مارين لوبان، هي خبرتها الكبيرة كعضو في البرلمان الأوروبي، لتمدّ بجذورها في كل مكان، من أجل تهيئة الأوروبيين لاستنساخ النموذج الأمريكي في منح القيادة لأول حاكم متطرِّف، ضد المهاجرين وخاصة ضد المسلمين والعرب، حيث أيدت مارين لوبان الكثير من الخرجات الغريبة لترامب، عندما كان يطالب بطرد كل المسلمين من أراضي الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبأن تصبح الولاياتالمتحدة، للغربيين فقط، وكانت ردود الفعل التي حدثت بعد أحداث باريس في 13 نوفمبر من السنة الماضية، صورة طبق الأصل، بين ترامب ولوبان، وكان من المفترض أن يكون ترامب حاضرا في ذكرى الأحداث يوم الأحد القادم، ولكن تولّي الرجل المتطرف للولايات المتحدةالأمريكية سيمنعه من زيارة فرنسا، ويعتبر الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند من أوائل الزعماء، الذين هنّأئوا الرئيس الأمريكي عبر تدخل تلفزي، ليتضح بأن مباركة باراك أوباما لترامب قد تعيد الكرّة مع هولاند والرئيسة المحتملة لوبان.