السّيد وزير الثقافة المحترم لقد انتابتني فرحة عميقة، وأنا أطوف على أجنحة معرض الشارقة الدولي للكتاب، لأنني رأيت عشرات العناوين لكتّابٍ جزائريين، حملتهم ظروف النشر البائسة في بلادهم، على أن يفرّوا بنصوصهم إلى ناشرين خارج البلاد، فصُمّمت ونُشرت وعُرضت وبيعت بأناقة، بعضها افتكّ جوائزَ وازنة، في الخارج طبعًا، وبعضها في الطريق ذلك، ومن مظاهر بؤس النشر في الجزائر غياب ناشريها عن مثل هذه المواعيد الكبيرة. بالمناسبة: لماذا تدعم الوزارة ناشرًا لا يُشارك في المعارض الدولية؟ غير أن فرحتي ذبلت، وحزني انتعش، بدخولي إلى الجناح الجزائري الذي تشرف عليه مؤسسة "إيناغ" التابعة لوزارتكم. لقد هرولتُ إليه بمجرد أن رأيته، تركت أشغالي وانشغلت به، فقد حرّكت مشاعري صورةُ العلم الوطني التي تعلوه، وكان اليومُ موافقًا للفاتح من شهر نوفمبر، ذكرى اندلاع ثورة التحرير كما تعلم، وهي ليست وطنية زائدة مني، فقد حصل الأمرُ نفسُه، مع جميع الجزائريين المقيمين في الخليج العربي. وكان سبب ذبول فرحتي وانتعاش حزني أن الجناح كان أصغرَ من الطائر، من العلم الوطني ومن الوطن ومن الشهداء ومن المبدعين الجزائريين في مجالات الكتابة المختلفة، وهي ليست ملاحظتي وحدي، حتّى لا أبدو متجنّيًا، فقد أجمع كلّ من التقيته من الجزائريين والعرب على ذلك. بعضهم عبّر عن هذا على حسابه في "فيسبوك". كانت العناوين المختارة قليلة، بعضها مشرّف، وبعضها مخزٍ ومشوّه لصورة الأدب الجزائري، ولست أدري كيف طبع في الجزائر أصلًا وكيف تمّ جلبه إلى هذا المعرض، على حساب إبداعات أخرى كانت قادرة على القول إن في الجزائر إبداعًا. هنا أخبرك معالي الوزير بأنك كنت الكاتبَ الجزائريَّ الوحيدَ الذي حضرت معظم إصداراته في الجناح المهيض. ألم تكن إدارة هذه المؤسسة الحكومية قادرة على أن تعيّن لجنة مختصّة للإشراف على اختيار العناوين المشاركة، بناء على المعايير الجمالية؟ ألم تكن قادرة على أن تستعين بكاتب ذي مصداقية أدبية، يحسن اللغة العربية واستقبال الكتّاب والإعلاميين الأجانب، ليشرف على الجناح الذي يمثّل مشهدًا جزائريًا هو من أثرى المشاهد العربية والإفريقية والمتوسطية إبداعًا؟ فيما نصرف المال إذا لم نصرفه في مثل هذه المحافل التي تسوّق ملامحَنا الثقافية والأدبية والحضارية؟ ألم تكن الجزائر قادرة على أن تؤجّر مساحة كبيرة داخل المعرض، تكون مؤثثة بالجيّد من كتاباتها، والجيّدين من كتّابها، تستقطب من خلالها آلاف الراغبين في معرفة ذلك؟ لماذا يأتي نجومنا في الأدب إلى مثل هذه المعارض، فيُحتفى بهم في الأجنحة كلها إلا في الجناح الجزائري؟ لماذا يجد الداخل إلى الأجنحة التي تمثّل دولًا أخرى مطوياتٍ أنيقة تسوّق لجديد الكتابة والسياحة والفن فيها، ويجد مستقبلين يتحدثون جيّدًا ويعرفون ما يقولون جيّدًا، إلا الداخل إلى الجناح الجزائري، فإنه يدخل ويخرج مفخخًا بعلامات الاستفهام؟ لا أفهم، أن تحتفل الحكومة بذكرى ثورة التحرير في الداخل، ولا تبذل ما يجب أن يُبذل من جهود في سبيل إنصاف صورة الثقافة الوطنية في الخارج، فليس معرض الشارقة وحده ما حصل فيه ما ذكرتُه، بل إنني عاينته في جميع المعارض التي زرتها. فهل من حركة خارج المكاتب والاستعراضات؟.