يعيش الأب أحمد صديقي بحرقة يزداد لهيبها كل يوم بسبب ابنه الذي توفي في ظروف غامضة ودفن بطريقة أكثر غموضا وليس أمامه في الوقت الحالي سوى رواية واحدة وهي أن ابنه سقط من القطار وهي القصة التي لم يهضمها، خاصة أنه حرم من إلقاء نظرة على الجثة ولذلك فهو يطالب منذ 14 سنة بفتح تحقيق في هذه الوفاة الغريبة أو على الأقل فتح القبر للتأكد إن كان الأمر يتعلق بجثة ابنه أو بجثة شخص آخر. * الأب أحمد، الذي زارنا بمكتب الشروق بسطيف، يتحدث عن كربته وعينيه تفيضان بالدمع، حيث يقول إن ابنه جمال المولود في 10 ماي 1975 بسطيف كان يؤدي الخدمة الوطنية بمدرسة الصحة العسكرية بسيدي بلعباس وبتاريخ 15 جويلية 1996 كان عائدا رفقة أصدقائه على متن القطار من بلعباس باتجاه العاصمة، لكنه اختفى عن الأنظار بمحطة وادي تليلات ومن يومها لم يعرف له أثر، حيث تلقى الوالد اتصالا من مصالح الدرك تخبره بأن ابنه توفي إثر سقوطه من القطار. ولما تنقل إلى عين المكان فوجئ بحرمانه من إلقاء نظرة على الجثة ومنع أيضا من استلام الملابس التي كان يرتديها ابنه وكل اللوازم التي كانت بحوزته وعندما نقل التابوت إلى بيت الضحية منع الأهل من الاطلاع على الجثة وتلقوا أمرا صارما بعدم فتح التابوت ودفنه مباشرة. أي أن الوالد وكافة أفراد العائلة لا يعلمون حيثيات الوفاة وليسوا متأكدين إن كان القبر الذي يزورنه لابنهم جمال أم لشخص آخر، بل إن الوالد يتساءل في بعض الأحيان إن كانت هناك جثة في التابوت أم شيء آخر. هذه الحادثة الأليمة دفعت بالوالد إلى القيام بالتحقيق بمفرده فتنقل إلى محطة وادي تليلات أين وجد عدة نقاط غامضة منها مكان الحادث الذي لا توجد به أي أثار للسقوط من القطار، كما أن المحطة كانت تعجّ بالمسافرين وعمال السكة الحديدية، فهل يعقل أن لا يكون هناك شخص واحد شاهد على الحادث. وبحسب الوالد، فإن رفقاء ابنه في السفر يقولون إنهم نزلوا بمحطة وادي تليلات وإن هناك مجموعة من الأشخاص كانوا يقفون في الجهة المقابلة للمحطة نادوا الضحية باسمه فتوجه إليهم وتزامن ذلك مع وصول قطار العاصمة وسط الزحمة فركب الجميع لكن عند الوصول اكتشفوا أن الضحية لم يسافر معهم. من جهة أخرى يقول الوالد، إذا كان جمال قد سقط من القطار فلماذا يمنع من رؤية الجثة واستلام ملابس ابنه واللوازم التي كانت معه. هذه الأسئلة المحيّرة دفعت الوالد إلى المطالبة بفتح تحقيق، لأنه لا يستبعد فرضية القتل العمدي لابنه وقد راسل في هذا الشأن مختلف السلطات العسكرية والمدنية والقضائية، حيث فاق عدد المراسلات 70 مراسلة، لكنه إلى يومنا هذا لم يجد أذنا صاغية واللغز مازال محيرا بالنسبة لهذا الوالد الذي دفن صندوقا مغلقا دون أن يعلم إن كانت به جثة ابنه أو جثة أخرى.